عرض إنجليزي بإخراج كويتي يفوز بجائزة مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي

انقسام بين النقاد حول فوز «مؤتمر هاملت» الذي اعتبره البعض تكريسا للصورة المشوهة عن العرب والمسلمين

TT

اختتم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مساء أول أمس فعالياته بفوز العرضين، الانجليزي «مؤتمر هاملت» والصيني «ووشانج ونودياو» بأغلب جوائز المهرجان، فقد فاز «مؤتمر هاملت» لفرقة مسرح زاووم بجائزة أفضل عرض، وافضل مخرج للكويتي سليمان البسام صاحب الفرقة. وكان هذا العرض قد أثار جدلا واسعا لدى المشاهدين وانقسم النقاد المصريون والعرب المتابعون لعروض المهرجان حوله، فمنهم من اعتبره تكريسا للصورة المشوهة التي يحاول الغرب إلصاقها بالعرب والمسلمين ووصفهم بالمتطرفين والإرهابيين، وكانت المعالجة الدرامية التي قدمها البسام قد اثارت هذا الجدل، حيث نقل اجواء «هاملت» الى مجتمع خليجي عربي ومسلم، وبذلك ادخل مفردات وعلاقات ثقافية ودينية وسياسية ولدت هذا الاختلاف، لكن نقادا آخرين اعتبروا العرض تميز بالجرأة في طرح هموم حالية حقيقية على هذا النص الشكسبيري الكلاسيكي، واعتبروه تعبيرا ذكيا عن أزمات موضوعية حقيقية في الواقع العربي، ولا يكرس لصورة العربي كما يراها الغرب.

أما العرض الصيني فقد فاز بجائزة افضل ممثل «زاو زينيج» وافضل ممثلة «هان زيانج» وكان تعبيرا عن الأداء الكلاسيكي للفنون الشعبية الصينية وتعبيراتها الجمالية، وقد أثار المشاهدين بتشكيلاته الفنية الناعمة، وتناغم حركة الممثلين في ابراز مفردات هذه الجماليات.

في حين فاز عرض «عرائس شارون» لفرقة «راقصي مركز دانكان» التشيكية بجائزة أفضل تقنية.

وكان من المفترض ان تقدم جمهورية التشيك عرضين تجريبيين، وقد اقبل عدد كبير من الجمهور على مشاهدة العرضين في المسرح الصغير بدار الاوبرا للذكريات الطيبة التي تحفظها الذاكرة لمجموع العروض التشيكية الجادة التي شاهدناها في السنوات السابقة، لكن ما حدث ان لجنة التجهيزات الفنية لم تمد فرقة راقصي مركز دانكان بمتطلباتهم المسرحية مثلهم مثل بقية العروض، فكانت النتيجة قرار الفرقة بالاكتفاء بعرض واحد فقط «عرائس شارون» لمدة خمس عشرة دقيقة فقط أو أقل، وإلغاء العرض الثاني وزمنه الذي يتعدى خمسين دقيقة. المهم ان ما شاهدناه في هذه الربع ساعة المقتطعة، كان حالة راقية من التركيز والاعداد الحركي وتكنيك اضاءة شديد الايحاءات الشجية والميتافيزيقية كعادة الفرق التشيكية بتقنيتها ذات الطبيعة الخاصة جدا، وفيه اعتمد اخراج ايفا بلازيكوف على لغة الجسد تماما عوضا عن لغة الكلمة، في معالجة بصرية حركية تعبيرية لاسطورة اغريقية قديمة، تؤكد ان نهر ستايكس يمثل الحدود بين عالم الاحياء وعالم الموتى، لهذا يقوم شارون سائق الطوف بنقل الارواح المتوفاة الى الضفة الأخرى للنهر، لهذا استوحت مصممتا الراقصات كريستينا سيلبوفا وسوزانا فيتوسوفا لغة التحاور مع الفراغ من خيالات العالم الآخر، حينما تهيم ارواح ثلاث فتيات وكأنهن يودعن الحياة ويستقبلن العالم الجديد بدهشة الوليد الفضولي بالفطرة، وقد انغمست الراقصات في كم من الغبار الابيض واصبحن جزءا منه، حيث يمثل ذلك الضباب الذي يغطي الأفق الأسود لنهر ستايكس الفاصل بين حدود النهاية وآفاق البداية.

