مثقفون مصريون يناقشون ظاهرة العنف

أخطر أنواع العنف المؤسسي غير الرسمي هو ما تتعرض له المرأة

TT

حول ظاهرة العنف في المجتمع المصري، اشكاليتها وتحولاتها، نظم منتدى حوار الثقافات في الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية أخيراً، وعلى مدى ثلاثة ايام، لقاءاً فكريا دعا اليه المهندس نبيل صموئيل ابادير مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية، وشارك فيه قرابة مائة من الكتاب واساتذة الجامعات وبعض رجال الدين الاسلامي والمسيحي، وشخصيات صحفية وإعلامية.

وحول مفهوم العنف في العلوم المختلفة اوضح الدكتور محمد نور فرحات استاذ القانون بجامعة الزقازيق، مستشار الامم المتحدة ان مفهوم «العنف» ينتهي الى طائفة المفاهيم المستخدمة في العلوم السلوكية، كعلوم النفس والاجتماع والاجرام، ويحتوي قانون العقوبات المصري على العديد من المصطلحات والاشارات الخاصة «بالعنف» ومترادفاته. وهذه الاشارات لا ترقى الى وضع صياغة قانونية فقهية لمعنى «العنف»، لكنها مجرد تعريفات. لافتا الى ان الفقه يسير في ركاب التشريع، فيشير الى مصطلح العنف في سياق مرادفات متنوعة تستخدم مصطلحات القوة، والاكراه، والتهديد، والترويع اذا كان العنف موجها ضد اشخاص. وتشير كذلك الى مصطلحي التخريب، والاتلاف، اذا كان العنف موجها ضد الاموال. اما «الارهاب» فقد عرفته المادة 86 من قانون العقوبات المصري، بأنه كل استخدام للقوة، أو العنف، أو التهديد، أو الترويع يلجأ اليه الجاني، تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي، بهدف الاخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وهذا يعني ارتباط السلوك العنيف للشخص الارهابي، أو الجماعة الارهابية، بمشروع اجرامي متصل، يستهدف الاخلال بنظام المجتمع وامنه وسلامته.

وحول تعريف «العنف المؤسسي» الرسمي وغير الرسمي قال د. فرحات: «ينبع العنف الرسمي من خلط ممثلي السلطة العامة بين السلطة والتسلط، الامر الذي ينتج عنه احيانا سلوك عنيف غير مشروع، قد يستتبع احيانا ردود فعل عنيفة غير مشروعة ايضا.

اما «العنف المؤسسي» غير الرسمي، فهو الذي يمارسه المواطنون باعتباره عادة شعبية تحظى بالاعتراف الصريح بالقانون، أو بالتغاضي الضمني عنه من قبل اجهزة تطبيق القانون، ويعتبر العنف الاسري الذي يمارس ضد الاطفال والنساء، احد ابرز انواع العنف المؤسسي غير الرسمي. ولعل الخطر في هذا النوع، كما يضيف، هو ما تتعرض له المرأة، ويأخذ مظاهر مختلفة يتسامح معها المجتمع لأسباب تعتمد على الفهم غير الصحيح للدين أو لقواعد الاعراف، والاخلاق.

لذلك كان الاعلان العالم للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الاول) 1993، والذي عرف هذا النوع من العنف بأنه أي فعل عنيف قائم على الجنس ينجم عنه أو يحتمل ان ينجم عنه أذى أو معاناة بدنية، أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد، أو الاكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية العامة أو الخاصة، وبهذا المعنى فقد تضمن الاعلان ثلاث صور هي: العنف الجسدي أو الجنسي الذي يقع في اطار الاسرة، أو الاطار العام للمجتمع، أو الذي تعترف به الدولة أو قانونها، أو يتغاضيان عنه مثل ختان الاناث والزواج المبكر.

وفي السياق نفسه ذكر الدكتور قدري حفني استاذ علم النفس بجامعة عين شمس، بأن «العنف» هو ظاهرة تستهدف الحاق التدمير بالاشخاص، أو الممتلكات، ويقصد بكلمة «ظاهرة» ان العدوانية لكي تكون عنفا، ينبغي ان تتوفر لها شروط الظهور، وهذا المصطلح قد يختلط في الاذهان بمصطلحات اخرى عديدة منها: التطرف، التعصب، الارهاب، الاصولية، الفدائية، والاستشهاد وغيرها.

