السينما والتلفزيون: الإنتاج والتوزيع.. الرقابة والحرية وأمثلة عربية صارخة

ندوة «الانتاج السينمائي والتلفزيوني العربي: تنافس أم تكامل؟» تبدأ فعالياتها ضمن موسم أصيلة الثقافي

TT

شهدت ندوة «الانتاج السينمائي والتلفزيوني العربي: تنافس أم تكامل؟» التي انطلقت أعمالها يوم الاثنين الماضي نقاشا حادا حول طبيعة العلاقة بين التلفزيون والسينما. وانقسم المشاركون بين محبذين لبناء تكامل بين السينما والتلفزيون ومتخوفين من التأثير السلبي لهذه العلاقة على استقلالية السينما ومستواها الفني والابداعي. وتميزت اجواء الندوة بحضور مكثف لجمهور موسم اصيلة الذي تابع باهتمام تدخلات نجوم السينما العربية الحاضرين فيها مثل ليلى علوي والهام شاهين وأسعد فضة وعزت العلايلي.

وتدخل في البداية منسق الندوة، الصحافي والناقد السينمائي غسان عبد الخالق، الذي حلل جوانب من العلاقة بين السينما والتلفزيون في اوروبا والعالم العربي، فلاحظ ان بعض الدول الغربية شهدت في السنوات الاخيرة نوعاً من الشراكة الوثيقة بين القنوات التلفزيونية والسينما على مستوى الانتاج بفضل قدرة هذه القنوات على تحقيق مداخيل مهمة للفن السابع، رغم نظرة الشك والريبة التي ما زال يلقيها الكثيرون على هذا التعاون بحجة ان التلفزيون يُضعف القيمة الفنية للعمل السينمائي وقد يترك اثرا على المتطلبات الخاصة بالشاشة الكبيرة.

ولاحظ عبد الخالق ان نجاح تجربة التنسيق في الانتاج بين السينما والتلفزيون في العديد من التجارب الغربية مثل ايطاليا وفرنسا وسويسرا شكل في الفترة الاخيرة وسيلة فعالة لانقاذ السينما من ازمتها ومواجهة هيمنة الانتاج الاميركي على شاشاتها الصغيرة والكبيرة معاً، والحفاظ على الهوية الوطنية للانتاج الثقافي في هذه البلدان.

وتساءل بعد استعراض بعض هذه التجارب عن حقيقة الوضعية التي توجد عليها العلاقة بين السينما والتلفزيون في العالم العربي وعن دور القنوات التلفزيونية العربية الارضية والفضائية في توسيع اطار الانتاج والتوزيع، ومدى مساهمة القطاعين العام والخاص في تطوير العلاقة بين الشاشتين.

وشكلت مداخلة علي ابو شادي، مدير المركز القومي السينمائي، محاولة لتقييم تجربة التلفزيون المصري في الانتاج، وقد استهلها بتوضيح الفرق بين السينما باعتبارها أداة للابداع والتلفزيون باعتباره أداة لنشر الثقافة، الشيء الذي يجعل البحث عن طبيعة العلاقة الرابطة بينهما يكتسي اهمية كبيرة، خاصة ان للتلفزيون امكانيات مادية كبيرة.

وبخصوص الحالة المصرية لهذه العلاقة استعرض ابو شادي مجموعة من المراحل كان التلفزيون يحتاج خلالها للافلام السينمائية لتغطية ساعات البث، لكنه سيدخل لاحقاً في تجربة جديدة من خلال «انتاج افلام تلفزيونية فاق عددها 150 فيلما اصبحت اشبه بـ«أفلام سرية» لا تخرج الى دور العرض ولا تُذكر في قوائم افلام مخرجيها وتحتل موقعاً غريبا في المشهد الثقافي».

