أحداث 11 سبتمبر تقلب حياة بطل روائي

الإنجليزي كامب المولود في لبنان يكتب عن الأصولية الإسلامية والعلاقة المتوترة بين الغرب والشرق

TT

عاش الكاتب الروسي الكبير ميخائيل بولغاكوف صاحب رائعة «المعلم ومارجريت» جزءا مهما من حياته في مدينة كييف، عاصمة اوكرانيا حاليا، ولم يغادرها إلا قبل اندلاع الثورة البلشفية بفترة قصيرة.

وكان ميخائيل بولغاكوف قد ولد في الثالث من مايو (ايار) 1891، وعقب مرور عشرة اعوام على ولادته انتسب الى افضل معهد في كييف اشتهر بانفتاحه على الافكار الليبرالية. ويقول احد رفقائه في المعهد انه كان يحب العراك، لكنه كان يمقت الاحتفالات ويفر منها هاربا كلما اقيمت. وعكس العديد من طلبة المعهد، كان بولغاكوف مساندا للنظام الملكي، ومعارضا للتيارات الثورية والاشتراكية بجميع انواعها واشكالها. ويعود ذلك الى تربية والده الذي لقنه منذ نعومة اظافره حب الله والوطن والقيصر. مذ ذلك الوقت كانت تعيش في العاصمة الاوكرانية قوميات وطوائف متعددة. غير ان ميخائيل بولغاكوف كان يشعر بتعاطف كبير مع القومية الروسية. وكان له ميل خاص للغتها وعاداتها وتقاليدها. وعندما اندلعت الحرب الكونية الاولى بدأت عائلة بولغاكوف التي كانت تعيش حياة هادئة وهانئة تفقد توازنها جراء العواصف التي اخذت تهز روسيا والتي ستفضي بعد ذلك الى الثورة البلشفية. وفيما بعد كتب بولغاكوف يقول: «لقد اندلعت العاصفة الهوجاء فجأة لتستمر اربع سنوات. وما حدث في المدينة المجيدة (يقصد كييف) خلال تلك الفترة يتجاوز كل وصف. فكأن قنبلة ذرية انفجرت وبعد ذلك ليس هناك سوى رعود وحرائق. ولم يكن ذلك في كييف وحدها».

وكان ميخائيل بولغاكوف يدرس الطب، محتفظا بأفكاره القديمة تجاه النظام القيصري لما اندلعت الثورة البلشفية. ومنذ البداية عارضها بشدة. وفي رسالة الى شقيقته نادية كتب يقول: «خلال نومي، حلمت الحلم التالي: كانت هناك كييف التي احببتها وما زلت احبها حتى هذه الساعة بوجوهها المألوفة والمحببة الى نفسي. وكان هناك احدهم يعزف على البيانو. هل تعود ايام الماضي ام هي ولت والى الابد؟ وانا اجهد نفسي لكي اعيش واقع اليوم دون ان انظر اليه، او الاحظه او استمع اليه! لقد رأيت جموعا غفيرة رمادية تهشم نوافذ عربات القطارات مصفرة، صارخة، مطلقة شتائم بذيئة وكانت تضرب أناسا. ورأيت ملامح غبية قد مسخها الغضب». وفي ربيع عام 1918، التحق ميخائيل بولغاكوف بالجيش غير انه سرّح بعد ذلك بفترة قصيرة ليعود الى كييف، المدينة الافضل والاجمل بالنسبة له. لكنه غادرها مكرها في عام 1919 ليعيش سنوات الحرب الاهلية في موسكو. وفي روايته «الكتيبة البيضاء» تعاطف مع البيض وتحدث عن رجال اوكرانيين يلبسون سراويل فضفاضة يلاحقهم جنود رماديون انبثقوا فجأة من الغابات ليكتسحوا اوكرانيا، ثم لم يلبث بولغاكوف ان عاد الى كييف ليعيش سقوطها في ايدي البلاشفة. وموجع القلب غادرها الى شمال القوقاز لينتسب الى كتائب الجيش الابيض التي لم تلبث ان هزمت شر هزيمة بسبب انهيار معنويات جنودها وانعدام النظام في صفوفهم. وفي الفقرة الاخيرة من «الكتيبة البيضاء»، كتب بولغاكوف يقول: «كل شيء ينتهي! الآلام والدم والجوع والأوبئة. السيف يختفي غير ان النجوم ستظل تلمع بعد ان يكون ظل اجسادنا وافعالنا قد اختفى من فوق سطح الارض. ليس هناك احد لا يعرف هذا. واذن لماذا لا نرفع عيوننا نحوها. لماذا؟».

