كتابات من قلب العزلة

الأميركي برادبوري: نحن لم نفعل شيئا بل اخترنا الاعتراف بإسرائيل

TT

عقب مرور اربعة أعوام على المرض الذي اقعده عن السير، اصدر الكاتب الاميركي الكبير راي برادبوري صاحب «من يخاف فيرجينيا وولف؟» و«فارنهايت 451» رواية جديدة عنوانها «من الغبار تولد من جديد». وقد قوبلت هذه الرواية بترحاب كبير من قبل النقاد والقراء الاميركيين، وكتبت «بوك ريفيو» التي تصدر في لوس انجليس تقول: «لقد جاءنا شيء رائع!».

وفي حوار معه اجرته جريدة «لوفيغارو» الفرنسية، قال راي برادبوري الذي يبلغ الآن من العمر 82 عاما معلقا على احداث سبتمبر 2001: «صحيح.. لقد كانت تلك الاحداث بمثابة دوي رعدي. مع ذلك انا لا أرى ان هذه الاحداث المأساوية كانت بحق درسا للذين يحكموننا. ان تدمير برجي التجارة العالمية كان بالإمكان ان يقود أمريكا إلى ان تعي بأن سياستها الخارجية ليست صائبة. وكان علينا ان ندفع بالامم المتحدة حتى تلقي بكل ثقلها في الشرق الاوسط خلال عشرين أو ثلاثين سنة حتى ترسم حدودا واضحة بين اسرائيل وفلسطين، هناك ملايين من الناس يتعلق مصيرهم بهذه القضية. غير اننا لم نفعل شيئا، بل اننا اخترنا الاعتراف باسرائيل ولم نول اهتماما يذكر بفلسطين. واخترنا ان نأخذ بعين الاعتبار مصالحنا ومصالح القادة والانظمة في تلك المنطقة من العالم ـ اعني الشرق الاوسط ـ واهملنا مصالح الشعوب».

ولكن هل تخيل حصول احداث كهذه وهو المعروف ككاتب كبير في مجال الخيال العلمي؟ عن هذا السؤال، اجاب راي برادبوري قائلا: «أنا لم اتوقع حدوث مثل هذا الامر ابدا. كثيرون هم روائيو الخيال العلمي الذين امضوا حياتهم وهم يتخيلون مستقبلا قاتما وكالحا، مليئا بالصخب والعنف وبالكوارث والفواجع. وفي روايتي «فارنهايت 451» حاولت ايضا ان اصور مستقبلا من هذا النوع. مع ذلك ابدا لم نتخيل ان هناك اناسا سوف يستعملون طائرة مدنية كسلاح للتدمير والتحطيم. وعندما كنت اشاهد الصور على شاشة التلفزيون، قلت: «يا الهي! لقد فعلوا هذا!»، وفي ذلك اليوم، يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001، ادركت ان كل فرد يمكن ان يتحول الى قنبلة في أية لحظة وان ليس باستطاعتنا ان نحمي انفسنا من البشر. كل واحد، في اي وقت، وفي اي مكان يمكن ان يحول جسده الذي هو رمز حياته الى قنبلة لقتل الآخرين. واعتقد ان رد فعل الحكومة الاميركية كان سيئا. كان عليها ان تركز جهودها على القضايا والمشاكل الحقيقية عوض ان تشن الحرب ضد الارهاب».

وعن طريقته في الكتابة، يقول راي برادبوري: «كل شيء اكتبه لغز في حد ذاته والرغبة في الكتابة تستبد بي كل حين. استيقظ في الساعة السابعة صباحا. وهذا ما اسميه بـ «مسرحي الصباحي الصغير». لي احساس بأن هناك عدداً كبيراً من الاستعارات تحوم فوق رأسي وانا لا احلم حقا ولست مستيقظا تماما، بل انا اطفو بين عالمين. انها حالة فارقة.. فأنت في راحة تامة. وانت لا تحب ان «تثقف» الاشياء. وانما انت تكتفي بالاستفادة من مشهد هذا المسرح الفكري. احيانا التقط صورة أو فكرة وهي طائرة واقول في نفسي: «هذا شيء جيد. فلأعمل منه شيئا ما!» وعندئذ انهض واشرع في الكتابة. قبل، كنت انزل الى الدهليز لكي اكتب كل هذا بالآلة الكاتبة. لكن منذ ان اصبت بالمرض الذي اقعدني عن السير، اصبحت افضل البقاء في المكان الذي انا فيه. انجز الكثير من الاعمال عبر الهاتف، وابنتي الكسندرا تساعدني كثيرا».

