أهوال من أميركا اللاتينية وحب فرنسي

فارجاس لوسا من البيرو والبنغالية تسليمة نسرين والأميركي أرنوج مايار في أعمال جديدة

TT

مع الكولومبي جبرييل جارسيا ماركيز والمكسيكي كارلوس فيونتاس يحتل الكاتب والروائي فارجاس لوسا من البيرو مكانة عالية في الادب العالمي الراهن. وفي مجمل رواياته مثل «البيت الأخضر» و«مناقشة في الكاتدرائية» و«الخالة جوليا» و«حرب نهاية العالم» هو يتطرق الى فواجع اميركا اللاتينية وازماتها التاريخية والسياسية، وصراع شعوبها من اجل الحرية ومن اجل حياة أفضل، كما يصور آمالها واساطيرها واوهامها وعذاباتها بأسلوب غاية في الطرافة والتميّز.

وقد بدأ فارجاس لوسا حياته يساريا متعاطفا مع الثورات والتيارات الاشتراكية والتقدمية، ومناصرا للثورة الكوبية ولبطلها ارنستو تشي جيفارا، غير انه تخلّى عن توجهاته هذه لما تقدمت به السن، واصبح محافظا ومدافعا حتى عن اعتى المحافظين مثل مارجريت تاتشر، كما انه هاجم في العديد من مقالاته الثورة الكوبية وفيديل كاسترو تحديدا. ومطلع التسعينات رشح نفسه للانتخابات الرئاسية في بلاده غير انه مني فيها بفشل ذريع. وهكذا عاد من جديد الى الادب، ليكتب جملة من الروايات مظهرا فيها المزيد من القدرة والذكاء والعبقرية. ففي «ليتوما في الانديز» ينتقد بشدة ثوار «الدرب المضيء» الماويين الذين يخوضون حرب العصابات في بلاده البيرو، منذ عقود عدة. وفي «دفاتر دون ريجو بيرتو» يخوض في عالم الايروسية وهو يقول: «عندما اكتب رواية الجأ الى اللاعقلاني، والى الاحاسيس والانفعالات والغرائز والى كل ما ليس بالامكان مراقبته او التحكم فيه والذي يسميه الفيلسوف الفرنسي الكبير جورج باتاي «الجانب اللعين فينا». اما حين اخوض في المسائل المتعلقة بالسياسة، فإني احاول ان الجم قدر الامكان انفعالاتي. وهذا ليس بالامر السهل دائما، ولكني اسعى اليه ذلك اني اعتقد ان انبثاق اللاعقلاني في السياسة لا يفضي في النهاية إلا الى العنف. اما في الادب فهو شيء مرغوب فيه ومحبذ. ورغم هذا الفارق الاساسي، فاني اعتقد ان اعمالي الروائية تعكس أفكاري السياسية.

وفي روايته الأخيرة: «حفلة التيس» يتطرق فارجاس لوس الى موضوع كان قد تطرق اليه كبار كتاب اميركا اللاتينية، خصوصا استورياس وجبرييل جارسيا ماركيز وردا باستوس اعني بذلك، الديكتاتورية. والديكتاتور في هذه الرواية هو البغيض رافائيل ليونيداس تروجيلو، الذي حكم سانت دومينج بالحديد والنار، وها هو امامنا شخصية مضحكة، بشارب يشبه شارب أدولف هيتلر، وبقامة قصيرة غير ان عينيه تلمعان بالشر والضغينة والعنف. وقد استولى رافائيل ليونيداس تروجيلو على الحكم في بلاده عام 1930، وعلى مدى ثلاثة عقود سوف يحكمها بوحشية استثنائية. وظلWj1#نا في سياسته السوداء هذه الى ان داهمت فرقة من «سي. اي. ايه» قصره على شاطئ البحر في 30 مايو / ايار 1961 لتغتاله مثل كلب ومثل كل الديكتاتوريين، كان تروجيلو ديماغوجيا، كذابا، متسلطا، عنيفا، يتجسس على ابناء شعبه في الليل والنهار ويرسل عيونه الى كل مكان، ويكسب رضا وزرائه واتباعه بالرشوة والفساد، ومن خلال الحزب الذي كان يتزعمه استولى على جميع اراضي بلاده تقريبا، وانشأ امبراطورية مالية هائلة، وقتل ما يزيد على عشرين الفاً من ابناء شعبه، وسمى نفسه «ولي نعمة الوطن» وسلح حراسه ورجال الشرطة بهراوات حديدية لقمع المتظاهرين واسكت الاصوات المعارضة، وسلط على الصحافة رقابة جهنمية. وكان ابنه رامفيس يعيش في باريس. وكل ليلة كان يرتاد الملاهي الراقية ليراقص الحسناوات الشقراوات. وعندما حاول بعض الضباط الاطاحة بوالده، تكفل هو بمعاقبتهم، فاخضعهم الى تعذيب وحشي. وواحد منهم خصي بمقص قبل ان يعدم. وواحد آخر وضع في زنزانة لمدة اسابيع عدة بدون أكل. بعدها قدم له صحن من اللحم فالتهمه بسرعة وحالما انتهى من ذلك، اعلن الحراس ان اللحم الذي أكله، هو لحم ابنه الاصغر! ولكي يقتنع بذلك وضعوا امام عينيه المفعمتين بالرعب والذهول رأسه.