* السرّ الموجع

* يقول النقاد ان الكاتب الهنغاري بيتر ايسترهازي كتب خلال السنوات الاخيرة الكتاب الاهم في حياته. وقد يكون ذلك ناتجا عن اكتشافه لسرّ كان له وقع الصاعقة على نفسه. فقد اكتشف ان والده الذي كان ارستقراطيا فقد لقبه وامتيازاته عند تسلم الشيوعيين للحكم عقب الحرب الكونية الثانية ابتداء من عام 1954، مخبرا لاجهزة الاستخبارات في بلاده. ومن هذا السر الدفين استوحى بيتر ايسترهازي موضوع روايته الجديدة وبطل هذه الرواية يبدو في قسمها الاول كما لو انه صورة لجميع الآباء المحتملين وغير المحتملين. اما في القسم الثاني فهو صورة للأب الحقيقي للكاتب. وقد كتب احد النقاد يقول: «هذا الكتاب لا يعني انه يطلب منا ان نكون متضامنين مع بطله الذي ليس المخبر وانما ابن المخبر، ذلك انه هو الذي تضامن معنا، ومع كل الأمة الهنغارية، اذ انه يحدثنا عن سرّ هام من اسرار اوروبا الوسطى واوروبا الشرقية: سر الجوسسة والاستخبارات». ويواصل الناقد كلامه قائلا: «خلال حقبة الديكتاتورية الشيوعية كنا نلعب لعبة المجتمع المرعبة: من هو الواشي؟». ومنذ انهيار تلك الديكتاتورية، لا يمكن ان يكون معيارنا الاخلاقي إلا مجروحا في الحالتين: عندما تستغل شخصية الواشي القديم في عمليات الابتزاز السياسي او عندما يكشف الواشي عن نفسه بنفسه ويقدم اعترافات مفصلة بهدف الحصول على مكانة جديدة في المجتمع الجديد وعلى شيء من التعاطف السياسي».

* حياة عبدة

* في عام 1850 كتبت زنجية تدعى هانا كرافتس عانت الأمرين من الاستعباد سيرتها الذاتية، تحت عنوان: «حياة امرأة عبدة». والآن تعتبر هذه السيرة التي اعيد نشرها بعد قرن ونصف قرن من النسيان وثيقة اساسية عن سنوات الاستعباد في امريكا، واول رواية حول هذا الموضوع. وهي تسمح لنا كما قال احد النقاد بأن نلج الى قلب امرأة مستعبدة دون وسيط.

في هذه السيرة المؤثرة تقدم هانا كرافتس نفسها كامرأة سوداء تكاد تكون بيضاء!! وفي بداية حياتها اشتغلت تحت اشراف زنجية مثلها لها شفتان غليظتان لم تكن تعرف والديها ولا اصولها. وكانت تقضي يومها في العمل في الحقول تحت الشمس الحارقة. وذات يوم قررت ان تهرب من الجحيم الذي كانت فيه تعيش. وعندئذ تبدأ قصتها الحقيقية. فبعد اشهر من السير والجوع، اصبحت تعمل عند سيدة بيضاء تدعى فيلير. ومنذ البداية عاملتها هذه السيدة بقسوة شديدة. وكانت تردد طول الوقت على مسمع منها: «لقد خلق الله الزنوج لكي يخدموا اسيادهم البيض!». وفي روايتها تكتب هانا كرافتس تقول: «في حياة العبودية ليس الالم الجسدي هو وحده الذي يعاني منه العبد وانما هناك ايضا الخوف والريبة والهلع والقلق الذي بلا حدود وبلا نهاية امام مستقبل غير واضح الملامح. فالسيد الذي يمكن ان يكون رحيما وطيب القلب ليس في مأمن لا من المرض ولا من الموت. والبيت السعيد يمكن ان يفقد سعادته في اي لحظة. وهكذا يجد العبد نفسه من جديد امام المصير المحتم والمجهول».

