إسرائيل في العالم العربي.. التعدد والتعددية الثقافية

لم تنجح المؤسسة الإسرائيلية في نصف قرن في خلق ثقافة واحدة

TT

* قبول إسرائيل لمبدأ التعددية الثقافية في الشرق العربي يعني نهاية سياسة الانصهار الثقاف

* الفلسطينيون الذين بقوا في الوطن هم الذين دعوا إلى تعميم فكرة التعددية الثقافية

* نحن ننتمي إلى ثقافة ثلاثمائة مليون عربي والإسرائيليون لا يساوي عددهم حارة واحدة في القاهرة

* إسرائيل ستصبح دولة عربية معظم سكانها من اليهود سلمان ناطور * يكثر الحديث والتداول في السنوات الأخيرة حول التعددية الثقافية، ويبدو أحيانا أن إثارة هذا الموضوع تأتي بمبادرة خاصة من جهة ثقافية أو مؤسسة، وكأن التعددية لم تكن قائمة من قبل.

الواقع أن التعددية الثقافية كما تطرح في الجدل الدائر اليوم، هي ظاهرة تاريخية قائمة منذ قيام الشعوب والمجتمعات والثقافات، وبهذا المعنى يكون اصطلاح «تعدد الثقافات» هو الأصدق، لأن الثقافات قائمة ومتعددة ولا يستطيع أحد تجاهل تعددها وتنوعها وهي لا تحتاج إلى أي اعتراف.

في الحديث عن تعدد الثقافات هناك اعتراف ضمني ومسبق بوجود الثقافات المختلفة بغض النظر عن قيمتها ومكانتها والموقف منها، فالحضارة البشرية هي تشكيلة من الثقافات التي تفاعلت مع بعضها وأغنت الواحدة منها الأخرى، ومنها ثقافات ازدهرت في مرحلة تاريخية معينة وأخرى هزلت أو كادت تضمحل، لكن ليس هناك ثقافة يمكن القول عنها إنها اختفت تماماً ولا يوجد لها أي أثر، لأن الثقافة لا تختفي بل قد تندمج وتذوب في ثقافات أخرى، لكنها تترك أثرها كالملح في الثقافة الأخرى، وقد تتطور ثقافة بشكل كبير، حيث تفقد فيه معالمها الأولية وحتى هويتها ومع ذلك تبقى ثقافة ذات أصل وانتماء.

كل الثقافات القائمة اليوم لم تنشأ من فراغ أو من لا شيء بل هي امتداد لما سبقها، لهذا فإن تعدد الثقافات هو واقع موضوعي.

النقاش الذي يجب أن يطرح اليوم هو حول التعددية الثقافية، ليس بوصفها واقعاً موضوعياً، بل بوصفها حقا شرعيا لوجود ثقافات متباينة، صغيرة وكبيرة أو قوية وضعيفة وذلك أمام خطر الهيمنة الثقافية والغزو الثقافي والعولمة.

التعددية الثقافية تعني الاعتراف بحق كل ثقافة في الوجود والحياة والفاعلية ليس على ذاتها فقط، بل على الثقافات الأخرى أيضاً، من دون أن تشكل خطراً عليها ومن دون أن تملي حضورها على الآخرين فتخلق حالة من حالات الاحتلال الثقافي. مفهوم التعددية الثقافية بهذا المعنى يصبح مصطلحا سياسيا وليس ثقافيا فقط. ومن يعتقد أن هناك خطرا على ثقافته، بسبب واقعها الموضوعي وظرفها التاريخي، عليه أن يخوض معركة التعددية الثقافية بأدوات ثقافية وسياسية أيضاً.

