أئمة وخطباء يستعدون للمنابر بـ«فيس بوك» و«تويتر»

بعد تضخم المنابر الإلكترونية الإسلامية الخاصة بعرض «الخطب المنبرية» وتزكيتها

جانب من احد الدروس الدينية في احد المساجد
TT

بعد أن حافظت خطب الأئمة من على المنابر، وعلى مر دهور من الصعود الإسلامي على بلاغتها وجزالة ألفاظها، إضافة إلى مراعاتها حال العوام والخواص، بإتقانها الطوال منها والقصار، حتى تباهت بها في أعيادهم ومساجدهم.

تحولت «المنابر» في الوقت الراهن، إلى حال مغاير، فعوضا عن استلهام فقه الخطابة وفنه، آثر عدد من الأئمة والخطباء في السعودية، شق طرق أكثر سهولة أشبه ما يكون بحالة «تدوير» للخطب، عقب تفشي ظاهرة ترويج «الأئمة والخطباء» لخطبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

فظاهره فيه «الرحمة» مساعدة لمن افتقروا إلى أدوات الخطابة الصعود على «منابرهم»، وباطنه «العذاب» توأمة للخطب لدق طبول حرب التيارات في أي مناسبة وأدلجة المنابر.

ولم تقتصر آليات الخطيب استعدادا للوقوف على منبره الأسبوعي أو خطبتي العيدين أو عقب صلاة الكسوف على استعارة الخطب من قبل الأئمة الآخرين. إلا أنه صعد نجم الشبكة العنكبوتية في الترويج للخطب والخطباء، بعد تضخم المنابر الإلكترونية الإسلامية الخاصة بعرض وتزكية «الخطب المنبرية»، وذلك كله أسفل عبارة بليغة في إيجازها «اطبع واخطب». كما هو الحال في موقع «منبر المضايف»، حتى وصل الحال إلى استفتاء أحد السائلين عبر موقع «الإسلام ويب» عن الحكم الشرعي بشأن «كتابة المرأة للخطبة وإلقاء الرجل لها».

ويأتي شيوع نهج الخطب المكتوبة سواء أكان خلال تجمعات «الأئمة والخطباء» عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، أو من خلال المنتديات وصفحات المواقع الشخصية للأئمة أنفسهم، أو حتى الاستعانة بما تفيض به المكتبات الشرعية من خطب خالدة، كاستعانة موقع وزارة الشؤون الإسلامية بكتاب «خطب مختارة» في خطوة للأخذ بيد «فرسان المنابر» كما يحلو للبعض تسميتهم.

وعلى الرغم من اشتراط وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف السعودية في نظامها الخاص (نظام الأئمة والمؤذنين وخدم المساجد) المنظم لشؤون الأئمة والخطباء والصادر1392هـ فيمن يعين لشغل وظيفة أمام لأحد الجوامع من فئة (أ وب) والبالغ عددهم وفقا لإحصائية رسمية 3532 إماما للجامع فئة (أ) و3910 أئمة للفئة (ب)، أن يكون عارفا بقواعد اللغة العربية، وقادرا على إنشاء خطب الجمعة وإلقائها دون لحن، إلا أنها اكتفت بالنسبة لمن يعين لشغل وظيفة إمام جامع فئة (ج) مسجد فئة (أ) أن يكون ذا معرفة كافية بالأحكام المتعلقة بالصلاة، مكتفية بشرط القدرة على إلقاء خطب الجمعة المكتوبة.

إلا أن الجدير بالذكر وبحسب إحصائية وزارة الشؤون الإسلامية فإن عدد جوامع الفئة (ج) مسجد فئة (أ) هو «صفر»، بالمقابل بلغت جوامع الفئة (أ) 5562 ألف جامع، و5521 ألف جامع للفئة (ب).

وتبعا للإحصائية فتصدرت مكة المكرمة بعدد الجوامع من الفئة (أ) و(ب) بواقع 2253 ألف جامع، تلاها العاصمة السعودية بـ2243 ألف جامع، وتفوقت القصيم بعدد جوامعها عن المنطقة الشرقية فبلغت 653 جامعا والمنطقة الشرقية 566 جامعا، وعسير 1716 جامعا من الفئتين (أ) و(ب)، وحائل 505 جوامع.