* وريث جون لوكريه

* اسمه برسي كامب. وهو انجليزي. لكنه يكتب من حين لآخر بالفرنسية. طموحه ان يكون وريث مواطنه جون لوكريه، كاتب روايات الجاسوسية الشهير. ولأن أمه مسيحية لبنانية، فإنه عاش طفولته في بيروت، وتربى عند الآباء اليسوعيين حتى سن التاسعة عشرة، ثم انتقل الى اكسفورد ليواصل تعليمه هناك قبل ان يلتحق بجامعة السربون ليحضر دروس ومحاضرات المستشرق المعروف اندريه ميكسل.

بطل رواية برسي كامب الجديدة (منهج بون) رجل هامشي يدخلنا الى عالم الاستخبارات المليء بالالغاز والاسرار في مرحلة ما بعد احداث 11 سبتمبر/ايلول 2001. وهذا البطل الهامشي يتنقل بين العديد من العواصم العالمية بينها بيروت وباريس ولندن وموسكو ايضا. والثيمات التي تتطرق اليها الرواية هي الاصولية الاسلامية والارهاب والعلاقة المتوترة بين الشرق والغرب. اسم البطل: هاري بون. وهو ينتسب الى Club House التابع للاستخبارات الخاصة بالقصر الملكي البريطاني. وفي لبنان يعيش في بيت صغير فيه يتمتع بملذات البحر الابيض المتوسط برفقة عشيقته الجميلة. غير ان الطائرات الارهابية التي حطمت برجي التجارة في نيويورك يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001، قلبت حياة هاري بون رأسا عن عقب دافعة به الى الولوج الى عالم مليء بالالغاز والمؤامرات والدسائس.

ويعمل برسي كامب وكيلا لشركة مختصة في تقديم معلومات دقيقة عن مشاهير رجال الاعمال وعن الاماكن التي يرغبون في الاستثمار فيها. وهي تملك مكاتب في العديد من العواصم الاوروبية وايضا في الخليج. وهو يقول: «العرب يحبون طريقتي في التفكير، لكنهم ينفرون من طريقتي في اللباس. اما الانجليز فعكس ذلك. ولي جنسيتان البريطانية واللبنانية. ولو كنت جاسوسا لكنت مضطرا للعمل ضد واحد من البلدين اللذين اليهما انتمي». وعن اختياره للغة الفرنسية، يقول برسي كامب: «اولا لأن زوجتي التي هي مولدافية الاصل (نسبة الى مولدافيا) تحب ان تقرأ ما اكتب بالفرنسية. ثم لأن اول رواية كتبتها بدت لي اقرب الى الفرنسية منها الى الانجليزية، لكنني احب اللغة العربية وارغب في ان اكتب بها ذات يوم ذلك انني اجدها جميلة وثرية ولها منطق رياضي». وعن روايته: «منهج بون»، يقول برسي كامب: «في هذه الرواية اردت ان ابين ان الارهاب لا يفعل شيئا آخر غير تغيير مجتمعاتنا وليس النسق الجغرافي والسياسي للعالم الذي نعيش فيه راهنا.. فعند نهاية الحرب الباردة، فقد الجواسيس شرق اوروبا. واما روائيو الجاسوسية فقد فقدوا الشمال، ووجدوا انفسهم مضطرين للبحث عن مواضيع اخرى تتصل بالقضايا الاجتماعية وتبييض الاموال والتجارة بالاطفال وبالمخدرات. نحن نعيش في عالم يريد ان يوحي لنا بأنه لم تعد هناك اية صلة بما يسمى بالصراع الطبقي. واعتقد ان فوكاياما كان على خطأ ذلك ان التاريخ لم ينته كما كان يتصور. ان الانزلاق الهادئ للديمقراطيات نحو اليمين هو موضوع الساعة».