لا أوهام عندي عن الأمم التي تحكم العالم

TT

بدأ نزفال (1900 ـ 1958) حياته الأدبية في العشرينات كشاعر «بروليتاري»، لكنه سرعان ما أعلن تمرده على الجعجعة النظرية والدعاوية، وأعلن وقوفه الى جانب ما اطلق عليه فن «الشعرية» ـ شعر يلعب على الخيال وتداعي المعاني. ووقع، بعدئذ، تحت تأثير السريالية الفرنسية. ودافع عن استخدامه المتعمد للتعارضات الغرائبية وغير المنطقية للصور، مجادلا، مثل قناعة الشاعر اليوت في شبابه، بوجوب خلخلة اللغة لتستحيل الى معنى. هنا مختارات من شعره:

* الليلك بقرب متحف القديس وينزسلاس لا أحب الزهور أحب النساء وغفوت، برغم ذلك، تحت الليلك وصلتني، من بعيد، رائحة قبو عطنة، مثل رائحة شقق الشارع الرئيسي في الليل الصناعي من عينيك الصناعيتين من شفتيك الصناعيتين من صدرك الصناعي وتسريحات شعرك أحبك باقة من الليلك في متنزه حيث الحدائق تتضاعف فيها في المساء زهور لا تحصى ويكسو صدرها بتلات الزهور وبراغ تتنفس خلل النوافذ المفتوحة الشفق بارد وحين كنت نائما استحال الليلك، فجأة، الى وردة بقرب ساحة القديس وينزسلاس

* القمر فوق براغ يهيئ عامل الديكور خلطة الجص ثم يشعل مصباحا زيتيا على قمة السلم النقال ها هو القمر يتهادى كلاعب الأكروبات ناشرا الذعر أينما ظهر القمر يغير القهوة من اللون الأسود الى اللون الأبيض يعرض للبيع أمام عيون النساء حلى زائفة براقة الزجاج يحول غرف النوم الى مدافن للموت القمر يحط على البيانو ينير القلعة بالضوء الغامر فتبدو مثل مسرح براغ تتذكر اليوم تاريخها ها هو مهرجان النهر يرنو الى المشكاة الصينية المتمايلة النواقيس هشة كأطباق الطعام ستقام اليوم دورة رياضية كبيرة ها هو السجاد الأبيض ممدد عبر المدينة والبنايات تلعب ادوارها في هذه التراجيديا العظيمة والكل ينتسب الى هذه الأرض يتسلل القمر الى الحجرات الصغيرة تحت السقوف يومض القمر على المنضدة ها هو الآن محبرة الاف الرسائل ستكتب بهذا الحبر وقصيدة يتيمة

* براغ تحت شمس الظهيرة لم أفق من حلمي ولم أصل بالقطار السريع وفي ذلك علي رؤية مناظر المدينة كأي سائح لم أتصفح منذ سنين كتابا عن حكايا الجن لا أتوقع من الحب ان يفشي لي أسرار هذا الكون أو حتى هذا العالم لا أريد الغناء مع الطيور ولا اطراء سحر ما تحت البحر لا أوهام عندي حول الأمم التي تحكم العالم أو المستوطنات الاجنبية لا أعتبر الناس الذين أنطق بلغتهم أفضل أو أسوأ من ناس الدول الأخرى ربطت أنا بقدر كوارث العالم وفسحة حريتي صغيرة في أن أحيا أو أموت

* وقت متأخر من الصباح جالسا تحت المظلة الملونة ـ وبراغ تستلقي هناك يتصاعد بعد أمطار هطلت لفترة طويلة بخار بنفسجي أراها خلل زركشة الأشجار كالممسوس يرى أوهامه أراها سفينة جليلة وقلعة صاريها مثل المدن الفاتنة في رؤياي مثل السفينة العظيمة لمركب القراصنة الذهبي مثل الحلم ينوس في هذيان المعماريين مثل نزل ذي عرش سحري مثل قصر زحل يشرع فجأة للشمس أبوابه مثل قلعة من بركان نحتها مجنون يهذي مثل دليل الى الهام متنسك مثل بركان لحظة نهوضه مثل سوار يتدلى أمام المرايا

* إنها الظهيرة تنام براغ مع ذلك، يقظانة هي مثل تنين غريب الأطوار وحيد قرن قفصه الفضاء أرغن من رواسب كلسية يعزف لحنا رقيقا رمزا للنشور ولكنوز بحيرات ناشفة جيش بزيه العسكري البهي يؤدي التحية للأمبراطور جيش بزيه العسكري البهي يؤدي التحية للشمس جيش بزيه العسكري البهي يستحيل الى حجر كريم

* يا مدينة سحرية ما زلت أحدق فيك طويلا بعيون عمياء باحثا عنك من بعد آه، لم أعرف الا اليوم كم انت غامضة كالنيران المتقدة في عمق الصخور كخيالي الجامح ينبجس جمالك من الكهوف الكبيرة والعقيق الخفي قديمة انت كالنجود الجرداء فوقها تنشر الأغنية جناحيها مبهمة انت كليل جزيرة عندما تدق ساعات برجك كتيجان ملوك أثيوبيا كما لو من عالم آخر مرآة لتخيلاتي جميلة أنت مثل لغز الحب والغيوم بعيدة الاحتمال جميلة أنت مثل لغز الكلام والذاكرة البدائية جميلة أنت ككتلة حجرية غريبة وسمتها الأمطار جميلة أنت كلغز نوم النجوم والوميض الفسفوري جميلة أنت مثل لغز رعد الفانوس السحري والشعر

* ترجمة: سعدي عبد اللطيف