الحرب الثقافية نحن الفلسطينيين الذين بقينا في وطننا، عندما وجدنا أنفسنا بعد النكبة أمام هجمة شرسة على وجودنا وثقافتنا وأصبحنا على الخط الأمامي في المواجهة الحضارية والثقافية ضد الصهيونية، دعونا إلى تعميم فكرة التعددية الثقافية بهدف صيانة وحماية ثقافتنا القومية والاعتراف بها، وعلى الرغم من أننا كنا الطرف المهزوم في معادلة القوة التي سادت في ذلك الوقت، إلاّ أننا كنا المبادرين إلى طرح موقفين أصيلين ومبدئيين، الأول: الدفاع المستميت عن ثقافتنا العربية الفلسطينية والتصدي لكل محاولات طمس هذه الثقافة. والثاني: الحوار مع الثقافة الأخرى والمثقفين الإسرائيليين. وقد جرت منذ مطلع الخمسينات محاولات لإجراء حوار ثقافي مع المثقفين العبريين، ونظمت «الجديد» في حينه لقاءات مع كتاب عبريين وندوات كان الهدف منها انتزاع اعتراف مندوبي الثقافة الإسرائيلية بالثقافة العربية الفلسطينية في البلاد.

هذا الموقف المبدئي أدى في نهاية الأمر، ليس فقط إلى اعتراف المثقفين الإسرائيليين بالثقافة الفلسطينية، بل إلى اعتراف الدولة الإسرائيلية بها. هذه الدولة التي حاولت صهر كل ثقافة شرقية وعربية لتنشئ فيها الثقافة العبرية الواحدة ذات المركبات اليهودية الأوروبية. بينما كانت إسرائيل، بمؤسستيها الثقافية والسياسية ترفض مبدأ التعددية الثقافية، اليوم هناك أصوات عديدة فيها، رسمية وغير رسمية، تطالب بهذه التعددية لأنها تبحث عن اعتراف بها (أي إسرائىل) في الشرق العربي.

إن قبول إسرائيل لمبدأ التعددية الثقافية في الشرق العربي يعني نهاية سياسة الانصهار الثقافي التي انتهجتها حكومات إسرائيل، في محاولة بائسة لخلق قومية يهودية عبرية إسرائيلية، وما زالت هناك أوساط يمينية عنصرية تنادي بها، إذ أنها لا تعترف بالثقافة العربية لليهود الذين هاجروا من الدول العربية وهي تغلب الانتماء الثقافي اليهودي الديني على الانتماء الثقافي القومي العربي لهؤلاء اليهود. ليس هناك ثقافة إسرائيلية واحدة، وإن كانت تجمعها اللغة العبرية، ولم تنجح المؤسسة الإسرائيلية في نصف قرن في خلق ثقافة واحدة على أي أساس من الأسس التي حاولت ترسيخها، وهي: اللغة العبرية والدين اليهودي والمصير المشترك والجغرافيا، ومع أن هذه المركبات قد تشكل العناصر الأولية في التركيبة الثقافية لمجتمعات أخرى، إلاّ أن غياب العنصر القومي الواحد هو الذي يحول دون تحقيق أحد أهم التطلعات الصهيونية. المجتمع الإسرائيلي مؤلف من عشرات الثقافات بصفته مجتمع مهاجرين ولأنه لم تكن في إسرائيل ثقافة يهودية مركزية تلتف حولها هذه الثقافات، أو تشكل المظلة لها، فقد بقيت كل ثقافة مركزية لذاتها وترفض الانصهار في الثقافة الأخرى التي لا تتساوى ولا تتشابه معها.

من ناحية أخرى، ان شرط قبول الثقافة الإسرائيلية المتعددة بين الثقافات العربية المتعددة أيضا هو بقبول مبدأ التعددية المتكافئة والخلاص من الدور الذي تقوم به إسرائيل في الشرق، وهو كونها قاعدة «للغرب المتطور كي يتغلغل في الشرق المتخلف»، هذا التوجه الاستعلائي والدور الكولونيالي هو الذي يجعل الصراع معها حضارياً وثقافياً ووجودياً بالدرجة الأولى. كل صراع سياسي أو قومي ينشأ عنه بطبيعة الحال صراع ثقافي. الصراع السياسي يفرز الصراع الثقافي ويحول الثقافة إلى سلاح بأيدي القوى المتصارعة والجانب القوي يحاول فرض الهيمنة الثقافية. هكذا كان الحال في جميع الصراعات التاريخية من البدائية التي كانت على الأرض والزراعة وحتى الاستعمار، واليوم نشهد أخطر الصراعات التي هي على الثقافة نفسها، إذ إن محور الحرب الدائرة في العالم هو على سيادة أي ثقافة: ثقافة الغرب على الشرق، أو بالمفهوم الأوروبي الجديد لقسمة العالم، ثقافة الشمال على الجنوب؟ باعتبار أن ثقافة الشمال هي الأرقى. الحرب الثقافية هي حرب على نشر التكنولوجيا والإنجازات العلمية والسينما والتلفزيون والكتاب والمسرحية. الثقافة لم تعد فقط ما تفرزه الحرب بل صارت هي سلاح الحرب وهي غاية الحرب أيضاً.

