محطات أساسية في حياة وأعمال كاتب استثنائي

نقاد وكتاب عرب ومغاربة يقدموا شهاداتهم عن إبداع محمد شكري في موسم أصيلة الثقافي

TT

نشرنا يوم الاثنين الماضي، المداخلات التي القيت في ندوة «فن الرواية المغربية ـ محمد شكري نموذجاً» ضمن موسم اصيلة الثقافي.

وهنا مداخلات أخرى القيت في الجلسة الختامية من هذه الندوة.

القيت في ندوة «فن الرواية المغربية: محمد شكري نموذجا» مجموعة من الدراسات والابحاث التي تطرقت للجوانب الفنية والجمالية والتعبيرية في ادب شكري وطائفة من الشهادات التي قدمها مبدعون وكتاب عايشوا محطات اساسية في مساره في الكتابة والحياة. واختتمت اعمال الندوة بكلمة مؤلف «الخبز الحافي». الذي ذكر ان اصيلة كانت بوابته نحو افق الأدب عندما ارتبط بعلاقة صداقة مع احد ابنائها (حسن العشاب) الذي ارشده نحو الدخول الى احد مراكز محو الأمية لتعلم الكتابة والقراءة ثم الالتحاق بمدرسة المعلمين، وهكذا بدأت حياة شكري الثانية وارتباطه بالثقافة التي قادته نحو تعميق معرفته بالنصوص العالمية الاساسية قبل ان يكتب سيرته الذاتية «الخبز الحافي».

واستعرض شكري تاريخ علاقته بمدينة اصيلة كفضاء وكشخصيات وقال «ان حميميتي مع هذه المدينة تأصلت برسوخ اكبر من علاقتي مع طنجة. ويكفي ان حسن العشاب احد اهلها اخذني الى مدينة العرائش لأحارب فيها اميتي التي قادتني الى دراسة منتظمة كان حصيلتها ان صرت معلماً ادرس المسحوقين».

وركز الناقد المغربي احمد الادريسي على تحليل البنية السردية للرواية الشطارية والمقارنة بين حضور واستعمال هذه البنية لدى شكري في «الخبز الحافي» و«زمن الاخطاء» من جهة واعمال الكاتب الاسباني لاساريو دي تورميس، بالاعتماد على المقاربة السيميو ـ لسانية.

وحدد الادريسي أقسام هذه البنية في مجموعة من العناصر من اهمهما «استعراض اصول الشاطر الممزقة ـ مهنه وانشغالاته ـ التحسن الطفيف في احواله ـ نهاية الشطارية بعد الوصول الى الاستقرار وتعلم القراءة والكتابة» ولاحظ حضورها بشكل متقارب لدى كل من شكري ودي تورميس، الشيء الذي يسمح بتقديم تعريف لبنية الرواية الشطارية يجعل منها متوالية اولية تنتقل من البساطة الى التعقيد بحيث «تطغى التقاليد والمواصفات الاجتماعية على الجميع الا على الشاطر ما عدا حين يتخلى عن شطاريته ويقبل الاندماج في محيطه، وبهذا يتم تدميره ليتحول الى كاتب».

وأضاف الادريسي ان الرواية الشطارية يمكن ان تعرف باعتباره مجموعة او سلسلة من السرود الصغيرة يعطيها ارتباطها وتبادل التأثير بينها معناها العام مع ملاحظة خصوصية حالة شكري الذي يمكن الحديث بصدده عن «شاطر ادبي لا واقعي، شاطر يمارس التحريض ضد مجتمعه لأن المشكلة لا تكمن في الشطار بل في هذا المجتمع».

وتناول الناقد المغربي انور المرتجي في دراسة بعنوان «محمد شكري والهوية البينية» التحولات الكبرى التي عرفها مفهوم النص الادبي في العقود الاخيرة والتي عملت على تغيير مفهوم الهوية لأن النص الابداعي تأثر تأثراً بالغاً بقلق التجزيئي والتبعثر في مواجهة المغايرة.

كما حلل المرتجي الرجة التي احدثها شكري في المؤسسات الثقافية والاجتماعية لأن «أخلاق الكتابة عند شكري تناهض اخلاق المؤسسات السائدة، فهي تهدف الى هدم المواصفات عبر بنية النقد والتفكيك والرغبة في نسف الموروث الذي يتعدى المضمون الى التقنية الروائية وتسخر من الحدود الفاصلة بين الاجناس الأدبية».

ولاحظ المرتجي ان علاقة «الخبز الحافي» مع بقية نصوص السيرة الذاتية المغربية الاخرى كانت علاقة قطيعة وقفزة نوعية نحو التجريب في الرواية المغربية قادت الى الاحتفاء بالتعدد اللغوي ورصد المستويات المتناقضة للحياة الاجتماعية بحثاً عن تشكيل معادل موضوعي لحرية الكتابة التي تنطلق من الاشياء لا من الكلمات لتأسس نصوصاً «ترفل بعزلة باذخة داخل الافق الادبي العربي».

