بعد عشرين عاما من الخلاف على إعدامه

الشاعر الأميركي ستيفان أندرسن يواجه الموت صامتا

TT

في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف ليل التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني) اعدم الشاعر الاميركي ستيفان وين اندرسن بحقنة مميتة في سجن سان كوينتي بكاليفورنيا بعد عشرين عاما من الخلاف على تنفيذ الحكم. تلك الليلة اقتيد الشاعر، الذي حاز جائزتين ادبيتين وهو في سجنه، الى غرفة الموت.

كان وحيدا، كما في ذلك اليوم الذي دخل فيه منزل الارملة العجوز اليزابيث ليمان قبل اثنين وعشرين عاما واطلق النار عليها. هكذا مضى الشاعر الى حتفه وحيدا وساكنا حتى بدا كما لو انه لم يعبأ بأولئك الناس الذين احتشدوا للتضامن معه وبينهم محاميه الذي همس اليه «احبك» ثلاث مرات. وقال شهود ان الشاعر رد بكلمة «شكرا» فقط.

كانوا يتظاهرون احتجاجا على عقوبة الاعدام، افترشوا الطرقات القريبة من السجن وهم يحملون الشموع والصلوات، فيما قدم خمسة عشر شخصا يتقدمهم قس من سان فرانسيسكو الى السجن احتجاجا على قانون الاعدام الذي اعيد العمل به في ولاية كاليفورنيا اثناء ادارة الرئيس الاسبق رونالد ريغان.

كان المحتجون مرهقين، يحاولون اتقاء البرد القارس باغطية بسيطة، وقالوا ان «كتابات اندرسن تكشف عن روح تستحق الحياة»، فيما احتجت عائلة الضحية على اعدامه وطالبت بالغاء الحكم.

حين كان اندرسن يمضي سنوات السجن قاد كتاب وناشطون في مجال حقوق الانسان حملة طويلة لوقف اعدامه. واشاروا في بيان لهم ان حالته النفسية ومستواه الفكري والعمر الذي قضاه خلف القضبان تؤهله للعودة الى الحياة الطبيعية اضافة الى مواهبه الادبية «التي من المؤسف انها ستدفن معه في حال تنفيذ الحكم». وقالوا انه لم يتوفر على محاكمة عادلة بسبب ضعف محاميه (استبدل فيما بعد) لانه لم يقدم تقريرا وافيا عن الطفولة القاسية التي عاشها الشاعر.

في عام 1988 سطا اندرسن (26 سنة يومذاك) على منزل اليزابيث ليمان، وهي معلمة بيانو عمرها واحد وثمانون عاما. كان يعتقد ان المنزل خال، لكنه سمع صوتا فاطلق النار في الظلام وقتل الارملة العجوز. لم يهرب اندرسن، بل اضاء مصابيح المنزل وفتح الستائر وأعد وجبة طعام، وانتظر مجيء الشرطة ثلاث ساعات.

ومن سجن سان كوينتي كتب الى بيل تشيفنغي، التي كانت اول من نشر قصائده، يقول «كنت في كاليفورنيا حين اطلقت النار من اجل سرقة ثمانين دولارا». لكن اندرسن ندم على ذلك العمل الفظيع وقال اثناء محاكمته «لقد اخطأت، لم تكن تستحق ذلك» في اشارة الى الارملة العجوز.

في السجن بدأ اندرسن يعلم نفسه ويثقفها. قرأ الكثير وتعلم اللاتينية. قال مرة انه يحلم بالمكتبة. كان ينهض في منتصف الليل ليكتب اشعاره. يقول في احدى قصائده:

على امتداد سنوات السجن سمعت رجالا ينتحبون في الليل يائسين على الحيوات المنسية والارواح المفقودة لا شيء اكثر يأسا من صرخة عميقة تصدر عن رجل لا يرى ينتحب في عزلة ويقول في قصيدة اخرى:

في آخر الليل اردت ان ارى القمر لكن جداراً يحجبني عنه استلقيت على الارض ونظرت عبر القضبان كي ارى القمر بوضوح، من دون عوائق، ظللت مستلقيا حتى جاء النوم مستمتعا بالمنظر الطليق وفي الفجر استيقظت على ألم حاد في رقبتي، الم لا يغتفر، هكذا انتقم مني القمر لأنني تلصصت عليه قبل تنفيذ الحكم لم يعلن اندرسن رغبته الاخيرة، انما ترك المادة القاتلة تسري في عروقه. وبعد ثلاث عشرة دقيقة بالضبط فارق الحياة. في اليوم التالي قالت تشيفنغي «هذه نهاية محزنة جدا، لقد قال لي اندرسن انه بدأ يدرك معنى الحياة في الوقت الذي عليه ان يخسرها».

قبل اعدامه باسبوع كان اندرسن على وشك اكمال روايته الاولى، بعد ان نال جائزة عن مسرحية له عرضت في برودواي، الى جانب جائزة جمعية القلم العالمية لعام 1990 عن قصيدته «حوارات مع الموتى» هنا مقتطفات منها:

«تلك هي قبور المعدومين» قال بلا مبالاة، بصوت كئيب، واستعدت هدوئي بعد حين، وادركت ان نبرته تأتي من ذلك المستودع السري للروح التي نعرفها.

انا، ايضا، قد انتهي مثل غبار منسي، انا، ايضا، قد اموت من اجل لا شيء.

اتذكر أولئك الذين قتلوا، انا ارتكبت جريمة ايضا اتذكر أولئك الذين قتلتهم بلحظة غضب وسرقوا من الحياة، اصبحوا مجرد شموع يضيئها اطفال اطفال كبروا قبل ان يعيشوا طفولتهم.

تلك هي قبور المعدومين عيون، ومضات صغيرة سرعان ما تنطفئ تذوب في عتمة الليل ولا تترك سوى بريق خافت في روحي مثل شموع تحيط صورة واهنة للسيدة العذراء في كنيسة «تلك هي قبور المعدومين» قال وهو يحدق في افق من الشواهد ينبغي ان نصلي من اجلهم ومن اجل الذين سيأتون.