«بلاد تسكن قلبي» معرض نجا من عاصفة الحادي عشر من سبتمبر

26 فنانا كنديا من أصل عربي يعرضون بمتحف الحضارات في كندا

TT

ككل الأسماء والعناوين العربية تقريبا، كان للمعرض الفني الذي يحتضنه متحف الحضارات حاليا، تحت عنوان: «بلاد تسكن قلبي» حكاية خاصة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. اذ كادت هذه الأحداث أن تعصف به تماما، فتؤجل افتتاحه الى موعد قد يظل معلقا أوتعيد النظر في امكانية اقامته أصلا. والسبب، مثلما أشرنا، هو أن هذا المعرض واضافة الى عنوانه المذكور، فهو يتمحور حول عرض أعمال لفنانين كنديين من أصل عربي. وهو سبب بدا كافيا بالنسبة للبعض للربط بين هذه التظاهرة الثقافية التي تشرف عليها وتنظمها مؤسسة ضخمة مثل المتحف الكندي للحضارات وبين تلك الصفة اللعينة التي غدت تترصد بكل ما هو عربي. لقد تعلل هذا البعض اذن بامكانية نفور الجمهور من الفن العربي وهو ما قد يؤدي بالتالي الى عزوفه عن زيارة المتحف حتى واذا تعلق الامر بمعارض أخرى لا علاقة لها بالعرب والمسلمين. وهذا ما يخشاه ويفزع منه بطبيعة الحال مسؤولو المتحف بل والمسؤولون الثقافيون الكنديون بشكل عام. ولقد أفرزت مثل هذه الآراء سجالا اشكاليا حادا طال أعلى مستويات الدولة، غير أن الحكمة والاعتدال الكنديين حكمتا على تلك الآراء بالبطلان استنادا الى حجج وبراهين كثيرة ومنها أنه لا علاقة لهذا المعرض الذي بدأ الاعداد له قبل أكثر من ثلاث سنوات، بالأحداث المذكورة كما أنه يمثل بالأساس تظاهرة كندية بحتة وبالتالي فانه لا معنى لأن يتم الغاؤه أو تأجيله بسسب الأصول العرقية أو التوجهات الثقافية لفنانيه وموضوعاته، فضلا عن ذلك فانه من سداد الرأي وبعد النظر توقع نجاح هذا المعرض لنفس السبب الذي استند اليه أولئك الداعون الى تأجيله ونعني موضوع تقديمه لأعمال فنانين من أصل عربي، فالشواهد قد أكدت تزايد اقبال الجمهور على الموضوعات العربية وليس العكس، مثلما هو الحال في عالم النشر والكتاب مثلا. لقد تضافرت دوافع كثيرة اذن جعلت المشرفين على المتحف الكندي للحضارات يقررون افتتاح المعرض في موعده. وهذا ما صرح به رئيس المتحف على صفحة الواب المخصصة لهذه المؤسسة، معترفا بأن اغلب الدعوات التي وصلت من المثقفين الكنديين والجمهور ألحت كلها على عدم المساس بهذه التظاهرة الثقافية بأي شكل من الأشكال.

وهكذا انتصرت الأغلبية والحكمة للفن بغض النظر عن مصدره نال المتحف شرف التعريف بوجه آخر للعرب في ظرف لا ينظر فيه اليهم الا من زاوية الحذر والنفور. غير أن هناك انتصاراً آخر تحقق لفائدة امرأة كان لها دور كبير في اعداد هذا المعرض وبلورة أهدافه وتوجهاته، ونحن نقصد هنا باحثة الاجتماع السورية الأصل عايدة قاووق التي كانت وراء فكرة اقامة هذه التظاهرة الثقافية الكبرى والتي استمرت تشتغل على انجازها لأكثر من ثلاث سنوات. تقول في سياق تقديمها للمعرض: «عندما اقترحت الفكرة على ادارة المتحف كان في قصدي العمل على تسهيل وصول الفنانين العرب الى منابر علنية أين يمكن لهم أن يعبروا عن أنفسهم وعن ابداعاتهم بما يضمن لهم مزيدا من الاشعاع والانتشار ولعلم الجميع فانها المرة الأولى التي يتم فيها تجميع مثل هذا العدد من الفنانين العرب الكنديين ضمن واجهة لها من الهيبة والضخامة مثل متحف الحضارات» وعندما نسألها عن توجهات هذه التظاهرة وأهدافها، توضح الباحثة بأنها تسعى الى تقديم صورة مغايرة عن العرب، صور ة لا تكون مقولبة ونمطية بل شفافة وموضوعية: «اني، تضيف قائلة، لا اريد عبر هذا المعرض أن اقول ان العرب هم هكذا أو انهم ليسوا كذا، بل اني أسعى الى حث الزائر على التعرف بنفسه على هؤلاء الناس عبر ابداعاتهم. وهذا ما يضمن بلا شك تغيير شيء ما في ما هو راكد وسائد على مستوى بعض الأفكار الرائجة عن العرب. اننا عبر هذا المعرض يمكن أن نوصل فكرة هامة عن العرب وهي أنهم متعددون ومتنوعون ثقافيا ودينيا بل أحيانا لغويا. فكلنا يعلم بأن صفة العرب أحيان بل والثقافة العربية في أغلب الأحيان تشمل البربر والأكراد والأرمن واليهود وهؤلاء كلهم ساهموا بشكل أو بآخر في نسج تلك الثقافة ثم انهم اختلطوا وتمازجوا على مر العصور وهذا ما يسمح لنا بالعودة الى مفهوم التهجين كصفة لا يختص بها العرب أو الثقافة العربية فحسب وانما كل الشعوب والثقافات. ورسالة المعرض بالنسبة لي هي أننا كلنا مهجنون ولنكف عن الصراع معتقدين بأن بعضنا يمكن أن يكون غير ذلك».

وانطلاقا من هذا المفهوم حاولت عايدة قاووق أن تجمع 62 فنانا من أصول عربية مختلفة ومن اختصاصات وتوجهات فنية وجمالية متنوعة تتراوح بين الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي وغير ذلك من الفنون التشكيلية والتصويرية. كما يتميز كل واحد من هؤلاء الفنانين بكونه قد أقام في أكثر من بلد بالاضافة الى بلده الأصلي فمنهم من هاجر من العراق الى ايطاليا ثم الى كندا مثلا أومن اليمن فالى هولندا فالى أوتاوا أومن الجزائر فباريس فمونتريال في النهاية وهكذا. ويضمن هذا التنقل من بلد الى آخر مزيدا من الثراء والتنوع في مسيرة الفنان وهي الخاصية التي تميز بالأساس جل المشاركين في هذا المعرض الذي سيستمر قائما طيلة ثلاث سنوات كما أنه سيكون قابلا للانتقال الى بلدان أخرى وذلك بحسب الاتفاق مع ادارة المعرض.