تونس: آلاف من التونسيين يعيدون الروح إلى «التعليم الزيتوني»

فتح أبواب التسجيل في جامع الزيتونة بالعاصمة.. وجامع عقبة بن نافع بالقيروان

جانب من جامع عقبة بن نافع في القيروان («الشرق الأوسط»)
TT

كشف الشيخ حسين العبيدي أمام جامع الزيتونة المعمور في العاصمة التونسية عن تلقي مشيخة الجامع قرابة ستة آلاف طلب تسجيل أعربوا عن متابعة التعليم الزيتوني الأصلي في مختلف الاختصاصات. وأشار الشيخ العبيدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه مع اقتراب افتتاح السنة الدراسية الجديدة مع بداية شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، أعلنت أكثر من جهة دينية في تونس عودة الروح إلى التعليم الزيتوني الذي يقدم دروسا في مواد القرآن وعلومه والفقه والعقيدة والأخلاق.

وأضاف الشيخ العبيدي أن التعليم في جامع الأزهر قد بدأ كفرع للتعليم الزيتوني وأشع إشعاعا كبيرا على العالم الإسلامي لأنه لم يتوقف طوال العقود الماضية عن أداء رسالته التعليمية. وقال إن التعليم الزيتوني ليس منغلقا على نفسه، بل يأخذ من برامج التعليم العمومي، مثل العلوم واللغة الإنجليزية والمعلوماتية والحساب المعرب، بالإضافة إلى الإيقاظ العلمي.

ومن المنتظر أن يبدأ التسجيل في التعليم الزيتوني الأصلي من سن ست سنوات ويتواصل إلى سن الثانية عشرة وينتقل بعد ذلك إلى المرحلة الأولى من التعليم الزيتوني الأصلي لمدة ثلاث سنوات تتوج بشهادة التحصيل التي توازي شهادة الثانوية العامة (الباكالوريا)، ثم ينتقل بعد ذلك الطالب إلى التعليم الجامعي الذي يدوم ثلاث سنوات حسب الاختصاص. ويوضح الشيخ العبيدي أن مقررات التعليم الزيتوني تبقى من اختصاص مشيخة الجامع الأعظم وفروعه وهو تعليم مجاني ومتاح لكل التونسيين وأبناء العالم الإسلامي.

ويسعى جامع الزيتونة إلى استعادة مجموعة من مقراته من بينها معهد ابن شرف المعروف سابقا بالحي الزيتوني، وكذلك الجامعة الزيتونية الكائنة بشارع 9 أبريل بالعاصمة التونسية، وهي تمثل مجموعة من الأوقاف والعقارات، شيئا فشيئا. وبالإمكان حسب الشيخ العبيدي تمويل التعليم الزيتوني الأصلي من مردود أوقاف جامع الزيتونة من عقارات وأراض وهبات وهي تخضع لعمليات محاسبة وتدقيق مالي من قبل مختصين.

ويطرح التعليم الزيتوني هيكلة واضحة المعالم، وللجامع الأعظم 25 فرعا موزعة على كامل تراب تونس، وتتألف المشيخة الكبرى لجامع الزيتونة من 120 عضوا تنقسم إلى فروع يتكون كل واحد منها من ثلاثة أعضاء ويترأس كل تلك الفروع شيخ الجامع الأعظم.

وبنفس المناسبة، تم يوم الأحد 2 سبتمبر الحالي افتتاح الفرع الزيتوني في جامع عقبة بن نافع بالقيروان، ومن المنتظر حسب الشيخ الطيب الغزي شيخ جامع عقبة أن تتوفر الإمكانات الضرورية للتعليم الزيتوني وستلقى الدروس في حلقات ويقدمها مختصون من خريجي كلية الشريعة وأصول الدين والجامعة الزيتونية وأساتذة التربية والتفكير الإسلامي، إلى جانب أساتذة وعلماء متخرجين في جامع الأزهر وقد عبر قرابة 500 شخص عن رغبتهم في تلقي التعليم الزيتوني في الفرع القيرواني.

وكان نمط التعليم الزيتوني الأصلي قد توقف تماما في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة وبالتحديد عام 1964 وانطلقت الحملة ضد التعليم الزيتوني منذ السنة الدراسية 1956-1957 بدعوى توحيد التعليم، ليستعيد أنفاسه عام 2012، أي بعد أكثر من 50 سنة من الانقطاع.

وتذكر الكتب التاريخية أن بورقيبة كانت له خلافات تاريخية مع علماء جامع الزيتونة واتهم بعضهم بمناصرة غريمه السياسي صالح بن يوسف خلال السنوات الأولى بعد استقلال تونس عن فرنسا عام 1956. وكان بن يوسف قد خطب سنة 1955 في جامع الزيتونة واتهم بورقيبة بخيانة القضية الوطنية ودعا التونسيين إلى مواصلة مقاومة الاستعمار وعدم الاكتفاء بالاستقلال الداخلي ومواصلة التفاوض مع المستعمر. وكان بورقيبة قد جرد بعد سنوات قليلة من الاستقلال علماء جامع الزيتونة من مهمة التعليم بمساعدة محمود المسعدي وزير التربية والتعليم آنذاك الذي كان يدعم نمط التعليم الغربي، وبذلك يكون بورقيبة قد قضى على نظام تعليمي متكامل دام لمدة قاربت 13 قرنا.

وكان نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قد أعاد أمل فتح التعليم الزيتوني في وجه التونسيين وتم التدريس لمدة ثمانية أشهر فقط سنة 1987 قبل أن يأمر بإعادة غلق هذا النوع من التعليم. إلا أن القضاء التونسي (المحكمة الإدارية) قضت يوم 19 مارس (آذار) من العام الحالي بفتح الجامعة الزيتونية وإعادة مفاتيحها إلى الهيئة العلمية.

ويمثل التعليم في جامع الزيتونة أول جامعة تعليمية في العالم الإسلامي وقد اتخذت منذ تأسيسها مفهوم الجامعة الإسلامية وثبتت دورها الحضاري كمركز للتدريس ونشر الثقافة العربية الإسلامية في بلدان المغرب العربي، كما تأسست في رحاب جامع الزيتونة أول مدرسة فكرية في أفريقيا وبرز منها علي بن زياد وأسد بن الفرات والإمام سحنون بن سعيد التنوخي. واشتهرت الجامعة الزيتونية في العهد الحفصي بمساهمات الفقيه والمفسر والمحدث محمد بن عرفة، بالإضافة للعلامة عبد الرحمن بن خلدون الذي درس في جامع الزيتونة.