«دون كيشوت» الإسباني في الريادة والأدب الفرنسي في المركز الثاني

نادي الكتب النرويجي يضع قائمة بأهم الكتاب في التاريخ بينهم نجيب محفوظ والطيب صالح * كان للجنة الاختيار ذوق متطرف في الانتقاء، فقد تنوعت اختياراتها بدء من حكايات هانز كريستيان أندرسون الشعبية، ووصلت حتى الإلياذة والأوديسا لهوميروس

TT

ما هي أعظم الأعمال في الأدب العربي؟

هذا السؤال أجابت عنه لجنة تحكيم دولية، وربما تدهش الاجابة العديدين، فقد اختارت اللجنة رواية «أولاد الجبلاوي» (ملحوظة: هي رواية «أولاد حارتنا») للكاتب المصري نجيب محفوظ ورواية «موسم الهجرة للشمال» للروائي السوداني الطيب صالح كأعظم روايتين عربيتين. واللجنة التي ضمت 100 كاتب وشاعر من 54 دولة مختلفة نظمها نادي الكتب النرويجي كجزء من خطة لتحديد واختيار المجموعة المثالية لأعظم الأعمال الأدبية حول العالم. ومن بين أعضاء اللجنة كان هناك أكثر من 80 عضواً من دول غربية مختلفة، بينما كان هناك 15 عضوا باللجنة من العالم الاسلامي منهم كاتب من المملكة العربية السعودية.

وبلا منازع حصلت رواية «دون كيشوت» للكاتب الاسباني ميجيل دي سرفانتس على أغلب الأصوات كأعظم عمل أدبي حديث. وفي الوقت الذي عجزت فيه كلاسيكيات الأدب العربي عن دخول قائمة أعظم الأعمال العالمية، استطاع الأدب الفارسي ان يحصل على ثلاثة مراكز في القائمة بكلاسيكيات من الأدب الفارسي هي «مثنوي» ذات الـ33 ألف سطر لجلال الدين مولوي المعروف أيضاً باسم جلال الدين الرومي و«البستان» لمشرف الدين سعدي وحكايات «ألف ليلة وليلة» المأخوذة عن العمل الهندي الايراني الشهير «ألف حكاية» (هزاردستان) وكان للأدب المكتوب بالانجليزية نصيب الأسد، اذ حصل 25 كاتباً على مراكز في القائمة وقد حصلت انجلترا على المركز الأول اذ حققت 12 مركز تلتها الولايات المتحلة بثمانية مراكز.

وجاء الأدب الفرنسي في المركز الثاني بعشرة أدباء فائزين وحصلت اسبانيا وايطاليا على ست مراكز لكل منهما، تلتهما روسيا وألمانيا بخمس كتب لكل منهما، وحصل الأدب اليوناني على ثلاثة مراكز وكذلك الأدب البرتغالي، بينما حصلت الصين والهند على مركز واحد، بينما كان حال اليابان أفضل محققة مركزين. وضمت القائمة أيضاً بعض الدول الصغيرة التي حققت نتائج طيبة مثل ايرلندا التي حصل أربعة كتب منها على مراكز وهم بالطبع يكتبون بالانجليزية. وعلى الرغم من أن لغة دولة آيسلندا لا يتحدثها الا 250 ألف نسمة إلا أنها استطاعت الحصول على مركزين وهو ضعف ما حصلت عليه البرازيل ذات الـ200 مليون نسمة، والتي لم تحصل الا على مركز واحد فقط، وحصلت النرويج ذات الأربعة ملايين نسمة على مركزين أيضاً، في حين لم تحصل الهند بمليار و200 مليون نسمة إلا على مركز واحد فقط، وحتى هذا الكتاب الذي تم اختياره، كان مأخوذاً عن أسطورة سانسكريتية.

ويبدو أن اللجنة حاولت أن تطلق العنان لخيالها لتضم شيئاً من الأدب العبري ووقع اختيارها على «سفر أيوب» وهو من التوراة ويجمع بين الأدب والدين.واختيرت الملحمة الآشورية «جلجامش» لتمثل دولة لم يكن لها وجود يوماً من الأيام على أرض الواقع «بين النهرين» ولم يذكروا اسم العراق، واختير الأديب اليهودي التشيكي «فرانز كافكا» كممثل لأدب دولة بوهيميا وهي دولة لم يعد لها وجود على خريطة العالم.

وكان حصول الدول الاسكندنافية جميعاً على مراكز في الترتيب أمرا لافتاً للنظر ومنها دول حصلت على مركزين باستثناء فنلندا التي لم تدخل القائمة وهي دولة تعد شمالية لكن ليس اسكندنافية.

وعلى ما يبدو فقد كان للجنة ذوق متطرف في الانتقاء، فقد تنوعت اختياراتها بدءاً من حكايات هانز كريستيان أندرسون الشعبية، ووصلت حتى الالياذة والاوديسا لهوميروس. والحقيقة أن بعض اختيارات اللجنة كانت محيرة شيئاً ما، فرواية ألبير كامو «الغريب» ربما تعد حقاً رواية عصرية خاصة بالنسبة للمراهقين في سن معينة، لكن لا يمكن أن يطلق عليها أدب رفيع، وكذلك رواية سلمان رشدي «أولاد منتصف الليل»، التي كتبت في الأصل للسخرية من فتوى الخميني ولا تنال أبداً شرف العمل الأدبي.

وهذه القائمة التي تم اعلانها تؤكد حقيقة أنه لا يمكن تحقيق الاعتراف الدولي حتى لأعظم الأعمال الأدبية بدون تدخل الدول القوية. فاذا كان للأدب الانجليزي كل هذه السيطرة حتى وقتنا الحالي فالفضل في هذا يعود لسيطرة الامبراطورية البريطانية ومن بعدها الولايات المتحدة لأكثر من قرنين من الزمان. ولهذا السبب ضمت القائمة رواية لطيفة كمرتفعات ويذرنج لشارلوت برونتي، بينما لم تتضمن أياً من أعمال الشعراء الفارسيين العظام مثل ناصر خسرو ونظامي وحافظ.

