حين يتحول المسرح إلى حياة

«الشيء الحقيقي» لستوبارد في جولة عبر المدن البريطانية

TT

عرضت على قاعة ليسيوم في مدينة شفيلد البريطانية مسرحية الشيء الحقيقي للكاتب توم ستوبارد. وشفيلد محطة اخرى من محطات عديدة، اذ بدأ عرض هذه المسرحية منذ خمسة اشهر في عدة مدن بريطانية اخرى.. كتب ستوبارد هذه المسرحية عام 1982 التي وصفها النقاد بانها كوميديا باهرة تصور الحب وآلامه وواحدة من اكثر مسرحياته متاعا. هنري، الشخصية الرئيسية في المسرحية يمثل كاتبا مسرحيا، هو الاكثر ذكاء وفطنة من بين ابناء جيله، غير ان الكتابة عن الخيانة الزوجية، وهو ما يريد فعله، شيء، وتحققها عمليا معه شيء آخر تماما. فالازمة تبدأ عندما يأخذ هنري بتضبيب الحدود بين الحياة والفن، عندها تصبح الاشياء فجأة شائكة، اذ يستحيل ما هو خيال الى واقع. ففي المشهد الاول من المسرحية يحاول هنري ككاتب مسرحي كتابة مشهد يصور شجارا بين زوج وزوجته بعد ان يكتشف خيانتها له. لكن هذا المشهد المتخيل يتحول الى واقع عندما يكتشف هنري الانسان ان زوجته تخونه، ويبدأ بالتفكير بحل لهذه العقدة الحياتية بطريقة انسانية لا مسرحية.

اعتبر بعض النقاد ان هذه المسرحية لا تمثل غير سيرة حياته، ويجيب ستوبارد بان هناك اشارات عديدة في المسرحية تشير اليه، اذ انها تعالج مسائل شائكة كثيرة وفن الكتابة واحدة فيها. فالكلمة، كما أعلن هنري بغضب في المسرحية، مقدسة ومحايدة وبالتالي لا يجب انتهاكها. وفي المسرحية مشهد رائع يقارن فيه هنري بين لعبة الكريكيت وفن كتابة المسرحية وكيف ان اي خطأ في التوقيت قد يؤدي الى نتائج كارثية.

في لقاء لـ«الشرق الأوسط» تقول الممثلة سوزان سيلفستر، التي مثلت دور آني، عن المسرحية: «الشيء الحقيقي، كأي مسرحية رائعة، صمدت أمام امتحان الزمن. صحيح انها كتبت عام 1982، الا ان ثيماتها حيوية لحد الآن لانها تعالج معضلات مثل العلاقات الانسانية، الحب الرومانسي، العلاقة بين الرجل والمرأة، الخيانة الزوجية، فن الكتابة...الخ، انها مسرحية رائعة حقا وثرية بموضوعاتها». والمعروف عن ستوبارد انه كاتب مسرحي خبير بفن التعارضات، وهكذا يظهر هنري بطل المسرحية ككاتب مسرحي يفترض فيه كمثقف ان يطرب لفن الاوبرا ليفاجئك انه يستهجن هذا الفن ولا يطيق سماع أي اوبرا.

أما الممثلة ليز كروثر التي مثلت دور شارلوت، فتقول عن اسلوب الاخراج: «المسرحية تعتمد كليا على مدرسة المنهج، وهي مدرسة في التمثيل تعتمد على تقمص الممثل مشاعر الشخصية التي يمثلها بحيث يتحول الممثل الى تلك الشخصية. وابتدع هذه المدرسة المخرج الروسي العملاق قسطنطين ستانسلافسكي، وتمثيل هذه المسرحية امر لا يفيد كثيرا لان تقنياتها عالية جدا، فكلمات الحوار كثيرة جدا، أما المشاعر والاحاسيس فتبقى داخلية معظم الاحيان، وعلى الممثل ان يحافظ على الابقاء على جانبين من شخصيته، فأدوار الممثل تتغير ولا يمكن اعتمادا على مدرسة المنهج الخروج من دور والحلول في آخر بسرعة قياسية. ربما يمكن الاعتماد على مدرسة المنهج أثناء التمارين لتبقى على ان تماس مع ادوار الشخصيات ولكن ليس اثناء التمثيل الفعلي على المسرح لسرعة تلاحق الادوار. فعندما اذرف الدموع على المسرح لا اجد الوقت الكافي لاستعادة انفاسي للدخول في دور له طابع التهريج مثلا في اللحظة التالية».

والمسرحية لا تسمح ايضا باستخدام هذا المنهج ايضا لأنها مليئة بالكوميديا وعلينا ايضا ان نكيف انفسنا مع فترات ضحك الجمهور الذي يقاطع استمرارية الدور. ولاننا في جولة بين المدن البريطانية منذ خمسة أشهر لعرض هذه المسرحية، يتطلب منا ايضا ان نتكيف مع جمهور مختلف كل اسبوع ومسرح مختلف بكل لوازمه ومتطلباته ونعتبر انفسنا محظوظين هذه المرة لان المسرح، هنا، في مدينة شفيلد رائع في امكانياته والجمهور حميم جدا ايضا. وبالمناسبة افادتنا هذه الجولة كثيرا، فالحوارات التي جرت مع الجمهور بعد العروض اغنتنا كثيرا ونبهتنا الى الكثير من نواقصنا، مما ادى الى اجراء تحسينات في ادائنا. والحق يقال ان هذه المسرحية بالتحديد لا تتعامل بطريقة أبوية مع الجمهور مثل معظم المسرحيات الاخرى اذ انها ترمي بقفاز التحدي امام المشاهدين وتحثهم على التأمل عميقا بما يجري على المسرح.

هل كان هناك احساس بوجود ثمة خلل ما مهما كان طفيفا في افكار المسرحية أو بنائها؟ تتفق الممثلتان على ان الإحساس موجود فعلاً، لأن «مسرح ستوبارد هو مسرح افكار وحوارات مكثفة. وهنري بطل المسرحية يمثل شخصية المؤلف، وهو شخصية تقليدية محافظة أبوية، لذلك هناك رؤية ابوية تجاه طريقة التعامل مع المرأة رغم وجود دفء عال نحوها. وهناك أمر آخر فقد بدا المشهد الاخير من المسرحية منفصلا عن سياق المسرحية بحيث لم يجيء مقنعا، صحيح ان هنري غفر لزوجته خيانتها على اعتبار انها تحبه حقا ولم تكن تحب بيلي الرجل الاخر التي دخلت في نزوة معه، وهذا الحب بالنسبة لهنري هو الشيء الحقيقي، الا ان هذا المشهد يحتاج الى اعادة معالجته».