الدعوة إلى تعميم مفاهيم التعددية الثقافية في هذا الوضع لم تعد لمجرد الاعتراف بالثقافات ووجودها الموضوعي وليست على مستقبل ثقافة الجماعة بل هي على حق الفرد في الانتماء الثقافي والاستهلاك الثقافي.

الثقافات التي تتعرض لعمليات غزو ومسح بسبب ضعف مواردها وإمكاناتها وضعف شعوبها ومجتمعاتها قد تسحق وتضمحل في هذه الحرب اللامتكافئة، وعليها لمواصلة وجودها أن تتحصن في وجه هذا الطوفان العارم. السؤال الصعب هو: كيف تفعل ذلك؟ الموقف من التعددية الثقافية يجب أن تحدده آيديولوجيا قائمة على رؤية الواقع العالمي والأخطار الإمبريالية من جهة، ومن جهة أخرى تعميق جذور الثقافات المعرضة للخطر بالعودة إلى جذورها برؤية حداثية وليست أصولية وبتوظيف التكنولوجيا المتطورة حتى تلك التي طورها غزاة الثقافة.

سؤال الثقافة الشرقية الشرق هو مهد تعدد الثقافات، لكن الصراعات الحضارية التي أصابت هذا الشرق أدت إلى انتصار حضارات على غيرها، بسبب سيطرة القوة في المراحل التاريخية المنصرمة، إلا أن الكثير من معالم الحضارات الأولى التي انهارت، ما زال قائما حتى اليوم وأصبح مركبا مهما في هذه الحضارات، فالحضارة العربية ليست فقط تلك الحضارة التي نشأت في الجزيرة العربية، بل هي أيضا ما بقي من الحضارات البابلية والكنعانية والفينيقية والفرعونية ولعل التمايزات بين مواقع الحضارة العربية مصدرها تعدد الثقافات الأصل لهذه المواقع.

لم تبدأ الفلسفة، باعتبارها أم الثقافات الروحية والفكرية والمعرفية ومنبت العلوم، بمن يعتبره الغرب مؤسسها في القرن السادس قبل الميلاد، أي بالفيلسوف طاليس، فقد سبقه الفلاسفة الشرقيون في الصين والهند ومصر وبابل الذين حاولوا الإجابة عن الأسئلة التي طرحها هو في ما بعد عن أصل الكون، واذا كان الذين سبقوه لجأوا إلى الأسطورة فإنه حاول توظيف العقل والمنطق، لكن إجاباته لم تخل من التفكير الميثولوجي الذي أنشأ الميتافيزيك موضوع الفلسفة الأول، إلى أن «أنزلها سقراط من السماء إلى الأرض».

الشرق هو منبت التعددية الثقافية لأنه منبت الحضارات البشرية، المادية والروحية، ولأن جميع هذه الحضارات التقت ببعضها خلال فترات تاريخية طويلة فقد أغنت الواحدة منها الأخرى، لذلك فإن التعددية الثقافية في الشرق تعني إبراز هذه الحضارات وتعميمها حتى الذي غاب تاريخيا مع غياب شعوبها مثل الآشورية والفينيقية والبابلية والنبطية وهي التي تشكل جذور الحضارة العربية.