وعن الموت يقول راي برادبوري: «كلنا نخشى الموت، لهذا السبب انا احاول جاهدا انهاء عملي. منذ ان اصابني المرض الذي كاد يقتلني، كتبت اربعة كتب. وهذا هو جوابي على الخوف من الموت. اذا ما انت بقيت دون ان تفعل شيئا، فانك تموت بسرعة، في المستشفى لم يكن باستطاعتي ان اتحرك، بل بالكاد كان باستطاعتي ان اتكلم. مع ذلك هتفت لابنتي طالبا منها ان تأتيني بالرواية التي كنت بصدد كتابتها وشرعت في العمل وانا ممدد على ظهري، ممليا الفصل بعد الفصل على ابنتي عبر الهاتف. وهكذا انتصرت على الخوف من الموت..».

* سيدة الآداب البرتغالية

* هي في الثمانين من عمرها. وتدعى اوغستينا باسالويس وتلقب بـ«سيدة الآداب البرتغالية». وفي كتاب لها حمل عنوان: «الكلب الذي يحلم» كتبت تقول: «لقد ولدت كهلة، وسوف أموت طفلة». وهي تعلق على هذه القولة قائلة: «نحن نولد ابرياء، لكننا واعون بوضعنا ـ وهذا ما نسعى للبحث عنه في ما بعد إما عن طريق الفن، أو عن طريق نشاطات انسانية أخرى. من أين نجيء، ما نحن، الى اين نحن ذاهبون، كل هذا يعرفه الطفل منذ البداية. لكنه يفقد شيئا فشيئا هذا الصفاء. وما هو صعب هو ان يولد الانسان كهلا ثم يموت طفلا. وهذا حقاً ما انا اريده وأرغب فيه».

وعن امها تقول أوغستينا باسالويس: «لم تكن والدتي مثالية. كانت مربية. ولانها كانت حادة الطبع، فانها كانت تنغص حياتنا طوال الوقت، ومع ذلك لم تكن طهرانية. فقد تزوجت مقامرا شبيها ببطل رواية دستويفسكي الشهيرة «المقامر». اما انا فلم امارس لعبة القمار البتة. ومرة دخلت الى احد الكازينوهات، وبدا لي كل شيء شبيها بديكور مسرحي. وثمة سحابة خضراء أو بنية تطفو فوق طاولات القمار والجميع كانوا مأخوذين باللعبة وغائبين تماما عما حولهم».

ولكن اوغستينا باسالويس لا تخاف الموت وهي تقول: «حين يخشى الانسان الموت فإنه يتحتم عليه ان يمضي حياته متخفيا وراء ستائر شقته». اما الشيخوخة فهي شيء مقزز بالنسبة لها. وهي تقول: «نعم الشيخوخة منفرة. حتى عندما نكون مشهورين فاننا لا نستطيع ان ننجو من قبحها».

ولدت أوغستينا باسالويس عام 1922 في منطقة «دورو» شمال البرتغال. وفي عام 1954 اصدرت روايتها الأولى، ومنذ ذلك الحين كتبت خمسين رواية وايضا مسرحيات وقصصا قصيرة. ومنذ عام 1981، هي ترتبط بعلاقات وثيقة مع المخرج السينمائي البرتغالي الكبير مانويل دو أولفيرا الذي حول العديد من أعمالها الروائية الى أفلام سينمائية ناجحة.