اما مدير مجلة الثقافة المغربية، الناقد عبد الحميد عقار، فحلل مفهوم ورسالة الكتابة عند شكري واعتبر انه «يجسد المثال الحي للكاتب الحق في عالم اليوم لأنه يبدع كتابة لا تجتر ولا تراوغ، تحتفي بذات تنتج الثقافة وتجعل «الأنا» الفردية سندا للوجود».

وأضاف المتدخل ان «الكتابة لدى شكري اداة تحرر وتحرير للفرد من القهر والتهميش باضفاء المعنى على كينونة اريد لها القهر والتهميش والانقطاع عن الجذور والحرمان. ولاحظ عقار ان الكاتب المحتفى به يبني عالمه الروائي بجمل سردية مقتضبة موجزة منظمة الترقيم بشكل محكم يتصادى فيه تقطيع المشاهد الروائية مع تقطيع الجمل وموسيقاها.

واختتم ورقته بالتأكيد على ان الكتابة لدى شكري تعتبر انتصاراً لكينونة الفرد، لذا تمكن من تحقيق المداخلة الصعبة بالوصول الى الكونية عبر الامعان في تصوير كل ما هو خصوصي، وهو ما مكن من الوصول الى العالمية واختراق لغات وثقافات الآخرين.

اما تدخل الكاتب الصحافي طلحة جبريل فتمحور حول علاقة شكري مع الصحافة. وعاد جبريل بالذاكرة الى مطلع الثمانينات حين اكتشف من خلال حوار له مع شكري انه امام كاتب استثنائي.

و أضاف جبريل «شكري هو الكاتب الوحيد الذي اذا اتصلت به لتحصل منه على حوار او تصريح او وجهة نظر تكون مطمئناً الى ان التصريح سيحتل الواجهة او الصفحة الاولى لأنه يقول دائما كلاما مميزا ذا نكهة خاصة». واستعرض المتدخل كذلك علاقة شكري المميزة بالقراءة وادمانه شبه المرضي على التهام صفحات الكتب الى درجة كادت تؤدي به الى الجنون في بعض مراحل حياته.

وفي السياق نفسه تدخل الروائي المغربي محمد عز الدين التازي مسترجعاً لحظات من الماضي ناقش خلالها مع حليم بركات مفهوم العالمية والكونية في ادب شكري الشديد الارتباط بالمغرب وبمدينة طنجة مما يجعل العدد الاستثنائي للترجمات التي حظيت بها نصوصه ظاهرة حقيقية وانتصاراً للابداع السردي العربي في الساحة العالمية.

كما استعرض التازي لحظات العلاقة مع شكري باعتبارها «لحظات متميزة تمزج المزاح بالفكر والأدب، اصبحت تشكل بالنسبة للجيل الحالي من الكتاب المغاربة زمناً ضائعاً يسعون باستمرار لاسترجاعه بالمحبة وبالذاكرة».

واعتبر الناقد السوداني محمد ابراهيم الشوش، الدور الاساسي للكتابة لدى شكري معادلا لتحدي الرقابة على الافكار والتزمت الديني والعقليات المتحجرة وطرقاً عنيفاً على باب التعصب. كما اشار الشوش الى ان جو الانفتاح والحرية في المغرب هو الذي سمح بوجود كاتب كشكري وبالاحتفاء به وبأدبه مما يكشف الوجه الحقيقي للمجتمع المغربي: وجه الحرية والانفتاح والتسامح.

وتحدث الكاتب التونسي حسونة المصباحي عن علاقته المبكرة بشكري الذي ساعده على اكتشاف مجموعة من النصوص ومن المقطوعات الموسيقية التونسية الاصيلة، واعتبر حضوره جزءاً اساسياً من صورة المغرب، فيما تساءل الكاتب المغربي ادريس الخوري في ورقة جمع فيها انطباعاته الشخصية عن طبيعة العلاقات السائدة بين الكتاب المغاربة وتطورها منذ حقبة الستينات حتى اليوم، واعتبر ان الصداقة الاساسية لشكري هي «الصداقة التي اقامها مع الكتابة في اطار قلقه الوجودي الصامت». واضاف الخوري وهو يتحدث عن العلاقات بين الكتاب والمبدعين المغاربة: «علينا ان نحب بعضنا وإلا تحولنا الى ذوات منعزلة».

واختتمت اشغال الندوة بكلمة محمد بن عيسى، امين عام منتدى اصيلة الذي اعتبر شكري «سؤالاً غامضاً سيظل محافظاً على غموضه لأن ما نراه منه يخفي الجزء الاكبر الذي لا نراه، فالروائيون كما قال لي ذات يوم الكاتب الايطالي البرتو مورافيا هم اكبر الكذابين بالمعنى الايجابي، فهم يخلقون عوالم وتخييلات تتحول الى جزء من الحقيقة».

واضاف بن عيسى: «لذلك اعترف انني لم اتمكن بعد من معرفة شكري معرفة تامة رغم كل هذه السنوات، لكن الذي اعرفه هو انني كنت كما دخلت الى جامعة اميركية وجدتهم لا يعرفون من الأدباء المغاربة الا شكري او يعرفونه قبل غيره».