ولم يكن لحال فقه الخطب الراهن وواقع الخطباء من أن ينجو من نقد رجاله أنفسهم لمآلاته وهو الواقع الذي ساء إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور سعود الشريم بعد أن وصفه في كتابه الشامل.. «فقه الخطيب والخطبة» بالواقع «المرير»، قائلا، «رأيت شيئا من فقه الخطبة في هذا الزمان قد اندرس ورأيت كثيرا من الخطباء على جهل بأحكامها فلم يدر بعضهم ما تعلم، وما درس»، مضيفا: «فضعف التأهيل، وقل التأصيل، وغاب الدليل إلا ما شاء الله حتى ساءني هذا الواقع المرير».

أما الداعية الإسلامي عائض القرني فلخص وصفه لحال بعض الخطباء الثقلاء في الوقت الحالي «من إذا تكلم لا يكاد يبين كأنه من الأعجمين، ينطق بالحرف مقلوبا، ويجعل المرفوع منصوبا، ملأ خطبته عيوبا، وندوبا وثقوبا، غضب منه في النحو سيبويه، وفي اللغة نفطويه، وفي الحديث راهويه، وفي الشعر متنبيويه».

من جانبه اعتبر سامي الماجد الإمام والخطيب السابق مواقع التواصل الاجتماعي إحدى أبرز القنوات التي يتخذ منها الخطيب عناصر خطبته، مشيرا إلى انتشار واسع في شهر رمضان السابق لهشتاقات كثيرة في خطوة لملامسة اهتمامات العامة بينما تود سماعه خلال خطبة العيد.

وبشأن آلية استعداد الخطباء لساعة الصعود على منابرهم باستثناء كتبتها ومؤلفيها، فأفاد الماجد أن هناك من يعمد إلى طباعة الخطب من الإنترنت والمنتديات، وفريق آخر عبر التراسل؛ حيث يجتهد البعض بإرسال خطبهم إلى آخرين للاستفادة منها، أو أن يستعين البعض بكتب الخطباء المعروفة.

وعلى الرغم من تنوع مؤلفات الخطب المنبرية لعدد من أعلام الساحة الإسلامية والفقهية، وما توفره الشبكة العنكبوتية من فرصة التبادل والتواصل السريع، الذي عده البعض نعما حميدة، حتى بلغ الأمر لدى البعض قراءة خطبته من خلال جهازه المحمول الـ«آي فون» موفرا على نفسه عناء طباعتها.

إلا أن ذلك سرعان ما سجل سلبيات مختلفة بحسب منتقديه، تلخصت بتوظيف المنابر عبر خطب رمزية في حرب التيارات، وشيوع أدلجة الخطب وتسييسها، إضافة إلى عدم مراعاة التوقيت الملائم أو الراجح من المصالح والمفاسد أو المقاصد والغايات من خلال اعتماد الخطب جاهزة الصنع، كما حصل مع ما يعرضه موقع وزارة الشؤون الإسلامية ضمن كتاب «الخطب المختارة»، لخطبة سابقة للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في السعودية محرما على الدول العربية احتفالهم باليوم الوطني.

من جانبه، علق خالد المهيدب الإمام والخطيب السابق على قضية استغلال المنابر من خلال عملية «التدوير» لخطب الجمعة عبر تنقلها من خطيب لآخر متزامنا إلقاؤها في أكثر من جامع، أن العادة جرت في الإعداد للخطبة أن تكون اجتهادا من قبل الإمام والتي قد تقتضي يومين كاملين للإعداد لها، مدافعا عن الأئمة والخطباء بشأن توظيف المنابر لاعتبارها الفرصة الوحيدة لإبلاغ رسالتهم، في الوقت الذي يسيطر فيه الإعلاميون على وسائل الإعلام على حد قوله مقابل حجب مشاركات الإسلاميين، مع مراعاة الخطباء للخطوط العريضة التي تحددها الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف.

وهو الأمر الذي حذر منه الشيخ علي الطنطاوي في إحدى خواطره، مؤكدا على الخطيب الاقتصار على تبيين حكم الله فقط لا آرائه هو وخطرات ذهنه ويحرص على رضا الله وحده، لا على رضا الناس، فلا يتزلف إلى أحد ولا يجعل الخطبة وسيلة إلى الدنيا وسببا للقبول عند أهلها.

إلا أن لجوء الخطباء من وجهة نظر الكاتب الإسلامي سامي الماجد والخطيب السابق للاستعانة بالخطب المكتوبة أو الجاهزة الصنع إنما هو عائد إلى الأزمة التي تعانيها السعودية من ضعف التأليف، وتواضع القدرات الارتجالية، والتي لم تتجاوز الخواطر والتغريدات، الأمر الذي استدعى ممن تتوفر لديه القدرات البلاغية من الخطباء أن يقوم بإرسال خطبه لإلقائها من قبل آخرين.