ومن بين العروض التي برزت في المهرجان وعرضت سواء على هامشه أو داخل المسابقة الرسمية ولاقت تجاوبا من النقاد والمشاهدين، العرض الاسباني لفرقة مسرح الجلوبو «الموت ونحن نحلم» اخراج لويس جارفان على المسرح العائم الصغير، الذي يسلط الضوء على ستة شباب في ما بين ستة عشر وعشرين عاما، أي تلك الطبقة المهمشة في المجتمع حيث وقعوا في شرك المستقبل المظلم، فيحاولون كرد فعل منعكس تناسي المجتمع ليخلقوا لأنفسهم واقعهم الخاص، فينعزلون تماما عن البشر متفرغين لسماع الموسيقى وتعاطي الخمور والمخدرات وضياع الوقت والاحلام في لا شيء هربا من مجتمعهم العنيف الذي ينبذهم باصرار، يتبنى مسرح الجلوبو الاسباني منهج البحث في الفضاء الروائي واكتشاف الزمن الدرامي، كبوتقة تندمج فيها مفردات الأزياء وتصميم المشاهد وتوظيف الاضاءة والايماءات. ورغم ان الفكرة جيدة في حد ذاتها، إلا ان المعالجة المسرحية على مستوى التجريب جاءت محدودة لا تقدم جديدا في التعامل مع العناصر المتاحة سواء من ناحية الفضاء المسرحي أو جسد الممثل.

أما العرض الاسباني الآخر «حتشبسوت» لفرقة مجموعة بيستاثول المسرحية اخراج انطونيو مورياس، فقد أثار عنوانه الفرعوني الأصيل فضول الجميع، لنتعرف على رؤية الاسبان حول الملكة حتشبسوت التي أثارت جدلا واسعا في أروقة التاريخ المصري القديم ولماذا. لكن ما ان مرت الدقائق العشرون الأولى من هذا العرض الذي قدم في الهواء الطلق على المسرح المكشوف المفتوح بدار الاوبرا المصرية، حتى تأكدنا ببساطة اننا أمام عرض كلاسيكي تقليدي تماما يعتمد علي الكلمة والحوار في المقام الأول من دون مصاحبة إبداعية من أي عنصر آخر. حتى مستوى أداء الممثلين رغم حاجز اللغة لم يستلفت انتباه الحاضرين، فكانت النتيجة الطبيعية انصراف عدد لا بأس به من الجمهور بعد أن تبدد حلمهم في العثور على الجديد في عرض «حتشبسوت».

ولم يكن العرض الاميركي «مونك وباد» اخراج جاسبر ماك جرودر اكثر حظا من العرضين الاسبانيين، حيث يعتمد العرض على ثلاث شخصيات، تطرح حياة رائدي موسيقى الجاز تياونيوس مونك وباد باول من ذوي البشرة السمراء ومدى تعرضهما مثل بقية الموسيقيين للقهر والسجن بسبب العنصرية الشديدة والتفرقة والكراهية. إلا ان الموسيقى والحب والصداقة تحسم هذا الصراع الاجتماعي الفكري لصالحها في النهاية بفعل قوى الصبر والاحتمال وعشق الفن. ترك العرض فضاء خشبة مركز الابداع للفنون فارغا، باستثناء مقعد خشبي عريض تتبادل الشخصيات الجلوس عليه أثناء الحوار الذي يستدعي التوغل داخل الغرف السرية للنفس البشرية. ورغم أهمية الفكرة والقضية التي يطرحها العرض للمناقشة، إلا انه يعد عرضا كلاميا معتادا في المقام الأول لم يقدم تقنية مختلفة في البناء الدرامي الحواري أو التصميم الحركي أو الاضاءة أو الموسيقى. وربما لو شاهدنا هذا العرض في سياق مختلف عن المهرجان التجريبي، لاختلف استقبالنا له بشكل كبير عما حدث بالفعل بدلا من اعتباره نشازا وسط مهرجان له هدفه المحدد التي لا تقدم إلا من خلاله عروض على الاقل ليست كلاسيكية.