* ارنوج مايار وعنف الثورات

* يعمل ارنوج مايار المولود في لكسومبورج عام 1928 والحاصل على الجنسية الاميركية عام 1944، استاذا للتاريخ في جامعة «برنستون» وفي شبابه تأثر بأفكار هاولرت ماركوز. واختار ان يكون: منشقا يساريا.. كما يحلو له ان يقول. وخاصيته الاساسية كمؤرخ هو انه يمزج الاطروحات الواضحة والدقيقة بالادلة والبراهين القوية حتى انه يتحول احيانا الى روائي. وفي كتابه «استمرار النظام القديم» الصادر اواخر السبعينات من القرن الماضي، يحاول ان يثبت ان اوروبا في عام 1914 كانت لا تزال تحت سيطرة تقاليد النظام القديم، ذلك النظام الذي كان يميل اساسا الى ما قبل عصر الثورة الصناعية وعصر البورجوازية. وكدليل على ذلك، يقدم امثلة من الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي تظهر تحت هذا الشكل او ذاك ان النخب القديمة المنتمية الى الطبقة الارستقراطية كانت لا تزال مهيمنة وقوية. غير ان هذا النظام القديم لم يتمكن من الثبات امام القوى الجديدة الناهضة التي رمت بالعالم بأسره في اتون الحرب الكونية الاولى. وحسب ارنوج مايار فان تلك الحرب كانت «تعبيرا عن سقوط واندحار النظام القديم الذي كان لا يزال يحاول البقاء على قيد الحياة». ورغم دقة الاطروحات التي وردت فيه، والمهارة في التحليل، فإن الكتاب المذكور لم يقنع الكثيرين من المؤرخين وعلماء الاجتماع والمفكرين. ولكن مايار عاد ليؤكد طروحاته في كتاب آخر هو «الحل الاخير في التاريخ».

قائلا «ان الحرب العالمية الثانية مرتبطة بخيط سري بالحرب الكونية الاولى». واما في كتابه الآخر «هيجانات» فقد اظهر ان العنف والارهاب هما من خاصيات الثورات الكبيرة مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية.

وعن سبب ذلك يقول: «في هاتين الثورتين لم يكن بالامكان ان يكون هناك عنف لو ان المقاومة الداخلية والخارجية لم تكن شديدة. فقد استطاع النظام القديم ان يصمد وان يحافظ على بنائه وتقاليده وتركيباته رغم عواصف الثورة العاتية».