والامر يتوقف في النهاية على هوية المتحدث، وموقعة الفكري والاجتماعي وبخاصة ان صفات كالارهاب والتعصب والتطرف صفات تطلق عادة على الآخر، ونادرا ما يصف بها الفرد نفسه أو جماعته، والامر على العكس بالنسبة لصفات كالفدائية، والاستشهاد، فنادرا ما يطلقها فرد على آخر منتم لجماعة معادية. ان تعبيري «الفدائي» و«الارهابي» ـ على سبيل المثال ـ غالبا ما يتكرر اطلاقهما على نفس الشخص في نفس الواقعة، من مصدرين مختلفين، ويكمن الفارق الوحيد في طبيعة جماعة الانتماء التي يعبر عنها كل مصدر، في حين تحتل صفة مثل «الاصولية» مكانا وسطا، بحيث يمكن ان تطلق على الذات، أو الاخر، وفقا لرؤية المتكلم.

ويحدد الدكتور قدرس حفني انواع «العنف السياسي» في ثلاثة انواع هي:العنف السياسي القومي، وفيه تتمايز الجماعات الممارسة للعنف السياسي تمايزا قوميا، حيث تكون السلطة في يد ممثلي قومية معينة، في حين ينتمي، من ينازعونها السلطة الى قومية اخرى مختلفة. مثال ذلك ما شهدته مصر على مدى تاريخها من حركات التحرير، والكفاح ضد المحتل، كذلك ما يحدث الآن في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وثانياً، العنف السياسي الاقتصادي، وهو عنف تتبادله جماعتان أو اكثر، ممن ينتمون لنفس المجتمع تاريخيا، وليس سياسيا، وهو يهدف الى تغيير النظام الذي تتبعه السلطة، لاشباع احتياجات المواطنين.

وثالثاً، العنف السياسي الديني، ويتخذ صورا ثلاثا هي:

ـ المذهبي: وفيه تنتمي الجماعات المتصارعة الى دين واحد، ولكنها تختلف في المذهب الذي تنتمي اليه، مثال ذلك الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في بعض الدول الاوروبية والصراع بين الشيعة والسنة في بعض الدول العربية.

ـ الداخلي: وهو صراع بين جماعات تنتمي الى نفس الدين ونفس المذهب، لكن بينهم صراع على السلطة، بدعوى ان البعض خرج من صحيح الدين والمذهب، وهم الملتزمون بالدين الصحيح وتعاليمه.

الموجه: من جماعة الى اخرى تختلف معها في الدين، وهو يدور عادة حول السلطة التي تكون عادة مستترة في هذا الصراع.

واستعرض الدكتور محمد حافظ دياب استاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة بنها، مسيرة العنف من الناحية الاسلامية في مصر، ومفهوم العنف المقدس، والعنف والخطاب الاسلامي الراديكالي، مؤكدا اهمية الدور الذي يقع على عاتق العلماء والمفكرين واولي الامر من توضيح السبيل لتحرير المجتمعات من جماعات العنف أو على الاقل الحد من نشاطها.

وعرض الدكتور دياب لبداية هذه الظاهرة في مصر، والتي ارجعها لحركة «الاخوان المسلمين» بزعامة مرشدها حسن البنا، الذي وضع مقدمات القطيعة بين فكر هذه الحركة، وفكر الاصلاح الذي سبقها، الذي بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر على يد جمال الدين الافغاني، ومحمد عبده، حيث كانت فكرة الحاكمية، ذروة التعبير عن تلك القطيعة، بعد ان أودت بفكرة الدولة الوطنية، تلك الفكرة انجبت الى جانب ثقافة العنف والتفكير، بناء سياسية متطرفة، اساءت فكرة استخدام الجهاد، وفتحت المجالين السياسي والاجتماعي على الفتنة والحرب الاهلية، وجاءت تجربة المقاومة الافغانية للاحتلال السوفياتي، والمقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان (حزب الله) لتعطي زخما لهذه الحركات على صعيد قدراتها المادية بعد ان زودتها الثورة الايرانية قبلا بالطاقة الفكرية والتقنية الضرورية للاستغلال.