أما العرض الفنلندي «صرخة الملاك» لفرقة مسرح الصوت ايكي تورسو، فقد ارتكز فيه المخرج دجوها فالكيبا على خلق مكان ما في هذا العالم الانساني، يجتمع فيه سبعة أشخاص كل صباح لأداء لعبة ما تستغرق يوما كاملا، متنقلين فيه من حالة السلام الى الحرب الى السلام وهكذا في حركة نفسية دائرية لا تنتهي. وكل منهم له دور يؤديه باستخدام الاجراس واحواض المياه والارتجال والملابس، ينبني المفهوم التجريبي لهذه الفرقة على استخدام وتوظيف لغة الصوت بوصفه فرقة موسيقية، ليكون هو الفاعل المرسل والمستقبل لكل شيء، ومن ثم يبتعد العرض تماما عن استخدام الكلمة، ويتيح مساحة حرة للارتجال والموسيقى ليكونا هما الاداة الفاعلة المهيمنة على العرض ككل.

ورغم ان العرض الفنزويلي «من هنا تذهب إليكم ناثوا» لفرقة عمل ابداعي استخدم اللغة الاسبانية التي لا يعرفها الغالبية العظمى. إلا ان هناك بعض التواصل الذي تولد لدى المتلقي بفعل الموسيقى والرقص التعبيري والفولكلوري الاسباني الذي يحمل روح اميركا اللاتينية المتوهجة، وهو ما أضفى جوا من المتعة بدليل انتظار معظم الحاضرين حتى نهاية العرض على غير العادة لما يحدث في هذا المهرجان المزدحم بنسبة ضخمة من العروض المتواضعة للغاية. ركز العرض اهتمامه في الجزء الأول على تعريف المتلقي بالفوضى التي احدثها آدم وحواء في الكون عندما بدآ الحياة فيه، أما الجزء الثاني فقد قدم أجزاء مقتبسة من عدة نصوص شعرية يتناول مرحلة وصول كولمبس الى اميركا. وقد صفق الحاضرون في النهاية لاحساسهم بمدى اجتهاد الممثلين في الأداء ورشاقة حركتهم، لكنه في النهاية يعد على أي حال عرضا متوسطا ولا يزيد.

يعتبر العرض الهولندي «تاجر البندقية» لفرقة تونيل جروب امستردام، تأليف وليم شكسبير، واخراج أولا ما فالاتي، التي جمعت العديد من الشخصيات يتحدثون لغة المشاعر والموسيقى والغناء والرقص، وقد طرحت رؤية شديدة العصرية للمسرحية الكلاسيكية المعروفة، بدأت بارتداء الشخصيات ملابس عصرية يلتفون أغلب الوقت حول منضدة مستطيلة الحجم يلعبون البوكر وهم يتصايحون ويتناقشون ويتشاجرون طبقا للحبكات الشكسبيرية المعروفة في «تاجر البندقية». وأحيانا ما يشاركون في الأحداث التي تقع في بقية فراغ خشبة المسرح القومي الواسعة، وأحيانا ما ينعزلون عن الحدث تماما وكأنهم في زمان ومكان مختلفين. وقد وظفت المخرجة هذا الفراغ على المسرح بعرض الخشبة وعمقها الكبير في التلاعب بالمنظور البصري المتعدد المستويات الغارق في الضوء الابيض المبهر وكأنه سحب دخان شفافة تعرف حدودها جيدا، لأداء فواصل من الغناء والرقص، يتتابع عليها بعض الشخصيات بما لها من علاقات عاطفية وجسدية. بينما يقبع خلف منضدة اللعب ما يشبه صندوق رمادي مفرغ بقدر ما يكشف ما بداخله مرتفع تماما، استخدم مرة كمنزل ومرة كمكان منعزل للقاء بعيدا عن أعين الباقين ومرة أخرى كشرفة مرتفعة والعديد من هذه الاشياء. وقد حاولت الفرقة مساعدة المتلقي لعبور حاجز اللغة الهولندية، باستخدام شريحة سوداء أعلى المسرح محملة بترجمة انجليزية سلسة وواضحة تماما، بالاضافة لمحاولة أحد الممثلين نطق بعض العبارات باللغة العربية على طريقته، مما أثار ضحك الحاضرين الهولنديين بسبب معاناة زميلهم الواضحة، كما أثار ضحكاتنا على تلك اللغة العربية الفصحى التي حولها الممثل من دون قصد للغة هيروغليفية عجيبة لم تتوصل لها عبقرية شامبليون بعد، وفي النهاية اختتمت الفرقة هذا العرض الحيوي تماما باعلانها المفاجئ اضطرارها للتوقف عن التمثيل، بسبب وليم شكسبير الذي لم يكتب مع الأسف أكثر من ذلك.