وبخصوص مدى اسهام هذه «الافلام السرية» في تقديم الثقافة الوطنية المصرية للجمهور، رأى ابو شادي ان ذلك لا يتحقق الا في حدود جد ضيقة بحكم ان حياة هذه الافلام تنتهي مباشرة بعد عرضها على الهواء. واعتبر نهج التلفزيون المصري لأسلوب المنتج ـ المنفذ خطأ كبيرا، مستنتجاً ان تدخل التلفزيون والدولة في الانتاج فشل بشكل واضح في دفع العجلة الى الامام وانتاج افلام ذات مستوى جيد. وارجع ابو شادي هذا الفشل الى غياب حرية الابداع وعدم نضج القائمين على هذه التجارب.

وقدم المخرج التونسي رضا الباهي نموذجا لمعاناة السينمائي العربي من الرقابة على حرية الفكر والابداع مستعرضاً جوانب من تجربته الشخصية في الموضوع حين رفضت سلطات بلاده السماح له بتصوير فيلم «شمس الضياع» فاضطر الى مغادرتها الى الخارج لانجاز شريطه الذي حاز فيما بعد جائزة هامة في مهرجان كان.

وتحدث الباهي كذلك عن تجربة تصوير فيلم وثائقي عن بعض الدول العربية فتطرق للمشاكل المختلفة التي واجهته لدى تصوير كل جزء من شريطه. كما قدم للحاضرين صورة عن سيطرة الرقابة على الفضاء المسموع والمرئي في معظم دول العالم العربي حين تحدث عن الفيلم الوثائقي الذي انجزه حول الانتفاضة الفلسطينية فمنعت معظم الدول العربية عرضه بحجة انه متحيز للجانب الاسرائيلي في حين هاجمته الاوساط الصهيونية في الغرب بتهمة التحيز للفلسطينيين! وقال الباهي: «المخرج العربي يجد اليوم صعوبة كبيرة في الانتاج داخل بلده. وكل الافلام السبعة التي اخرجتُها عن العالم العربي كانت بتمويل من جهات غربية بعدما أُغلقت امامي ابواب المنتجين العرب».

واختتم تدخله بالحديث عن مشكلة التواصل بين الفيلم العربي غير المصري والجمهور ملتمساً من وزراء الاعلام والثقافة العرب اتخاذ اجراء بسيط لحل مشكلة اللهجات العامية يتلخص في التطوع بعرض فيلم عربي غير مصري مرة واحدة كل شهر على شاشات التلفزيون، قصد تعويد الجماهير العربية على سماع وفهم لهجات البلدان البعيدة عن المراكز التقليدية للانتاج السينمائي العربي.

وتناول المخرج المغربي سعد الشرايبي جوانب العلاقة بين التلفزيون والسينما في العالم العربي معتبراً ان: «علاقة التلفزيون بالسينما كانت حتما صراعية في الماضي ولكنها ستكون حتما تكاملية في المستقبل».

وبخصوص الوضعية في المغرب اعتبر المتدخل ان التكامل بين هذين القطبين كا نيصطدم بعدة عراقيل اذ كان السينمائيون يعتبرون التلفزيون اداة صغيرة غير قادرة على تمرير رسالتهم الابداعية، كما كانت التلفزة تعتبر معظم افلام المخرجين المغاربة غير جماهيرية ولا تصلح للعرض على الشاشة الصغيرة.

وقال الشرايبي ان هذه الوضعية: «دفعت السينمائيين للتقوقع على انتاج افلام لا تمس الجمهور المغربي العريض مما زاد في التباعد لكن هذا النفور انتهى بحدود سنة 1998 بسبب التغييرات التي شهدها المغرب وتدخل المسؤولين لدفع القناتين الاولى والثانية للمساهمة في الانتاج السينمائي. وكانت النتيجة مساهمتهما في انتاج 15 شريطا سينمائياً».

اما المخرجة السينمائية المصرية ايناس الدغيدي فقد تناولت الامور من زاوية مغايرة تماما وناقشت مشروعية السؤال المركب الذي يطرحه عنوان الندوة. واعتبرت انه: «لا يوجد تنافس ولا تكامل بين السينما والتلفزيون لأن التلفزيون جهاز اعلامي استهلاكي، تابع للحكومات في العالم العربي ولا يستطيع التحرك خارج وجهة النظر الرسمية، بينما السينما ابداع وتجديد وثقافة».

