العربي الحارثي: الأدب يمكن أن يصلح ما خربته السياسة

الحاصل على جائزة «سيال/نوبل» للسرديات بمدريد: على المثقف المغربي أن يخلع عباءة الخنوع

TT

فاز أخيرا الكاتب والمترجم المغربي العربي الحارثي المشرف على مشروع ترجمة الشعر الاسباني الى العربية بالمغرب بجائزة «سيال/نوبل» الدولية للسرديات بمدريد (اسبانيا) عن مجموعته القصصية «ذاكرة القرنقل»، وهي جائزة تأسست منذ خمس سنوات في مدريد بهدف تشجيع الأقلام الشابة التي تكتب باللغة الاسبانية. وقد حصل على هذه الجائزة من قبل كل من: بتريسيا سواريس من الأرجنتين وخميلي خاندري ودابيس توريس وأنا ماريانا فاليس من اسبانيا.

لم يكن العربي الحارثي، أستاذ الأدب الاسباني بكلية الآداب في الرباط، اسما معروفا في الساحة الثقافية المغربية من قبل، ولكن اشرافه على مشروع ترجمة الشعر الاسباني الى العربية الذي يقف وراءه اتحاد كتاب المغرب والمعهد الثقافي الاسباني (سرفانتيس) والمستشارية الثقافية لاسبانيا بالمغرب، جعلته معروفا لدى الأوساط الثقافية المغربية، خصوصا بعد الضجة التي أثيرت حول تلك الترجمات التي لم تسلم من انتقادات بعض الباحثين المغاربة والمترجمين الذين اعتبروها رديئة ووصفوها بـ«الذبيحة الثقافية» في حق النصوص الاسبانية.

وقد صدرت عن هذا المشروع لحد الآن ثلاثة كتب هي: «فوق أقصى صخرة» يضم منتخبات شعرية للشاعر الاسباني أندريس سانشيس روباينا، «وكلمات للعتمة» وهو مختارات من شعر فرانسيسكو برينس، والثالث «الشعر الاسباني المعاصر»، وهو عبارة عن انطولوجيا قام فيها العربي الحارثي بدور المنسق. كما صدر للعربي الحارثي ديوان شعر بالاسبانية بعنوان «لغة الآخر» عن دار «تريبونا للنشر» عام 2000، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ستصدر له عن دار «سيال للنشر» بمدريد مجموعته القصصية «ذاكرة القرنفل» التي حصل من خلالها على الجائزة.

حول هذه الجائزة وحول الانتقادات التي وجهت لمشروع ترجمة الشعر الاسباني الى العربية التي يشرف عليها كان معه هذا الحوار:

* فزت أخيرا بجائزة «سيال/نوبل» الدولية للسرديات بمدريد عن مجموعتك القصصية «ذاكرة القرنفل»، وكنت العربي الأول الذي يفوز بهذه الجائزة، فما قيمة هذه الجائزة وماذا تمثل بالنسبة لك؟

ـ الجائزة مهمة لأنها جائزة دولية مفتوحة أمام جميع الأدباء الذين يكتبون باللغة الاسبانية، وهي تعمل على التعريف بالكتاب الشباب وتحقيق انتشار واسع لهم وذلك عبر نشر كتبهم وتوزيعها بشكل واسع في الدول التي تتحدث اللغة الاسبانية. الجائزة حديثة العهد فقد تأسست في عام 1997، بهدف نشر الأدب الاسباني الشاب وترسيخ فكرة الأديب الشاب. وبالاضافة الى جائزة السرديات هناك جائزة الشعر وجائزة النصوص. وبالنسبة لي الجائزة مهمة لأنني أول عربي ومغربي يحصل عليها، وهذه أول جائزة من نوعها أحصل عليها، وهذا سيسهل لي مجموعة من الأمور التي ستعود بالنفع طبعا على الثقافة المغربية في اسبانيا. الجائزة فتحت لي نوافذ مهمة للانفتاح على الثقافة الغربية. وقيمتها المادية تتحدد في 60 ألف درهم مغربي.

* ومن هي الجهات القيمة على هذه الجائزة؟

ـ هناك دار نشر «سيال» بمدريد و«مؤسسة نوبل»، وهي شركة متعددة الجنسيات خاصة بالسجائر توجهت لدعم ابداع الشباب الذي يكتب بالاسبانية. وهذا الأمر عادي في اسبانيا لأن هناك حاليا أكثر من 3000 جائزة لا علاقة للدولة بها، بل الشركات والمؤسسات هي التي تمولها وتدعمها.

* ما أهمية هذه الجائزة إذا ما قارناها بجوائز عالمية أخرى؟

ـ هذه جائزة صغيرة، ولكنها مهمة لأنها تعمل على ادراج الكاتب في الأوساط الأدبية والاعلامية، لأنه حاليا باسبانيا إذا أردت الكتابة فعليك أن تكون حاصلا على جائزة ما.

* هل رشحت نفسك للحصول على هذه الجائزة أم تم ترشيحك من طرف جهات معينة؟

ـ لا لم أترشح لها بنفسي لسبب بسيط هو أنني منذ عشرين عاما وأنا أكتب ولم أهتم قط بالجوائز. ولكن أحد الأصدقاء الاسبان هو الذي طلب مني جمع أعمالي القصصية المنشورة في العديد من المجلات باسبانيا والأرجنتين وكولومبيا وارسالها له. وهذا ما فعلت حيث هو الذي تكلف بكل شيء. فقد كنت العربي والمغربي الوحيد ضمن 300 مرشح، وطبعا كان هناك جدل كبير بخصوص حصولي على هذه الجائزة.