* حب فرنسي

* «حب فرنسي» عنوان الرواية الجديدة للكاتبة البنجالية تسليمة نسرين. وقد صدرت عن دار «بانجوين بوكس انديا» مطلع هذا الربيع وفيها تروي قصة امرأة تدعى نيلا نسيانا تغادر كلكوتا الى باريس مدينة النور والحرية لتعيش مع زوجها كيشازلال الذي يملك هناك مطعما من الصنف الثالث. ومنذ الاسابيع الاولى، تكتشف نيلا نيانا فقر الحياة الزوجية وسطحيتها وركاكتها وابتذالها. فزوجها لا يثير فيها لا بالكلام ولا بالفعل اية عاطفة. كبداية يطالبها بالقيام لوحدها بالاعمال البيتية الشاقة. بالاضافة الى هذا كله، هو شخص متبلد الحس، ليس بامكانه ان يتبين جمال الاشياء او الطبيعة. انه منصرف الى عمله طول الوقت ولا هدف له غير جمع المال. وعندما تدرك هي ان الحياة باتت معه مستحيلة تتركه غير آسفة لتعيش مع امرأة فرنسية مدافعة عن حقوق المرأة. وعندما تعلم ان امها مصابة بمرض خطير وان حياتها اوشكت على النهاية تعود الى كلكوتا لتعيش معها الساعات الأخيرة. ورؤية امها وهي تحتضر تثير غضبها ضد الرجال وكراهيتها لهم. وبعد وفاة والدتها، تعود الى باريس لتعيش قصة حب جديدة مع فرنسي متزوج يدعى بينوا ديبون. وهو طويل القامة، ازرق العينين، مكتمل الرجولة. لكنها لا تلبث ان تتركه لماذا؟ لانها اكتشفت ان حبيبها الفرنسي يهتم بنفسه اكثر مما يهتم بالمرأة التي يدعي انه يحبها وقد علقت جريدة «اوتلوك» الهندية على «حب فرنسي» قائلة: «مقارنة بـ «العار» التي جاءت بلاغية وشببيهة بوثيقة، يمكن القول ان «حب فرنسي» افضل بناء ومكتوب باسلوب اجمل. وما يمكن الاشارة اليه هو ان عالم شخصيات تسليمة نسرين يبدو شبيها بساحة معارك تدور فيها الحرب بين الذكور والاناث على اشدها. وربما لهذا السبب جاءت الرواية خالية من أي افق، ان رؤية هذه الكاتبة للعالم جد محدودة ذلك ان بطلتها تعتقد ان السياسة هي الشعر. وهذا خطأ يرتكب غالبا حين يصبح الجنس هوسا لدى الكاتب».

* الغاز برشلونة

* يعتبر الكاتب الاسباني ادواردو ماندوزا واحدا من اشهر الكتاب الاسبان راهنا إذ تحظى اعماله باهتمام عالمي خصوصا وانها نقلت الى العديد من اللغات مثل الفرنسية والانجليزية والايطالية وغيرها. وجل احداث هذه الاعمال تدور في برشلونة حيث ولد وحيث يعيش الآن. ومتحدثا عن اللغة الكتلانية لغة المنطقة التي ينتمي اليها يقول: «لقد سعوا الى قتل اللغة الكتلانية غير انهم لم يفلحوا في ذلك، وخلال الفترة الفرانكوية (نسبة الى فرانكو) كانت هذه اللغة ممنوعة. ولم يكن الناس يتكلمونها، الا في بيوتهم وكان ذلك يحدث يوميا. وبعد عام 1976، حاول البعض ان يجعلوا من كاتلونيا مقاطعة بلغة واحدة غير ان الاخفاق كان شديدا. ايضا ازدواجية اللغة في هذه المقاطعة اصبحت واقعا لا مفر منه. ويواصل ادواردو ماندوزا حديثه قائلا: «اما انا فانتمي الى التقليد الادبي الاسباني ولكني انتمي ايضا الى التقليد الأدبي الكتلاني. وهناك كتاب مهمون يكتبون بالكتلانية وقد تأثرت بالبعض منهم وكانت امي تتكلم الكتلانية في البيت. لذا تعلمت هذه اللغة دون ان ادرسها. ولكن محاولاتي للكتابة بها تظل محدودة وهي تقتصر على مقالات في الصحف وعلى مسرحيات صغيرة».

وعن مدينة برشلونة التي تحتل مكانة بارزة في مجمل اعماله، يقول ادواردو ماندوزا: «ان هذه المدينة ـ اي برشلونة ـ تهمني كثيرا وعموما انا اهتم بالمدينة واراها المكان الانسب بالنسبة لي. حتى وقت غير بعيد، كان ينظر الى المدينة وكأنها شيء غير انساني وغير طبيعي. شيء مشوه. اما الريف فكان يمثل الفضيلة والصفاء الخ... اليوم تغير كل شيء. واصبحت المدينة فضاء ايجابيا. وبالنسبة لبرشلونة اعتقد انها تمتلك جميع خاصيات المدن الكبيرة غير انها لا تزال عذراء على المستوى الادبي. وهي لا تملك التقاليد الثقافية الثقيلة والطويلة التي تمتلكها باريس او لندن.. وما يعنيني ككاتب يعيش في هذه المدينة هو ان احاول دائما فهم لغة التخاطب بين الناس والصلات الاجتماعية بينهم مثلا اريد ان افهم لماذا اختار هذا التاجر ان يكون لون محله ازرق او اخضر او ابيض. وايضا لماذا يلتقي الناس وفي اي احاديث هم يخوضون.. واية مواضيع تشغل بالهم. وما هي اهتماماتهم وما هي احاسيسهم تجاه هذا الحدث او ذاك. وما هي العلاقة بيني وبين هذا المتسول وهذا البائع وهذا المتشرد.