التعددية الثقافية في الشرق العربي لا تعني فقط التعددية الدينية، كمطلب للتعايش بين الأديان، لكنها تعني بالأساس منح الشرعية لكل شكل من أشكال الثقافة، الدينية والعلمانية، الفلسفية والعلمية، التاريخية والمعاصرة، العربية والأجنبية. نحن العرب نتأثر يوميا بالثقافة الأجنبية ونحن أكثر المستهدفين في حملات الغزو الثقافي التي تأتينا من الغرب، خاصة من أميركا، فكيف سنصمد في وجه هذا الغزو إذا لم نكن محصلين بثقافة ذات جذور وفروع متعددة؟ كل الغزاة لهم مشروع ثقافي عدواني، سينجحون أينما لا يصطدمون بمشروع ثقافي يقاومهم، علينا وضع هذا المشروع ليس فقط لصيانة ثقافتنا بل لنشرها بيننا أولا وبعدها بين الأمم الأخرى، فمن يفكر ويخطط لهذا المشروع؟

هذا السؤال فلسفي بالدرجة الأولى، لأن الإجابة عنه هي النقد الأولي للحضارة العربية التي تبدو يتيمة بلا أب ولا أم. فإلى أن نخلصها من مأزقها سنظل نطرح السؤال في مجال المسألة الوجودية أولا ثم السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

إسرائيل دولة عربية دعيت لإلقاء محاضرة أمام طلاب معهد القيادة التربوية في وزارة التعليم الإسرائيلية في مطلع عام 2000، ولما كنت أفكر بعنوان المحاضرة في الطريق من بلدي على الكرمل إلى القدس، مكان المحاضرة، انتبهت إلى عنوانها وهو «ثقافة الأقلية وسط ثقافة الأكثرية»، وقد دعيت للتحدث باعتبار أنني أنتمي إلى ثقافة الأقلية في الدولة العبرية الإسرائيلية. أثارني الانتباه ثانية إلى العنوان حين فكرت به مجردا عن الرؤية الإسرائيلية للواقع الثقافي في الشرق، فهل أنا العربي أنتمي إلى ثقافة الأقلية وهم، الإسرائيليون، ينتمون إلى ثقافة الأكثرية؟ هل الحدود السياسية هي حدود ثقافية في عصر انهيار كل الحدود واختصار كل المسافات؟ قلت لهم في بداية محاضرتي، إنني أنتمي إلى ثقافة ثلاثمائة مليون عربي في هذا الشرق، ثقافة تمتد من بحر كبير في الشرق إلى محيط كبير في الغرب، وإلى تاريخ يبعد عشرة آلاف عام منذ أقيمت المدينة الأولى في تاريخ وطني وبلادي وأنتم لا يساوي عددكم حارة واحدة في القاهرة إذ يبلغ تعدادكم خمسة ملايين والقاهرة عشرين مليونا، والأرض التي تقفون عليها والتي تدعون أنها لكم وحدكم ليست أكبر من واحة واحدة في الصحراء العربية، وانقطع تاريخكم ألفي عام وما ثقافتكم اليوم إلا بنت سبعين أو ثمانين عاما، فمن منا ينتمي إلى ثقافة الأقلية؟

لن أتحدث هنا عن مشكلتنا نحن بل عن مشكلتكم أنتم الذين تنتمون إلى ثقافة الأقلية وسط ثقافة الأكثرية.

فاجأتهم هذه المقدمة، ورأيت على وجوه البعض عوارض صدمة جعلتهم يصغون بانتباه وتوتر. وحين خلصت إلى نتيجة أن ما من خيار أمامهم إلا أن تصبح دولتهم عربية، لفهم صمت كصمت القبور، وقد تشجع اثنان وأبديا رغبتهما في التعقيب، الأولى كانت امرأة متدينة فهمت من أقوالها أنها مستوطنة في المناطق المحتلة اتهمتني أنني لست ديمقراطيا لأنني أفرض عليهم الثقافة العربية وأطمس ثقافتهم العبرية اليهودية، ووقف شاب يهودي شرقي وشكرني لأنني وجدت له الحل لمشكلة الانتماء والهوية التي يعانيها في إسرائيل ذات الثقافة الغربية الغريبة عنه، هو الذي ينتمي إلى عائلة قدمت من مصر وما زالت تتكلم اللغة العربية وتطرب على أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب.