* السويد عام 2009

* منذ البداية، اختار الكاتب السويدي هنينغ فييكمارك المولود عام 1934 العيش على هامش الحياة الثقافية في بلاده. وفي مقالاته كما في روايته هو يرغب دائما في ان يستفز الآخرين سواء كانوا من الناس العاديين أو من أهل الادب والثقافة. وقد اصدر الى حد هذه الساعة سبع روايات. وفي روايته الجديدة التي صدرت حديثا في استوكهولم والتي حملت عنوان: «الجدار الاسود» يقفز بنا الى عام 2009، حيث تقيم الشرطة حواجز على طول ساحل بحر البلطيق لحماية السكان من الزحف الكبير للمهاجرين والمافيات الروسية، مركزة بالخصوص على حماية البنى التحتية الاساسية والحيوية. غير ان عصابات من الارهابيين تتمكن من القيام باعمال تخريبية في المدن وفي المراكز النووية. كما ان عصابات المافيا الروسية تتمكن من تجفيف ميزانية الدولة وترغم الحكومة والمؤسسات ووسائل الاعلام على فتح ابواب السويد امام الغزاة الجدد. وبهدف البقاء في السلطة، والحفاظ على استقرار المملكة، تخفي الطبقة الحاكمة على العالم بأسره انها باتت في قبضة عصابات المافيا، غير ان ذلك يكلفها غاليا، اذ ان المواطنين يفقدون جميعا الثقة في المستقبل، وامام الاحساس بانحسار الاستقلال الوطني، تشهد السويد تصاعدا للايديولوجيات التي تشدد على الكبرياء الوطني، الشيء الذي يدفع السويد الى الخروج من الاتحاد الاوروبي. وتقوم عصابة من النازيين الجدد بنسف جسر «اوريسوند» الذي يربط بين الدنمارك والسويد. وتكثر الاغتيالات في اوساط المهاجرين حتى ان وسائل الاعلام تكف عن التحدث عن ذلك اذ انها اصبحت من الاحداث الجد عادية. وتشرع الاوساط اليمينية المحافظة في تدبير انقلاب عسكري ضد النظام القائم. وفي ظرف زمني قصير تقوم عناصر مشبوهة باغتيال العديد من المثقفين البارزين».

وقد علق احد النقاد السويديين على هذه الرواية قائلا: «يرسم كارلي هنينغ فييكمارك صورة جد قاتمة لمستقبل بلاده. لكنه سيكون من الخطأ مقارنة روايته «الجدار الاسود» بتلك البكائيات التي عودنا عليها كتاب القرن التاسع عشر الرجعيون عن تدهور السويد. بالتأكيد ان جانب حب الاستفزاز يطغى احيانا على الجانب الابداعي عند الكاتب، غير انه يمكن القول انه نجح في النهاية في ان يكتب رواية جد مثيرة للاهتمام».

* من اليابان إلى بلجيكا

* هي بلجيكية، تكتب بالفرنسية، لكنها ولدت في مدينة «كوبي» في اليابان عام 1968، ولم تعد الى بروكسل الا عام 1985. وكان ابوها دبلوماسيا يتحدر من احدى العائلات الارستقراطية. وقد عمل في كل من اليابان وبنغلاديش واللاوس والولايات المتحدة. وخلال سنوات التنقل هذه عرفت اميلي نوتومب حياة العزلة والصمت، «والانقطاع عن العالم» كما تحب ان تقول. وربما لهذا السبب عشقت المطالعة والكتب منذ الصغر، وعند عودتها الى بلجيكا وكان عمرها آنذاك 17 عاما، حاولت التأقلم مع المجتمع الجديد غير انها فشلت في ذلك فشلا ذريعا. وبعد بحث شاق وطويل، اهتدت الى الطريق الذي سوف ينقذها، ألا وهو طريق الابداع والكتابة، وهي تقول في ذلك: «لقد ساعدتني الكتابة على البقاء على قيد الحياة». وتضيف قائلة: «نعم ان الكتابة هي التي علمتني ان اضع كل شيء في مكانه». ومنذ روايتها الاولى حققت اميلي نوتومب نجاحا كبيرا لا في بلجيكا وفرنسا وحدهما وانما في جميع البلدان الاوروبية. وهي تقول: «انا احب القبعات الغريبة الشكل، والفواكه الفاسدة، واشرب الشاي الاسود بدون انقطاع، اشربه حتى الغثيان احيانا، ولا اكتب الا في الليل.. اما النهار فأخصصه للنوم والتأمل والشرود الجميل..». وتضيف اميلي نوتومب قائلة: «في الاوقات التي اكتب فيها، احاول ان اظل على الحدود بين التماسك والجنون، بين ما له معنى وما لا معنى له، بين الشيء واللاشيء، وهذه الحدود، احسها بشكل ملموس، والنصوص التي اختار عدم نشرها هي تلك التي رأتني وانا اسقط من الخيط الذي انا عليه معلقة».