الاعتراف والغفران في فيلم كندي عن مذابح الأرمن

توم إيغويان: لا أطالب بأن ينتقم أحد من آخر بل أدعو لاجتياز العقبة في العلاقات بين شعبين

TT

اذا ما جلست الى المخرج الكندي اتوم ايغويان للحديث معه وسألته اي عيار من الاسئلة يفضل كبداية. خفيفة ينسل منها المرء الى ما هو ثقيل لاحقا، ام جادة وثقيلة من البداية؟ سارع بالرد: «جادة وثقيلة طول الوقت».

انه المخرج الذي قدم هذا العام فيلما روائيا نادرا عن المذبحة التي تعرض لها الارمن في عام 1915 وما بعد. اسم الفيلم «ارارات» (نسبة للجبل المطل الذي يقع شرق تركيا) وقد كتبه ايغويان (41 سنة) بنفسه. يقول: «كتبته في الواقع قبل عشر سنوات ثم اهملت. حتى سن السادسة عشرة لم اكن اعلم شيئا عن الموضوع، ثم بدأت بالاهتمام بتاريخ العائلة ووجدت ان اجدادي كانوا من ضحايا المذبحة. بعض اقربائي هرب الى لبنان وبعضهم هرب الى القاهرة وولدت انا هناك من دون ان اعلم شيئا عن التاريخ».

* لماذا تأخر انتاج الفيلم كل هذه السنين إذاً؟

ـ «ابتعدت عن المشروع بعد كتابته، لكن المنتج روبرت لانتيس الذي كان قد انتج «صنشاين» (اخرجه المجري اشتفان زابو عن عائلة يهودية تنجو من الهولوكوست بتغيير ديانتها قبل ان تعود اليها بعد الحرب) قال لي انه يجب ان اخرج هذا الفيلم وان الوقت المناسب هو الآن».

«ارارات» ليس الفيلم التاريخي الذي قد يعتقده البعض. لا يبدأ بنقطة من التاريخ ويستمر فيها، ولا هو يبدأ بشخص يروي ما حدث ثم نعود في «فلاش باك» الى الماضي نجتر منه. انه اكثر تعقيدا من ذلك، اذ ان هناك اكثر من زاوية حدثية تقع فيه. في ترتيب متحرر من الوسيلة السردية التي اعتمدها الفيلم يمكن تلخيص القصة على النحو التالي:

الشاب رافي (ديفيد الباي) يعمل سائق سيارة في الشركة التي تنتج فيلما عن المذبحة الارمنية عنوانه «ارارات». والدته (ارسيني خانجيان، التي سبق لها الظهور في افلام أخرى لايغويان) مؤرخة يتم توظيفها في الفيلم كمستشارة تاريخية، خصوصا ان الفيلم يتعامل ايضا مع فن الرسام الارمني ارشيل غوركي (سايمون ابكاريان). ينطلق رافي الى تركيا لمهمة جمع حقائق عن المذبحة، وحين عودته يستجوبه ضابط الجمارك (كريستوفر بلامر) عن محتويات اربع علب من الافلام كان على اهبة فتحها. رافي يدعي انها تحوي افلاما والضابط يرتاب في انها قد تحتوي على مخدرات مهربة. من خلال الاستجواب الطويل نزور موقع التصوير في الاستديو وما يحدث فيه تارة والموقعة ذاتها كاعادة سرد تاريخي للمجزرة.

* لا بد ان كتابة هذا السيناريو المحتوي على اكثر من وجهة نظر واكثر من قضية كان صعبا؟

ـ نعم، كان صعبا، شخصيات الفيلم تطرح دائما الاسئلة حول ذلك التاريخ في الوقت الذي على الفيلم ان يواجه أولئك الذين ينفون ان المذبحة وقعت».

* رسالة الفلم

* ماذا يريد الفيلم ان يقول في مثل هذا الوقت بالذات، حيث يشهد العالم، خصوصا فلسطين، مجازر مشابهة على نحو او آخر.

