مسرحية غنائية بريطانية في بيروت لكن قططها أتعبت اللبنانيين

TT

وصلت الكوميديا الموسيقية الانجليزية «كاتس» الى «مهرجانات بيت الدين» لتقدم على مدار خمس ليال متواليات بعد واحد وعشرين عاماً من العروض المتواصلة في لندن واميركا واستراليا. وكان العمل قد ترجم الى 14 لغة، وشاهده حوالي 50 مليون شخص، حتى وصفت المسرحية الغنائية بأنها الاكثر شعبية في العالم.

ويكفي ان يقترن نص العمل باسم شاعر كبير مثل ت. اس. إليوت والموسيقى باسم الملحن المرموق أندرو لويد فيبير لتتوقع الجماهير انها ذاهبة الى ما يستحق الفرجة والاصغاء.

و«كاتس» كما يدل عليها اسمها هي، من اولها الى آخرها، حكاية قطط، وشخصياتها هي لقطط، ومكان العرض هو مكب للقمامة، حيث لا يتسرب الى هناك بشر. والمخلوقات الوحيدة التي بالامكان رؤيتها هناك، اضافة الى سكان المكان، هي بعض الفئران والصراصير والكلاب.

الفكرة طريفة ومبتكرة، وتنفيذها فنياً، يتطلب خيالاً واسعاً، وقدرة على حصر الحركات الراقصة والاستعراضية في حيز محدود، هو حيز الحركة القططية، كي يبقى المتفرج على اقتناع تام بأن الراقصين هم قطط وليسوا مخلوقات بشرية متنكرة تلعب ادواراً تمثيلية على المسرح، اي ان التشكيلات المشهدية والتوثبات الحركية والرقصات التي تدور على مدى اكثر من ساعة ونصف عليها ان تتنوع وتتبدل وتتجدد كي تنجح استعراضياً، ولكن بشرط ان لا تخون طبيعة القطط الفيزيائية كي لا تسقط في هاوية الفشل.

وقد نجحت المسرحية في تحويل هذا التحدي الى عنصر ادهاش فعلي للمتفرج. وهو، على الارجح، ما جعل «كاتس» عملاً يخترق السنين نجاحاً. الا ان المتفرج اللبناني لم ير الامور بالعين نفسها. البعض بدا مبهوراً بالفكرة، والبعض الآخر شعر بأن الحكاية مسطحة والإلحاح على القطط زادها بلادة. والمؤكد ان موقع القطط في قلوب الانجليز لا يشبه مكانته عند اللبنانيين. وكان شائعاً بعد العرض ان تجد من يتأففون. ثمة رجل كان يشتكي ويقول: «جميل العمل لكنهم اتعبونا بقططهم هؤلاء الانجليز». امرأة كادت تجن وهي تردد: «ضاق صدري بالقطط لم اشهد في حياتي عرضاً كهذا». وبين الدهشة والخيبة، بقيت القصة وكأنها غائبة، والحاجز اللغوي لعب دوراً سلبياً، وبدت «كاتس»، في نهاية المطاف، مسرحية غنائية مستوردة، عصية الهضم، ترى كفرجة بتقنياتها والوانها وتراكيبها المشهدية دون ان تمس الحساسية الشعبية او تثير انفعالاً جماعياً. ساهم في ذلك، اضافة الى مشكلة اللغة، بطء بعض المشاهد، ورتابة في جانب من المقطوعات الموسيقية حيث بقيت اغنية «ميموري» هي اللحظة الموسيقية الجامحة ابداعياً طوال العرض.

وتروي مسرحية «كاتس» حكاية قبيلة من القطط تسكن مكباً للنفايات، اجتمعت في تلك الليلة المقمرة التي نشهد احداثها، لتحيي حفلاً سنوياً راقصاً، يتم خلاله انتخاب القطة او القط الذي سيكون له حظ الولادة الجديدة بالانتقال الى العالم الآخر، وهو ما يفهم انه عالم العقل والحكمة. والاختيار يقوم به رئيس القبيلة العجوز «دوترونومي». واثناء ذلك الحفل الطقسي تصل «غريزابيلا»، وهي القطة المتمردة التي كانت قد تركت ابناء قبيلتها حين كانت جميلة وصغيرة، وذهبت تكتشف العالم. اما وانها شاخت وكبرت وتريد العودة الى احضان عائلتها فقد رفضها الجميع وطردت بقسوة.

الجميع يرقصون ويغنون بفرح لكن القبيلة تتعرض للهجوم ولخطف رئيسها الذي يعاد بفضل ساحر القبيلة «ميستوفيليس» الخارق القدرات. وهكذا فإن الاحداث المأساوية، وما يتخللها من ضرب وقتال لن تمنع القبيلة من إكمال مهمتها السنوية في انتخاب افضل ابنائها. وللمفاجأة سيتبين ان القطة المتمردة المطرودة الخارجة على التقاليد «غريزابيلا» هي اجدر القطط بتلك الحياة الموعودة. فنراها ترتفع وسط الغمامات في فضاء المسرح لتذهب الى هناك، ربما الى السعادة العلوية.

وهكذا بإمكان المتفرج ان يرى القطط وحدها، ولا شيء آخر، وبوسعه ان يذهب الى تلك الملامح الحكمية التي تتراءى وراء المشاهد.

يبقى ان الماكياج والملابس هي من اروع العناصر واشدها إتقاناً في رسم شخصية كل قط باعتباره كائناً له ميزاته وملامحه وخصوصياته. ولكل قط اسمه وصفاته ودوره الذي يلعبه لتتكامل الحكاية. فهناك الذكور والاناث والقطط الصغيرة البريئة التي ستلعب اثنتان منهماً دوراً اساسياً في اقناع القبيلة بأهمية «غريزابيلا» واسقاط العقوبة الجائرة عنها ومكافأة فضولها وحبها للمغامرة والرحيل.

وثمة قصص داخل القصص، ومسرح داخل المسرح، اذ ان بين القطط ممثل عتيق اسمه «اسباراغوس» يحن الى المسرح وتجتمع القبيلة لتقدم له عرضا جميلا. وهناك الخالة والعم، وحماة القبيلة واشرارها، واطفالها، ومقاتلوها وعشاقها وقراصنتها، وحكماؤها وشيوخها ووجهاؤها، وحكاياتهم يروونها بمصاحبة موسيقى حية، وإضاءة تلتمع تحتها فرواتهم المتماوجة.

وقد تعشق القطط او تمقتها، وقد تحب موسيقى فيبر او تجدها بليدة هذه المرة، وقد لا تحب هذه الرواية الآتية من الشعر او تضجرك الروح الانجليزية التي تنأى عنك بتفاصيلها. لكنك لا بد ان تصفق طويلاً للوجوه المرسومة بأيدٍ فذة وللاجساد الرائعة التخطيط في تداخلها اللوني الباهر، وللمخلوقات المبدعة التي استطاعت ان تجعل من الرجال والنساء قبيلة من القطط، تقفز وتتوثب وترقص وتغني حتى تجعلك تتنبه ان للقطط ايضاً حياتها، وليس من الضروري ابداً ان تكون قطط اليوت رموزاً لبشر، وهو ما يبحث عنه المشاهد عادة في عروض من هذا النوع. ولا بد بحث عنه اللبنانيون في تلك المساءات الندية تحت سماء بيت الدين، ولكنهم في نهاية الحكاية، وجدوا أنهم بقوا وجهاً لوجه امام قطط، ولا شيء غير حكايات القطط. أوليس هذا هو ما أزعج اللبنانيين.