ولاحظت ايناس الدغيدي ان ازمة السينما في العالم العربي قد اوجدت في السنوات الاخيرة نوعاً من الحاجة الماسة لعمل السينمائيين في التلفزيون. لكن هذا الاحتياج يهددهم بالسقوط في التبعية المادية والفكرية للتلفزيون والتحول لأشباه موظفين لدى القطاع العام. لذا يجب ايجاد علاقة متوازنة بين هذين الطرفين اللذين يحتاجان بعضهما البعض، وحل مشكلة حرية التفكير والابداع في العالم العربي.

واعتبر الممثل السوري اسعد فضة الحديث عن العلاقة بين السينما والتلفزيون حديثا اشكاليا جدا، فوسائل الانتاج فيهما واحدة في العمق رغم اختلاف التفاصيل، لكن شروط العمل تختلف بشكل كبير مما يوجد علاقة تنافر بينهما.

وعدد فضة عناصر التباعد وأهمها اعتماد السينما بشكل كبير على التكثيف والمستوى الفني الرفيع الذي لا يسمح به ضغط العمل الاعلامي في التلفزيون، قبل ان يخلص الى ان: «علاقة السينما بالتلفزيون يجب ان تبنى على الاستقلالية التامة لكل منهما عن الآخر ليتمكن كل طرف من تقديم افضل ما عنده».

وتحدثت الممثلة المصرية ليلى علوي عن تجربتها الشخصية في هذا الباب فاعتبرت التلفزيون جهازاً موجهاً لا يتوفر على الحرية النسبية للعمل السينمائي رغم وجود علاقة احتياج متبادل بين الاثنين.

واعتبرت ليلى علوي ان المشكلة الكبيرة التي تواجه الانتاج السينمائي هي غياب توزيع حقيقي للأفلام السينمائية في مصر وضعف آليات التسويق بشكل كبير مما يحرم الفيلم الجيد من المكانة المناسبة له في دور العرض.

وأسهبت ليلى علوي في الحديث عن ازمة التوزيع والمنافسة التي تهدد الفيلم العربي بسبب الهيمنة المتصاعدة للنتاجات الهندية والاميركية، وطغيان الانتاج الرديء ذي الميزانية المحدودة. ودعت الدولة والجمهور الى التدخل لدعم السينما العربية واخراجها من ازمتها.

وقدمت ماريان خوري، ممثلة شركة يوسف شاهين للانتاج، نموذجا ناجحا للعلاقة الانتاجية بين السينما والتلفزيون، معتبرة ان انهيار السينما المصرية لا يمكن ان يتوقف الا بالتعامل مع التلفزيون.

اما الممثلة المصرية الهام شاهين فقد اكدت في مستهل تدخلها غيرتها على المساحة الابداعية الحرة التي تتيحها السينما لكنها اكدت ان الوضعية الصعبة للسينما المصرية اليوم اصبحت تفرض التعامل مع التلفزيون بعد تراجع الانتاج الموجه للشاشة الفضية بشكل خطير في السنوات الاخيرة.

وعزت إلهام شاهين الازمة الى سيطرة منتجين لا يهمهم الا تحقيق الربح المادي على الساحة في حين ان تدخل التلفزيون يساهم في انتاج افلام تحافظ على المستوى الفني والابداعي للمنتوج المصري. وذكّرت انها قدمت في هذا الاطار افلاما ذات قيمة فنية وانسانية وجماهيرية هامة بفضل تدخل التلفزيون في انتاجها.

وتحدث الممثل المصري عزت العلايلي، في اطار التعقيب على بعض التدخلات، فاعتبر الصناعة السينمائية المصرية صناعة استراتيجية فنية لها رسالة ابداعية وحضارية، في حين ان مهمة التلفزيون اعلامية بالأساس. واعتبر ان العلاقة المثالية بين القطبين يجب ان تكون علاقة تنافس لخدمة المتفرج وان دعم الدولة للصناعة السينمائية واجب قومي في الحالة المصرية، لأن الامر يتعلق بصورة مصر في الخارج وبدعامة اساسية من دعامات الاقتصاد الوطني.