يعتز معظم الإسرائيليين أنهم ينتمون إلى الثقافة الأوروبية ومنهم من يستعلي على الأوروبية فيعتز بالثقافة الأميركية، معتبرا إياها أرقى وأعظم، لكن معظم الذين قدموا من الشرق العربي يعتبرون أنفسهم شرقيين ويعتزون بالانتماء إلى الشرق (بينهم من يصرحون علانية بأنهم عرب). وهؤلاء اليهود الذين هاجروا من الوطن العربي يشكلون أكثرية بين السكان اليهود في الدولة. الانتماء إلى المجتمع الأوروبي وحضارة أوروبا لا يبرز فقط في الطابع الثقافي الرسمي الغالب للدولة ولا بالاشتراك في مباريات الدوري الأوروبي أو الأوروفيزيون ولا بالمرجعية الأوروبية في سن القوانين والنظام البرلماني، بل في المطالبة أيضا بأن يُعترف بها رسميا في هيئة الأمم المتحدة كعضو في مجموعة الدول الأوروبية.

«إسرائيل دولة أوروبية» هو تعريف مقبول جدا على الإسرائيليين والعالم أيضاً، مع أن الحقيقة تبين خلاف ذلك، إذ إن إسرائيل لا تقع حتى على حدود أوروبا، ومظاهر الحضارة الأوروبية ليست أصيلة فيها، انها تقليد وتزييف، فلا يمكن إقامة حضارة بمعزل عن جغرافيتها، لأن المكان والمناخ هما من أهم مكونات الحضارة. خريف بلادنا حار وجاف وخريف أوروبا بارد وماطر، والصحراء هي منظر مألوف في حياتنا وهي فينا ونحن فيها وشجرنا هو البرتقال والتين والرمان والسنديان وما زلنا حتى اليوم نتعامل مع الكينا والصنوبر وما أحضر من أوروبا كشجر غريب، كل هذه الخامات المادية هي مركبات أولية لأية ثقافة تتبلور في بلادنا، وهي ليست أوروبية بل شرقية وعربية لأنها أساس الثقافة العربية. وإذا أضفنا اللغة فإننا سرعان ما نتساءل عن مصدر وتركيبة اللغة العبرية التي لا تتشابه بشيء مع أية لغة أوروبية، اللهم إلا الكلمات الأجنبية الكثيرة التي تستعمل باللغة العبرية.

الإسرائيليون يرفضون الانتماء إلى الشرق وإلى الحضارة العربية فقط من منطلق الاستعلاء على هذه الثقافة، لأنهم ما زالوا يفكرون بعقلية كولونيالية ولأن الثقافة العربية فعلا لا تصل إلى مستوى الثقافة الأوروبية، لكن بما أن الثقافة هي ظاهرة متغيرة وليست خالدة وبما أن الإنسان مع مرور الزمن يعمق علاقته بالمكان بفعل تأثير المكان، فإن اليهود الإسرائيليين الذين سيبقون في الشرق العربي، إذا أرادوا الاندماج الفعلي المتكافئ في هذا الشرق، فسيروا أنفسهم عربا نتيجة التفاعل التاريخي الحضاري الذي ينشأ موضوعيا بينهم وبين المجتمع العربي.

إسرائيل ستصبح دولة عربية لأنها لا تملك خيارات أخرى للبقاء، وعلى الإسرائيليين أن يبدأوا بوضع مشروع تعريب دولتهم إذا أرادوا العيش الدائم في هذا الشرق. بمفاهيم المرحلة الراهنة يبدو الحديث عن عروبة الدولة الإسرائيلية أمراً طوباوياً يستحيل تحقيقه، ذلك لأن الخطاب الذي يسيطر على اليهود والعرب والعالم هو الخطاب الغيبي الذي يؤمن بخلود الظواهر السياسية والاجتماعية، فالظواهر متغيرة وليست خالدة والحضارة مثل الدولة والشعب والأمة كلها ظواهر قابلة للتغيير وحتى الزوال، والسؤال هو كيف تتغير هذه الظواهر وما هي القوى الفاعلة في عملية التغيير؟

* باحث فلسطيني