وكما غاب الأدب العربي عن قائمة أعظم الأعمال فيبدو أن اللجنة كانت أكثر جهلاً بكلاسيكيات الشعر العربي العظيمة، تماماً كما لم تعلم شيئاً عن نثر «النفري» الذي يعد نموذجاً لأرقى ما يمكن أن يقدمه أي أدب في العالم. وعلى الرغم من أن أغلب الكتاب الذين تم اختيارهم يعتبرون من أفضل الكتاب في أي زمان، إلا أن أعمالهم التي تم اختيارها ليست هي أفضل أعمالهم على الاطلاق. وعلى سبيل المثال فقد اختارت اللجنة رواية «الأب غوريو» لبلزاك وهي بالتأكيد رواية رائعة لكنها ليست أفضل أعماله، فاختيار رواية «ليشووان»،التي تعد واحدة من أعظم الروايات التاريخية أو «الجلد المنكمش» وهي عمل ابداعي مثير للدهشة، كان من الممكن أن يكون أفضل من الرواية التي وقع الاختيار عليها. وكذلك فقد اختارت اللجنة رواية «أبسالوم أبسالوم» ورواية «الصخب والعنف» لويليام فولكنر. ولكن ماذا عن رواية «بينما كنت أحتضر» و«ضوء في أغسطس»؟ واختارت اللجنة روايات «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا» و«موت ايفان ايليتش» لتولستوي لكنها لم تتطرق لرواية «حاجي مراد» بالرغم من أنها تعد واحدة من أفضل الأعمال الابداعية في أية لغة.

والواقع أن بعض المؤلفات التي شملتها القائمة، جاء اختيارها كنوع من التصحيح السياسي ولاظهار مدى تنوع القائمة قدر الامكان مثل اختيارها لرواية «زوربا اليوناني» لنيكوس كازانتزاكي، وهي رواية قد تصلح للقراءة أثناء الأجازات لكنها لا يمكن أن تصنف على أنها واحدة من أعظم الأعمال الأدبية، في حين أن أيا من أعمال زينوفون كانت من الممكن أن تمثل الأدب اليوناني بشكل أفضل. ومن نفس المنطلق جاء اختيار اللجنة لرواية توني موريسون «محبوبة»، فقد كان من الضروري أن تضم القائمة رواية لكاتبة أميركية سوداء.

وبعد اعلان اسم الشاعر الروماني بول سيلان الذي كنت قد نسيته تماماً وهو يكتب قصائده بالفرنسية، عدت لقراءة كتابه المختار وحاولت اعادة قراءته أكثر من مرة لكني بعد أن فعلت هذا أصر على رأيي به، وأبقوا الأمر سراً، فما زلت أفضل كتابات لويس آراغون وبول إلوار وجاك بريفير وهم جميعاً أسماء لم تشملها القائمة. وحتى بالنسبة للأدب الغربي فقد كان هناك عدد كبير من الغائبين عن القائمة، فهل تصدق مثلاً أنه لا يوجد أي ذكر لتشيخوف فيها. ورغم وجود اسم ايرنست هيمنغواي الا أن جون دوس باسوس غاب عنها. كذلك تضمنت القائمة رواية جورج أورويل «1984» لكن غابت الرواية الرائعة «الرجل الذي كان يوم الخميس» لتسترون. ومن عجائب القائمة أيضاً اختيار رواية غير مقروءة لدوريس ليسنغ هي «المذكرة الذهبية»، وليسنغ نفسها كانت عضواً باللجنة اضافة الى عدد آخر من المؤلفات غير المقروءة تماماً، وذلك على الأقل بالنسبة لي مثل رواية جيمس جويس «يوليسيس» وثلاثية صمويل بيكيت، في حين أن أعمال مثل «الدفن في وعاء» لسير توماس براون و«حدائق سيروس» وهي من روائع الأدب الانجليزي لم تشملها القائمة. ولكن من جانب آخر فقد ساعدت اختيارات اللجنة في اعادة تقديم بعض الأعمال الرائعة التي لم تنل حظها من الشهرة مثل «اعترافات زينو» لايتالو سوفو، فهي واحدة من أجمل القراءات الأدبية على الاطلاق، وكذلك «كتاب القلق» لفرناندو بسوا. وأما عشاق الشعر فسيجدون الكثير من المتعة وسيقضون الكثير من الوقت في قراءات الأعمال الشعرية الكاملة لجاكومو ليوباردي والتي شملتها القائمة وكذلك «جارجانتوا وبانتاجرول» لفرانسوا رابليه و«ديكاميرون» لجوفياني بوكاتشيو، و«جاك المشؤوم وسيده» لدنيس ديدرو. وهي أعمال من أعظم نصوص عصر النهضة الأوروبية والتي تحتاج لإعادة قراءة في عالمنا المعاصر.

وفي حين أن العالم اليوم يتحدث بخمسة آلاف لغة حية الا أن القائمة المعلنة لم تضم الا ثمانية عشر لغة منها فقط، وهذا ما يجعلنا نفترض أن الأدب المكتوب ليس مسعى انساني الى الدرجة المطلوبة، وهو ما يجعلنا نفترض أيضاً أن نصف هذه اللغات الحية سينقرض خلال العقدين المقبلين، لأن اللغات التي ستبقى هي تلك التي اكتشفت سحر الأدب المكتوب. وهو ما يؤكد أهمية الكتابة لبقاء واستمرار الثقافة البشرية.