وعلى مدى جميع العروض المسرحية في هذا المهرجان مع تباين المستوى وتواضعه بوضوح، جاء العرض الياباني «الحبل» لفرقة ستور هاوس المحترفة ليقف وحده بين بقية العروض ليقدم نموذجا حقيقيا للعروض المسرحية الحديثة. وكما هو واضح من عنوان العرض فقد قدم المؤلف والمخرج شينجو كيمورا بنية مشهدية مسرحية، باظهار مدى التحكم التام في الايقاع الداخلي للعرض بين حالة البطء الشديدة التي نزل بها الممثلون من الادوار العليا في عمق مسرح الجمهورية، الى حالات السرعة المتدرجة في الحركة حتى لحظة التماهي والاندماج الشديد في التنقل بين أكوام الحبل، حتى صنعوا من خلال العديد من التشكيلات والتكرار فخا محكما لأنفسهم لم يستطيعوا الفكاك منه، وهو ما تجسد في النهاية عندما لفوا الحبال حول وجوههم في إحالة لحالة العزلة الداخلية التي يعانونها. ومع احترامنا الكامل لدرجة التركيز العالية لمؤدي العرض واجتهادهم الواضح كمجموعة تجسد حالة متماسكة متدرجة، إلا انهم افتقدوا لديناميكية الملامح وللتميز الفردي بين بعضهم البعض فبدوا أحيانا كأنهم شخص واحد متعدد الأوجه. كما كان اختيار الموسيقى يحتاج لشيء من الوعي والدقة أكثر، فهبط قليلا بدرجة التفاعل مع هذا العرض المتميز الذي فرض لغة الحركة والصمت أحيانا على الحاضرين حتى النهاية.

لعل أهم ما يميز العرض المجري «فراش مزدوج/ احمق أنت يا حبيبي» لفرقة مسرح فريق الحلم، ان المخرج ايمري توث انتهج لغة الجسد تماما في هذا العرض الذي يطرح حلولا إبداعية تقنية بأسلوب السهل الممتنع، فلأن الحركة هي الحياة ذاتها، فمن الملاحظ ان المادة المتحركة حينما تستنفذ كل طاقاتها الداخلية، تفشل في الحصول على أي عنصر خارجي يدعم قوتها على الحياة فتتلاشى وتموت. وحين يبوح العاشقان بما في أعماقهما للآخر، تظل الطاقة تموج بينهما مهما تعرضت لتيارات مضادة. قدم العرض فاصلا من التعبير الحركي في علاقة الرجل والمرأة، مستخدما ستارتين بيضاوين متدليتين من أعلى، لعب عليهما الراقصان اكروباتا تعبيريا ومشاهد مقتطفة بمنتهى الرشاقة والتحكم. كما استخدما على سبيل المثال في نهاية العرض مساحات خشبية ممتدة أمام الخصر عليها شمعتان، لتجسيد مشهد الجلوس في مطعم ما ولتوظيف نفس قطعتي الاكسسوار لتكون مصدرا شديد الرومانسية للاضاءة، وتعود الكرة من جديد في علاقة المرأة والرجل، وهكذا هي الحياة تسير بلا توقف رغم تكرار نفس الاخطاء وتقولب أحوال النفس البشرية، ومن هنا أصبح اسم العرض يحمل دلالة خاصة، وعلينا أن نبحث عن الذي يستحق مقولة «أحمق أنت يا حبيبي».