ـ «يريد ان يقول ان الاعتراف والغفران، الاعتراف من قبل الذين قاموا بالمذبحة والغفران من قبل الذين تعرضوا اليها، يجب ان يعملا جنبا الى جنب من أجل سلام وامن هذا العالم. ما نشهده حاليا هو ما يؤكد الفيلم ضرورة منعه والعمل على تطويقه وانهائه، وهو انه يجب ألا يلعب عامل الانتقام اي دور. لا استطيع ان اطالب في فيلمي بان ينتقم الارمن من الاتراك ولا ان ينتقم اي ضحية من اي جلاد آخر. مع بداية النضوج وانا الى حد بعيد هو رافي في الفيلم، كنت اتساءل لماذا اسمع صفة الارهابي تطلق على الارمن؟ ما الذي يفعله هؤلاء ضد الاتراك (يشير الى العمليات التي تمت ضد بعض الدبلوماسيين الاتراك في السبعينات) ولماذا؟ ما هو الفاصل بين العمل القائم على الانتقام والارهاب اذا كان هناك فاصل.

انجز ايغويان فيلما يثير الجدل بلا ريب. ربما ليس افضل افلامه («أكزوتيكا»، «الابد اللذيذ»، «رحلة فاليسيا» وكلها قدمت على شاشة هذا المهرجان)، لكنه اقرب الافلام الى نفسه «لذلك قررت عرضه خارج المسابقة لاني لم ارد ان يقع التداول حول القضية السياسية بين اعضاء لجنة التحكيم التي قد لا يفهم كل اعضائها الدوافع على نحو سليم».

بعد «كان» سيتجه الفيلم، مبدئيا، الى مهرجان اسطنبول، حيث يريد الاتراك افتتاح ذلك المهرجان به، لكن ايغويان غير راض تماما ولسبب منطقي: «اريد لهذا الفيلم ان يعرض في تركيا واريد معرفة ما يعتقده الاتراك اليوم. احد اهم شخصياتي في الفيلم هو ممثل من اصل تركي اسمه علي (يقوم به الياس كوتياس) يحاول اقناع رافي بأن ينسى، لكن لا يبدو ان رافي لا يريد ان ينسى. انه يريد ان يسمع اعتذارا من علي، لكن علي جيل لاحق لا يعرف عن تركيا نفسها اي شيء. مهرجان اسطنبول يريد عرض الفيلم لكنه يريد اقتطاع مشهدين وانا غير موافق».

قبل اعلان ان الفيلم مطلوب من قبل المهرجان التركي لدورة العام المقبل، تردد ان الحكومة التركية لا تريد السماح لهذا الفيلم بالعرض جماهيريا في اي مكان. لكن مسؤول البرمجة في مهرجان اسطنبول اتيلا دورساي يؤكد ان قرارا كهذا لم يصدر ولا يعتقد انه سيصدر.

بالنسبة للمخرج الارمني الاصل فإن هذا الجدال حول الفيلم هو آخر ما يصبو اليه: «المذبحة حصلت لكن هناك من ينفي وقوعها. والفيلم يريد ان يكون جسرا بين الجانبين ليس لالقاء اللوم وفرض الرأي، بل للتواصل واجتياز هذه العقبة في العلاقات بين الشعبين».

* ضحايا من كل لون

* «أرارات» ليس الفيلم الوحيد الذي يدور حول احداث يتعرض لها شعب كامل. هناك فيلم يعرض مع نهايات المهرجان بعنوان «عازف البيانو» يعود فيه المخرج (البولندي الاصل الذي يعيش ويعمل الآن في فرنسا) الى موضوع الهولوكوست اليهودي ليسرد واحدا من قصصه (ما تعرض له يهود وارسو في تلك الحقبة). كذلك هناك فيلم تسجيلي لفردريك وايزمان بعنوان «الرسالة الاخيرة» يقدم فيها يهودية روسية كتبت رسالتها الاخيرة قبل اعدامها.

لكن على عكس ما كان يتكرر وقوعه من قبل، فإن الساحة اصبحت تحتوي على مجازر أخرى غير يهودية. فبوجود «أرارات» والفيلمين الفلسطينيين «يد إلهية» و«القدس، يوم آخر»، فإن الاعلام الموجه لا يستطيع مواصلة الادعاء بأن المجازر الوحيدة المرتكبة هي تلك التي تعرض اليهود لها في الفترة النازية.