مراسلاته مع يوسناري كواباتا

بمناسبة مرور ثلاثين عاما على انتحار ميشيما

TT

حسونة المصباحي عن دار «البان ميشال» الباريسية، صدر أخيرا مجلد ضخم يحتوي على الرسائل المتبادلة بين اكبر كاتبين يابانيين خلال القرن العشرين، اعني بذلك يوسناري كواباتا المولود في اوزاكا عام 1899 الذي انتحر في السادس عشر من ابريل (نيسان) 1972، ويوكيو ميشيما المولود في طوكيو عام 1925 الذي انتحر يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970. وقد بدأت المراسلات بين الكاتبين المرموقين من عام 1945، وحتى عام 1970. وكان كواباتا قد بدأ يشتهر عالميا، عندما شرع الشاب يوكيو ميشيما في مراسلته، وفي رسالته الاولى التي بعث بها اليه بتاريخ 18 يوليو (تموز) 1945، كتب يقول: لم اكن اعتقد ان الادب يحتم على صاحبه حياة اعتقاد مهتاجة ومتحمسة وشكوكية على طريقة رجل الدين الالماني مارتن لوثر. لقد اعتقدت طويلا بأن حداد الوجود اليومي يمكن ان يكون قاتلا للادب. كما اعتقدت ان التفكير في ما هو اساسي، يفرض علينا ان نخصص وقتا للعيش ذلك انه من خلال التجربة والحياة يتبلور الادب (...). في الادب ايضا هل بامكاننا ان نقبل بوجود حدود للحياة وللتجربة حدود لا يمكن بأي حال من الاحوال تعديها.

وبعد ان زاره لأول مرة، بعث ميشيما برسالة الى «معلمه» كواباتا بتاريخ 3 مارس (آذار) 2000 يقول له فيها: «في المرة الاولى التي زرتك فيها قلت لك اني لا استطيع ان اعمل إلا في الليل، في الصمت التام. غير اني اعتقد انه ليس باستطاعتي ان اكتب في مكان مقطوع كليا عن العالم (...). عندما اشرع في الكتابة، تعتريني دهشة واشعر بخواء داخلي مخيف، وأرى اني بلا سند. هل هذه هي «وحدة الشمس التي تعطي» التي يتحدث عنها نيتشه؟ ان سعادة «التلقي» تبدو لي مستحيلة. وحتى الوحدة نحن لا نحبها إلا في اوقات معينة. وضحية هذه الوحدة المثقلة بالوحشة، لا استطيع ان اثبت في مكان. انتظر قدوم صديق غير ان هذا الصديق لا يأتي. ومن اعماق قلبي ألعن هذين اليدين اللتين سوف تحتضنانه. اريد ان اتخلص من يدي والقضاء على حاسة اللمس لدي. وفي وضع نفسي كهذا، اعتقد ان لقاءك ليس محتملا بالنسبة إليّ، ذلك انه بنفس واحد، يمكنك ان تطفئ هذه النار التي تحرقني.. وفي رسالة بتاريخ 25 نوفمبر كتب كواباتا الى ميشيما يقول: «اشكرك جزيل الشكر على الحلويات الرائعة التي اهديتني اياها بمناسبة تعييني عضوا في الاكاديمية. وطبعا شيء جميل ان يكون الانسان عضوا في الاكاديمية غير انني اعترف لك بأن ذلك احزنني الى حد ما. فلقد شعرت بالاحباط في كيوتو امام المنظر البسيط للبيوت الخاصة في الاحياء القديمة وتألمت كثيرا ولأول مرة بسبب البؤس الصارخ الذي تعاني منه اليابان».

