الذئب

صالح المغامسي

TT

ائتمر إخوة يوسف على أخيهم، وأجمعوا أمرهم أن يجعلوه في غيابة الجب، ثم قدموا على أبيهم ليلا قائلين كما جاء في كتاب الله: «إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب». ومن هنا قال الناس في الحديث عن كل بريء صحت براءته وسلمت ذمته: «هو بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب».

ومن كناه الشهيرة أنه يكنى «أبا جعدة»، والجعدة الشاة، ولما قدم عبيد بن الأبرص الشاعر على المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وأراد المنذر قتله، ثم خيره أن يسقيه الخمر ثم يقتله، فظاهر فعله الإكرام، وهو في حقيقة الأمر إنما يريد قتله، عندها قال عبيد:

وقالوا هي الخمر تكنى الطلا كما الذئب يكنى أبا جعدة والمعنى: كما أن الخمرة وإن سميت طلا وحسن اسمها فإن فعلها قبيح، وكذلك الذئب، وإن حسنت كنيته فإن فعله قبيح.

قالوا: وإذا عرض للإنسان عارض وخاف العجز عنه عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب، فتقبل على الإنسان إقبالا واحدا وهم سواء في الحرص على أكله، فإن أدمى الإنسان واحدا منها وثب الباقون على المدمى فمزقوه وتركوا الإنسان، قال بعض الشعراء يعاتب صديقا له وكان قد أعان عليه في أمر نزل به:

وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما، أحال على الدم وهنا يقول بعض أهل السياسة، إن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لما اجتمعت كثير من الدول على دولته في أيامه، لجأ إلى سياسة العواء مع الذئاب حتى يفرق شملهم، وقد أخرت تلك السياسة الأعداء من تحقيق مرادهم سنين طويلة.

ولما أراد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يحث أمته على لزوم الجماعة، ضرب لهم مثلا مما يعرفون، فقال صلوات الله وسلامه عليه: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».

وقال أكثم بن صيفي في حكمه وأمثاله: «من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم». قالوا: أي ظلم الغنم، وهذا المعنى وإن كان صوابا إلا أن المعنى «عندي» أي ظلم الذئب لأنه كلفه ما ليس في طبعه، وجوز هذا المعنى الدميري في كتاب «الحيوان».

وهذا يسوق إلى القول إن المرء العاقل إذا أدرك حقائق الأشياء سهل عليه أن يتعامل معها في شتى أموره، ولهذا قالت الحكماء: «ثلاث لا حيلة فيهن: فقر يصاحبه كسل، وخصومة مشوبة بحسد، ومرض يرافقه هرم». فمن تأمل في هذا القول وجده حقا، وما ذاك إلا من ثمار إدراك حقائق الأشياء.