دعوة مصرية لإنشاء مركز قومي للترجمة

نقل الأدب العربي إلى اللغات الأخرى في مؤتمر بالعاصمة المصرية

TT

دعا الباحثون المصريون والعرب الذي شاركوا في مؤتمر الترجمة الذي عقد في القاهرة لمدة أربعة أيام وانهى جلساته اول من أمس، وزارة الثقافة المصرية الى اقامة المركز القومي للترجمة الذي يضطلع بدور «دار الحكمة» على غرار الدار التي أنشأها الخليفة العباسي المأمون، وكانت منارة لانفتاح العقل العربي على مختلف الانجازات المعرفية والانسانية وقتها، وطالبوا بأن يكون المركز مؤسسة للترجمة وصناعة الثقافة من معاجم ودوائر معارف على مستوى طموحات الثقافة العربية في القرن الحادي والعشرين، له مجلس حكماء علمي دائم وميزانية تتناسب وأهمية الدور الذي يؤديه ومراسلون في العواصم العربية ومراكز الاشعاع الثقافي المختلفة خارج الوطن العربي.

وأشاروا إلى ضرورة ألا يقتصر دور المركز القومي للترجمة على اتجاه واحد من اللغات الأخرى إلى العربية بل يمتد إلى الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، ونشرها من قبل ناشرين كبار في الخارج والاستعانة بمشورة الأعضاء والمراسلين في الحواضر الثقافية المختلفة والاهتمام بتحرير الترجمات ومراجعتها بدقة حتى تخرج بشكل لائق سواء كانت من العربية أو إليها مع متابعة ما ينشر من العربية إلى اللغات الأخرى وحصره ببليوجرافيا حتى يستفيد منه الباحثون والمختصون في مجال العلوم والآداب.

وكان المؤتمر قد ناقش في جلساته «صورة الأدب العربي من خلال الترجمة» حيث تحدث الباحث السوري والمترجم د. جمال شحيد عن الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية، مشيراً إلى أنه بدأ متواضعاً في الستينيات وعلى مدى عشرين عاماً، وتركز في الأدب القديم، وكانت هناك بعض العناوين الصغيرة التي لم تشكل وزناً يذكر في مساحة ترجمات دور النشر الفرنسية، أما الدور الكبرى مثل غاليمار وغيرها فلم تكن تهتم بترجمة الأدب العربي، ثم حدثت هزة عقب فوز نجيب محفوظ بنوبل، وذلك في منتصف الثمانينيات، ومن وقتها بدأت دور النشر الاهتمام بالأدب العربي فنشرت عملاً روائياً لمحفوظ، إلى جانب روائيين آخرين مثل جمال الغيطاني وبهاء طاهر وادوار الخراط وغيرهم. وأشار رشيد إلى مشكلات صاحبت عمليات الترجمة منها اتجاه دور النشر إلى انتقاء ما يخدم وجهات نظرهم، ويساعدهم في دراساتهم الأنثربولوجية وغيرها، كما أن المترجم الفرنسي لم يكن أميناً في نقل النص العربي كما هو، وذلك ربما بسبب عدم فهمه للعمل وجهله بمحتواه أو ربما قام بتحريف النص عن عمد بأهداف كثيرة أقلها البحث عن الربح، وأكبرها شعوره أن الروايات العربية تحتاج من أجل أن يقبل عليها القارئ الفرنسي لكثير من المعالجات الفنية.

وعلقت د. هدى جندي استاذه الأدب الانجليزي بجامة عين شمس قائلة: ان كلام د. شحيد يحتاج إلى الكثير من البحث، فهل يستطع مترجم مهما كان قدره أو يجرؤ أن يتصرف في عمل روائي يترجمه لنجيب محفوظ، وقالت ان دور النشر الفرنسية الكبرى قدمت للأدب الروائي المصري الكثير من الترجمات الجيدة، وهناك بالفعل بعض التجاوزات لكنها غير مؤثرة. أما ما تقوم به المؤسسات المصرية العامة مثل هيئة الكتاب أو هيئة الاستعلامات من ترجمة الأدب العربي للغات الأجنبية فيحتاج إلى جهد كبير، أراه حتى لو بذل سيذهب سدى، لأننا نقدم كتاباً متواضعاً في الطباعة وبه الكثير من الأخطاء المطبعية، كما أننا لا نعرف كيف نقوم بتسويقه هناك لأننا نرسله فقط إلى السفارات. وغير ذلك لا يراه أحد، من هنا تأتي أهمية الاتفاق مع دور نشر غربية كبرى نوكل لها أداء هذه المهمة، ونتركها هي تقوم بعمليات الطباعة والتوزيع والاعلام عن أدبنا المترجم.