وتناول الباحث المهندس سمير مرقص عضو اللجنة الاستشارية لبرنامج حوار الحضارات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الرؤية المسيحية «للعنف»، مؤكدا ان العنف فكرا أو ممارسة، هو دخيل على الطبيعة البشرية، واذا مارسه المسيحي فذلك يعني انه فك ارتباطه بإيمانه، وخضع للواقع بملابساته التي تدفع نحو الاخذ بالعنف.

وختتم سمير مرقص الحديث بتقديم نماذج من العنف ذات الطابع الديني، فأبرز نموذج نقل الدين الى دائرة التنافس الاقتصادي ـ الاجتماعي، أو التنازع السياسي (تدوين الواقع)، مثال ذلك حالة الحروب الدينية في اوروبا خلال العصور الوسطى.

نموذج آخر وهو توظيف السلطة السياسية للدين كأداة للقهر، والهيمنة، ومثال ذلك حالة اليمين الاميركي الذي يشارك في صنع القرار داخل الادارة الاميركية، وحالة الامبراطورية الرومانية بعد تحولها للمسيحية ودعمها لبعض البدع والهرطقات.

وأوضح السيد ياسين مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام «اننا نعيش مرحلة حاسمة من تاريخ الانسانية انتقلنا فيها من النموذج الاساسي «النموذج الصناعي» الى ما يطلق عليه الآن «نموذج مجتمع المعلومات العالمي»، وقد ساعد «النموذج الصناعي» على نقل اوروبا من مجتمع زراعي، الى مجتمع صناعي، وصاحبت ذلك ثورة فكرية عرفت باسم «الحداثة» التي كان شعارها «العقل هو مصدر الحكم على الاشياء»، وبالتالي استطاعت اوروبا ان تتخلص من سلطان النص الديني الجامد الذي كان يعوق التطور ويمنعه».

وأكد ياسين ان «الفردية» تعد احد اهم الاسس التي قام عليها مشروع «الحداثة»، فهي تعني تحرر الفرد من النظام الاقطاعي، واعطاءه كيانه، واعتماده على العلم والتكنولوجيا الحديثة.

واستعرض ياسين التحولات العالمية الجديدة، مشيرا الى انه حدثت نقلة علمية جديدة تحول على اثرها «النموذج الصناعي» الى نموذج آخر عرف باسم «نموذج مجتمع المعلومات العالمي»، وذلك نتيجة تراكم آثار الثورة العلمية والتكنولوجية من ناحية، وثورة الاتصالات الكبرى «الانترنت» من ناحية اخرى، وبذلك اصبحنا نتحدث عن نموذج جديد، ادى الى ازالة جميع الفواصل بين الزمان والمكان، كما ادى ايضا الى ظهور صيحة جديدة عرفت باسم «ما بعد الحداثة» حاولت تجاوز قصور «الحداثة» في ما يتعلق بسوء استخدام «العقلانية» ومحاولة الطغيان على الفرد وقهره في ظل ما يعرف «بالشمولية» مع اعادة صياغة نظريات كبرى شاملة تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.

وخلص ياسين الى ان تلك التحولات افرزت مشكلات جوهرية، سياسية كانت أو اقتصادية، من اهمها «فقد الهوية»، والخصوصيات الثقافية، وهو ما ادى الى ظهور حالات جديدة من العنف باعتباره تعبيرا عن الاحتياجات الثقافية لجماعات معينة، مثل ما حدث في حرب «البلقان»، كما ظهرت صور جديدة من العنف مثل «التطهير العرقي» وغيره نتيجة الحروب الاهلية التي تركزت حول موضوع «الهوية» الذي اصبح احد اهم الموضوعات الاساسية في القرن الحادي والعشرين، وسيصبح على مر التاريخ مصدرا لأشكال جديدة من العنف سيكون الدفاع عنها من خلال صياغة جديدة، قد تكون دينية أو قومية.