اتحاد الكتاب اللبنانيين ..إلى أين؟

الكتاب يدفنون اتحادهم والسياسيون سيفتشون يوما عن اتحاد يستثمرون نقاط ضعفه

TT

يد السياسة ليست بريئة مما يحدث في «اتحاد الكتاب اللبنانيين». فبعد اشهر قليلة على انتخابه من قبل الهيئة الادارية استقال امين عام الاتحاد الشاعر جوزف حرب «لإلغاء الجدل القانوني الذي لم تتكرم المراجع المختصة بحسمه وتزويدنا بنتائجه خطياً» حسب ما ورد في نص الاستقالة. وهذا الجدل، الذي قصم ظهر البعير، هو حول الحق القانوني لجوزف حرب في الوصول الى منصب الامانة العامة للمرة الثالثة على التوالي، بينما نص القانون الداخلي الجديد على دورتين متتاليتين فقط. فهل خرق جوزف حرب القانون؟ وهل ان هذه الاستقالة هي من علامات الانهيار الاخير لعمل اتحادي تجاوز عمره الثلاثين سنة؟ بحسب حرب نفسه فإن القانون الذي عدّل مؤخراً، يبدأ العمل به عند صدوره في الجريدة الرسمية، و«باستشارة محامين من داخل الاتحاد وخارجه جاء الجواب بأن الدورات السابقة على تعديل القانون لا تحتسب، وبالتالي اردناها دورة انتقالية نستطيع من خلالها ترتيب اوضاع الاتحاد». وحسماً للجدل فقد طلب من الجهات الرسمية المختصة اعطاء ردها خطياً والموافقة على نتائج الانتخابات الجديدة التي ارسلت بالبريد المضمون، لكن الاسئلة بقيت بلا اجابات رغم مرور ثلاثة اشهر، فماذا وراء هذا الصمت الرسمي؟ وهل سيختلف اعضاء الهيئة الادارية في ما بينهم، بعدما حصل، على اقالة انفسهم، او الابقاء على عضويتهم؟ والى اين سيذهب الاتحاد؟

الاتحاد أبعد ما يكون عن الاستقلالية، وسموم السياسة تخترقه من كل صوب، وهو ما يعترف به جوزف حرب قائلاً: «لست انا الذي فتحت باب العضوية لإدخال حزبيين يؤثرون في مسار الاتحاد. وصلت وكان الوضع على هذا النحو، ومحاولاتنا كانت لوضع قانون يسمح بالحد من هذه الآفة».

والتساؤلات التشكيكية والشكاوى، لا تأتي من خارج الاتحاد بل من اعضاء الهيئة الادارية انفسهم الذين دخلوا الانتخابات على دراية تامة بالفساد الذي كان يلفها، ومع ذلك قبلوا، واليوم يتحدث الجميع عن الفساد، وحجة القبول بالانتخابات على علاتها، انهم كانوا يريدون الاصلاح من الداخل، لان البقاء خارجاً لا يجدي نفعاً. يتحدث معارضو حرب عن «ديكتاتورية الرجل وخطف الاتحاد» ويتحدث الامين العام المستقيل، وله في ذلك مؤيدون، عن «فساد ثقافي لا يحتمل» وعن «اجواء مخابراتية تتحكم في العمل الثقافي العربي واقبية تعذيب بدأت تنتشر خارج السجون كما داخلها».

وبإمكان من يتحري الحقيقة ان يستمع لتهم متبادلة لا عد لها ولا حصر، ولجبهات مختلفة ومتعددة تنقسم على ذاتها كما تفعل الفطريات لتتكاثر وتتنامى في الاجواء الرطبة التي تحتاج الى هواء نظيف.

لكن المتقصّي للخبر اليقين، يتوه في الحيثيات لكنه يخرج بنتيجة واحدة واضحة، وهي ان امكانية الاصلاح باتت شبه معدومة رغم رصد مائة مليون ليرة سنوياً كميزانية للاتحاد، واشتُرط ان ترصد رسميا، دون ان يكون لاي سلطة حق التدخل في قرارات الاتحاد، موالية كانت ام معارضة. لكن الكلام شيء وما يحدث على الارض شيء آخر.

وكان اعضاء بارزون في الاتحاد قد قدموا استقالات جماعية منذ سنوات اعتراضاً على ما وصل اليه من تجاذبات وضغوط سياسية وهذه الاستقالات لم تقبل لغاية اليوم، لكن المستقيلين علقوا عضويتهم. والباقون، في الداخل، اما انهم اجهزوا على ما بقي منه او انهم ـ وهؤلاء قلة ـ حاولوا فعل شيء لانقاذه فجرفتهم العاصفة.

وبهبوط الاتحاد الى هذا الدرك بسبب الكتاب اولاً الذي رهنوا انفسهم لجهات سياسية تحركهم كيفما شاءت، وبفضل الهشاشة السياسية التي تحتاج لتحقيق مآربها الصغيرة للعمال والكتاب والنقابيين على اختلاف مهنهم تكون الخسارة قد اكلت مصالح المستخدَمين والمستخدِمين على حد سواء. فالكتاب يدفنون اتحادهم والسياسيون سيفتشون يوما عن اتحاد يستثمرون نقاط ضعفه، فلا يعثرون عليه.