وأشارت د. هدى الى أن اسرائيل ساهمت بنصيب كبير في انشاء عدد من دور النشر في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية حتى يستفيدوا منها في ترجمة أعمال أدبائه الى كل لغات العالم فور صدورها، ومن هذه الدور «غاليمار» التي رفضت ابان توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل ترجمة احدى روايات جبرا ابراهيم جبرا لأن بها عبارة «الصهاينة المتوحشون»، وعللوا ذلك بأن هذه العبارة يمكن ان تعطل عملية السلام، وهذا كلام غريب يدل على الانتقائية التي يتعاملون بها مع أدبنا العربي، وترجماتهم له، وقالت مع ذلك نحن نحتاج الى دور النشر الغربية لأن سلعة الترجمة وتداولها تحتاج الى خبرة كبيرة موجودة لديها.

وعن ترجمة الأدب العربي الى الانجليزية تحدثت المترجمة السورية روناك حسني عن تجربة قيام احدى دور النشر في انجلترا بمشروع ترجمة عدد من الكاتبات المصريات الى الانجليزية، ولكن هذه الدار توقفت ولم تستمر، وفشلت عملية توزيع هذه الكتب لأن التي كتبت مقدماتها وكانت د.فادية فقيه لم تهتم بأن تدرس الروايات، وكتبت مقدمة واحدة لها جميعا، وتعاملت معها بشكل استشراقي جعل المشروع يجهض منذ البداية.

وفي حديثه ربط الشاعر العراقي كاظم جهاد الترجمة بالعديد من الأبعاد وجوانب التجربة الانسانية وعلم الاجتماع وعلوم اللغة وفسلفتها وايقاعها، ولاحظ أن العقد الأخير شهد نوعا من القفزة الكمية في ترجمة الأدب العربي الى اللغات الغربية، لكنها لم تكن في نفس الوقت قفزة نوعية، فقد حقق المترجمون ترجمات واسعة للأدب العربي غلبت عليها فنون السرد من القصة والرواية، بمعنى ان ترجمات الشعر في هذا المضمار لم تشهد الاقبال المناسب من جانب المترجمين وربما كان ذلك بسبب عدم اقبال الانسان الغربي بصفة عامة على قراءة الشعر، واتجاهه لتعاطي الرواية والقصة. أما المسرحية فليست أحسن حالا من الشعر، لأنها لم تدخل بعد مجالات الترجمة الواسعة، وما زالت حبيسة عدد من المسارح التي تخصصت في تقديمها لابناء الجاليات العربية وغيرهم من المهتمين بمعرفة المسرح العربي والتعرف عليه.

وطالب د. فاروق عبد الوهاب استاذ الأدب العربي بجامعة تكساس بانشاء مشروع قومي لترجمة الأدب العربي الى الانجليزية، وتدعيم الترجمات للغات الأجنبية ماليا حتى تخرج بالشكل اللائق الذي يجعل القارئ الغربي يقبل عليها، كما طالب بوجود مراجع يجيد اللغة الانجليزية حتى يشرف على كتابة اسماء الاعمال المترجمة بشكل صحيح على أغلفتها، تلافيا للأخطاء التي تقع وتؤثر بالتأكيد على صورة العمل المترجم وشكله النهائي، وتفسد الجهد المبذول فيه، كما طالب بوجود عدد من الاساتذة الخبراء في مجال الترجمة تكون مهمتهم اختيار الاعمال العربية المطلوب ترجمتها وارسالها الى الجهات التي سوف يوكل لها أمر اتمام هذه المهمة، مع ضرورة الاشراف عليها حتى تخلو الترجمات من الأخطاء التي تأتي بسبب عدم معرفة المترجم وعدم ادراكه روح النصوص التي يترجمها الى لغته.

وحول ترجمة الأدب العربي الى الايطالية دارت ورقة المترجمة ايزابيلا كاميرا دافليتو حول حركة الترجمة من الأدب العربي في ايطاليا، واشارت الى انها تمر حاليا بمرحلة نشاط لم تعرفها من قبل حيث تترجم الآن الكثير من الروايات والقصص، ومع ذلك ذكرت دافليتو ان اهتمام الغرب بالأدب العربي الحديث ما زال ضئيلا نسبيا، وقالت ان السبب يعود الى مواقف المستشرقين الأوائل من الأدب العربي وتجاهلهم الحديث والمعاصر منه، واحجامهم عن نقله الى لغاتهم واعتبار اللغة العربية من وجهة نظر الكثيرين في أوروبا لغة ميتة، لذا لم يلتفتوا الى ترجمة ذخائرها الكثيرة.