ندوة مغاربية تراجع فيها السؤال الثقافي لحساب السؤال السياسي

TT

طرحت ندوة «سؤال الثقافة في المغرب العربي»، التي نظمتها وزارة الثقافة والاتصال المغربية على مدى يومين (25 و26 أبريل/ نيسان) بمدينة طنجة ،و شارك فيها كل من: هشام جعيط والمنصف وناس من تونس، وعلي عبد الرحمن ضوي ومصطفى عمر التير من ليبيا، ومحمد مختار الفقيه من موريتانيا، وعبد القادر جغلول من الجزائر، ومحمد برادة وبنسالم حميش وكمال عبد اللطيف من المغرب، مجموعة من الأسئلة المتباينة حول المشروع الثقافي في المغرب العربي الذي ينظر اليه البعض كوسيلة من وسائل تعزيز اتحاد المغرب العربي، وحول الأدوار الممكنة للمشروع السياسي الديمقراطي في تطور المجتمعات المغاربية وفي تطور المشروع الثقافي في هذه الأقطار. كما تم البحث في امكانيات تعزيز مجالات الجدل والانفتاح الثقافي والروح النقدية في البلدان المغاربية مع الحفاظ على الخصوصية المتنوعة لتلك البلدان.

وفي هذا الاطار تأتي مداخلة الباحث التونسي هشام جعيط التي طرح فيها جدلية التنوع والوحدة علي مستوى المغرب العربي بصفة خاصة وعلى مستوى العالم العربي بصفة عامة، وحذر من الأحادية التي لا تعني في شيء الوحدة التي تستبطن التنوع. ويرى هشام جعيط أن الجدلية التي يقدم تستبعد الثورة والتأجج النضالي وتدعو الى الرفع من مستوى الوعي والاعتماد على النقاش العلني وليس اقصاء الرأي الآخر لأن ذلك سيؤدي الى الأحادية وليس الوحدة التي تقتضي التنوع والاعتراف بالآخر.

وفي نهاية مداخلته دعا هشام جعيط المفكرين العرب الى عدم التلاعب بالأفكار وقول الرأي بكل شجاعة وحرية والتوجه الى التنوع داخل الوحدة، لأن دور المفكر برأيه هو تثبيت الحرية وعدم الخوض في الديماغوجية العقيمة.

ومن جهته تحدث محمد مختار الفقيه عضو منتدى الفكر والحوار بموريتانيا عن «دور المثقف والثقافة ازاء حاضر ومستقبل المغرب العربي»، ووصف الثقافة في المغرب العربي بـ«اليم الراكد»، والمثقفين بـ«سماسرة الأوهام». وطرح مجموعة من الأسئلة من بينها: ما موقع المثقف المغاربي من الثقافة العربية والعالمية؟ وهل هو فاعل في حاضره أم أن دوره انتهى؟ وهل هناك ثقافة مغربية قادرة على التعبير عن هموم هذا الوطن المغاربي؟ وهل من الممكن أن يكون المجال المغاربي مخرجا للمثقف المغاربي؟

وبنبرة من الحسرة وبنوع من جلد الذات أشار محمد مختار الفقيه الى أن المثقف المغاربي غائب تماما لا تسمع عنه إلا في المناسبات الرسمية، وأن المثقف الجاد أصبح مثار السخرية لا يجد من يستمع الى أوهامه. وأضاف أن المجال المغاربي الرحب هو مخرج المثقفين المغاربيين، وأن معركة المثقفين المغاربيين يجب أن تتركز على ترسيخ مفهوم المواطنة المغاربية، وعلى تحطيم كل الطوباويات واعادة تفكيك العقل العربي.

أما الكاتب المغربي محمد برادة فقد تحدث عن «الثقافة المغاربية وعوائق البناء الديمقراطي»، وأثار مجموعة من الأسئلة المتعلقة بمستقبل الثقافة في المغرب العربي، وحول التجربة الديمقراطية التي يعد المغرب رائدا فيها على مستوى المغرب العربي، كما كشف عن العلائق الملتبسة التي تسود في الوطن المغاربي والتي تحول من دون التعايش والتثاقف المخصب.

وبعد تمييزه بين السياسة والديمقراطية أشار محمد برادة الى الجدلية المعاقة بين الثقافي والسياسي في المغرب العربي، وذكر أنه ما قبل الاستقلال كان هناك تفاعل بين المثقف والسياسي، ولكن بعد الاستقلال برز تباعد بينهما وتباعدت الدولة عن الأمة الوطنية، حيث ظهرت السلطوية وتم تهميش الفئات المتنورة وقمع المعارضين من الشعب. ولكن رغم ذلك ظهر العديد من النتاجات الأدبية والفنية البعيدة عن اللغة المتخشبة للسلطة، وهو ما يدل على أن الانتاج الأدبي والفني هو المدخل الرئيسي لتجاوز الوضع القائم.

وتحدث الكاتب المغربي بنسالم حميش عن «عوائق الفعل الثقافي في الفضاء المغاربي»، ودعا الباحث في المغرب العربي الى تفعيل «القوة الاقتراحية» لتجاوز الصعاب التي يعرفها الحقل الثقافي في بلدان المغرب العربي. وبعد تحديده لمفهوم المثقف في «الصوت الآخر الذي يتحلى بالجرأة والحرية اللازمتين للتعبير عن رأيه بكل صراحة»، أشار حميش الى أن الفعل الثقافي في الفضاء المغاربي يعاني من مجموعة من العوائق أبرزها: أولا انحصار القراءة ووظيفة النقد الناتج عن سوء أحوال التعليم والعطالة وسوء أحوال النقد وتضخم المثقف المنتج بأناه. ثانيا وهن المثقفين الذين بدأوا يلجأون الى الحياد والخمول وينزعون الى التقاعد المبكر. ثالثا واقع «الهيجومنية» والتبعية، و«الهيجومنية» لفظ يوناني يعني الاستبداد والعبودية، وقد استعان به الكاتب لأنه خير لفظ يمكن التعبير به عن وضع المثقفين المغاربيين وحتى العرب الآن الذين أصبحوا تابعين للغرب دونما بحث في ذواتنا وفي تراثنا الزاخر، كما قال.