وفي رسالة بعث بها الى ميشيما بتاريخ 22 اغسطس (آب) 1958، كتب كواباتا يقول: «منذ ان ذهبت الى كاماكورا للتداوي، وكان ذلك مطلع شهر اغسطس، لم افعل شيئا آخر غير التفرج على مباريات البيسبول التي تدور بين تلاميذ المعاهد الثانوية وبين المحترفين. ومنذ قدومي الى «كارديزاوا» في منتصف هذا الشهر واصلت التفرج على مباريات البيسبول بين المحترفين وكان ذلك عملي الوحيد. واعترف اني قضيت اياما رائعة.. ومنذ سنوات، يحدث اثناء الليل ان احس باوجاع فظيعة في المعدة وخلال الاوقات الماضية اصبحت هذه الالام شبه دائمة الشيء الذي جعلني لا افكر في اي شيء آخر غير معدتي، لكن طبيبا انتبه في المرة الاخيرة الى انه عند الاوجاع تكون الحويصلة منتفخة هو يعتقد ان الامر يتعلق بالرمال».

ومن اميركا، بعث ميشيما الى كواباتا رسالة بتاريخ 24 نوفمبر يقول له فيها: «اعتذر بسبب عدم ابلاغك بأي خبر عني منذ سفري. في «هونولولو» حيث ولمدة اربعة ايام اطلقت العنان لنفسي كما انا اشتهي واريد. بعدها بقينا يومين في سان فرانسيسكو وكنا نخرج في الصباح وفي المساء وكانت زوجتي جد مبتهجة لشعورها بأنها موجودة حقا في الغرب في لوس انجليس، وللأسف الشديد، نزلنا في الفندق نفسه الذي نزل فيه نيكسون والذي كان المقر الذي اختاره الحزب المحافظ تأهبا للانتخابات الرئاسية وهذا ما جلب لنا العديد من المشاكل مثل البطء في تقديم وجبات الطعام والحمى الانتخابية السائدة في كل مكان (...) وها نحن في نيويورك منذ اسبوعين وبسبب كثرة المواعيد وتزاحمها انا لا اجد الوقت الكافي لاستراحة القيلولة (...). تصور ان فندق «استور» حيث نقيم يوجد في قلب «تايمز سكوير». وحتى عندما نعود متأخرين يكون هناك عدد كبير من الناس يتجولون ويتسوقون. وفي ظروف كهذه يشعر الانسان بعدم جدوى النوم. وذلك اليوم عند فوبيون بوفيرس، التقينا بجريتا جاربو وكان ذلك رائعا بالنسبة إليّ، سنسافر الى اوروبا يوم 2 ديسمبر (كانون الاول) المقبل، لكني اعتقد ان نيويورك هي المكان الذي يلائمني اكثر من غيره.

وفي 16 فبراير (شباط) 1967، كتب كواباتا إلى ميشيما يقول: «اليوم ايضا نهضت عند الساعة التاسعة والنصف ليلا وهذا هو الصباح بالنسبة لي. الايام تتواصل بشكل معاكس ذلك ان الليل عوض النهار والنهار عوض الليل. ومنذ ان بدأت اعيش على هذا النحو، فقدت ثقتي في قدرتي على كتابة أي شيء».

وقبل انتحاره، بعث ميشيما إلى كواباتا برسالة بتاريخ 6 يوليو (تموز) 1970 يقول له فيها: «كالعادة، اقضي الوقت في استهلاك نفسي او في الركض يمينا ويسارا وليس باستطاعتي التخلص من فيضان الحيوية هذا، ومن هذه الساعات الطويلة التي امضيها في نشاطات رياضية. ما كتبته في رسالتك السابقة عن وضعك الصحي يخيفني غير انه رغم كل ما يقال، فإن الاساس هو انك لست الشخص الذي يرتفع وزنه بسرعة. «ان كواباتا هو اقوانا جميعا!» ذلك هو اعتقادنا، وما اظن ان اعتقادنا هذا يمكن ان يهتز بسهولة (..). هذا هو العام الثالث الذي امارس فيه تمارين الكاراتيه. وقد حصلت اخيرا على رتبة عالية في هذه اللعبة. لكن عندما يصبح الانسان قويا جدا ولا يجد من ينافسه، فإنه يشعر بالخيبة. كل قطرة من الوقت تبدو لي اغلى. وقد فقدت كل اهتمام بالبعد الفضائي للاشياء. هذا الصيف، سأذهب بصحبة عائلتي إلى شيسودا. اتمنى ان يكون صيفنا جميلاً».