* هل بامكان الثقافة والأدب أن يصلحا ما خلفه الساسة من أعطاب وأخطاء خاصة على مستوى العلاقات المغربية الاسبانية؟

ـ هذا ممكن طبعا وهو ما يقوم به اتحاد كتاب المغرب منذ سنتين، حيث استدعى اتحاد كتاب المغرب في مؤتمره الأخير بالرباط شاعرا اسبانيا للحضور، وبعده كان هناك لقاء للشعر الاسباني المغربي في يوليو (تموز) الماضي ضمن فعاليات مهرجان الرباط الذي حضرت فيه مجموعة من الشعراء الاسبان المهمين. فالثقافة إذن عامل أساسي بامكانه التقليص من حدة الخلافات السياسية. ومن الضروري في المغرب أن يوجد أشخاص باستطاعتهم فتح قنوات جديدة للحوار والتواصل من أجل تعزيز أواصر الصداقة. واتحاد كتاب المغرب في شخص رئيسه الشاعر حسن نجمي قد فهم مبكرا هذا الأمر، ووعي أنه بامكان الثقافة أن تمد جسور التواصل بين هذين الشعبين اللذين يتوفران على العديد من نقاط الالتقاء والتواصل. كما أنه على المثقف المغربي أن يخلع عباءة الخنوع والاستسلام وأن يحاول اقتحام الآخر ولو بعنف، لأن السلبية لا يمكن أن تخدم الثقافة والأدب.

* ما هي المعايير الأساسية التي تشترطها هذه الجائزة في المرشح؟

ـ أولا أن يكون الكاتب شابا لا يتعدى، 41 سنة، وأن تكون كتابته باللغة الاسبانية. والجديد هذه السنة هو أنه على الرغم من أن الجائزة دولية فإنهم قد قبلوا ترشح مغربي لهذه الجائزة التي تشترط نمطا معينا من الكتابة يساير متطلبات العصر عبر طرح قضايا مجتمعية راهنة برؤى جديدة.

* ما هي المواضيع الأساسية التي اشتغلت عليها في مجموعتك القصصية «ذاكرة القرنفل»؟

ـ مجموعتي القصصية تتضمن سبعة نصوص قصصية اشتغلت فيها على موضوعة الآخر، وذلك عبر العديد من الشخصيات النسائية، وقد اخترت المرأة لأنها التي تضمن استمرارية الحضارة والتي تبلغ الفكر الثقافي، والمرأة أحيانا تصبح بؤرة لارتقاء الحضارات، فهذه الشخصيات النسائية متنوعة، فيها مغربيات واسبانيات وكلهن مخضرمات يستطعن ايصال الحوار الانساني ما بين اسبانيا والمغرب. والحوار الذي تتضمنه مجموعتي القصصية حوار عنيف يعكس في نهايته انفراجا للشخصيات. هناك بحث عن الذات وعن الذاكرة الأولية، الكل يبحث عن ذاته وعن ثقافته. وأظن أن الرسالة الأساسية التي تحملها مجموعتي القصصية هي ضرورة فرض الاحترام على الآخر، فالاسبان يجهلون المغاربة ولا يعرفونهم بالشكل الجيد، وذلك راجع للعداء التاريخي الذي بين الاسبان والعرب وبالخصوص المغاربة، ولا أدل على ذلك من لفظة «المورو» التي يطلقها الاسبان على المغربي. ولهذا فأنا أدعو المثقفين الاسبان من خلال عملي الى التخلي عن تلك الأفكار الجاهزة التي بدأت للأسف تستعمل الآن على المستوى السياسي.

* الى جانب الابداع تشتغل في الترجمة، حيث أنك المشرف على مشروع ترجمة الشعر الاسباني المعاصر الى اللغة العربية، فما هي الجهات التي وراء هذا المشروع وما الهدف منه؟

ـ هذا المشروع يتبناه اتحاد كتاب المغرب والمعهد الثقافي الاسباني (سيرفانتيس) والمستشارية الثقافية الاسبانية. وهدف الاسبان طبعا من هذا المشروع هو نشر الثقافة الاسبانية بالمغرب، وهدف اتحاد كتاب المغرب هو نشر الثقافة الاسبانية بالمغرب والعالم العربي حتى يطلع الكل على ما يجري أدبيا باسبانيا. وهناك هدف آخر وهو بناء جسر للتواصل ثقافيا بين المغرب واسبانيا، والمبادرة كانت من طرف المغرب ولقيت قبولا من الجهات الثقافية الاسبانية بالمغرب وباسبانيا.

* لحد الآن صدرت ضمن هذا المشروع ثلاثة أعمال: «فرق أقصى صخرة»، «كلمات للعتمة» وانطولوجيا «الشعر الاسباني المعاصر»، فمن هم أهم الشعراء الذين تمت ترجمة أعمالهم؟

ـ هناك شاعران من أكبر الشعراء الاسبان وهما: فرنسيسكو برينس الذي ينتمي الى مدرسة الخمسينات في الشعر الاسباني، وشاعر آخر شاب هو أندريس روباينا. وقد عكفت على ترجمة تلك الأشعار مجموعة من الباحثين المغاربة منهم: عبد المجيد بنجلالي، خالد الريسوني، مزوار الادريسي، جلال الحكماوي، عبد الرحيم حزل والعربي الحارثي.

* بالموازاة مع مشروع ترجمة الشعر الاسباني الى العربية هل ستتم ترجمة الشعر المغربي الى الاسبانية؟

ـ هذه الفكرة قائمة أيضا، حيث أنه يتم الاعداد لانطولوجية الشعر المغربي المعاصر التي ستتكلف بنشرها دار «سيال» للنشر بمدريد، وهناك مشروعا انطلوجيتين سيصدران باللغتين الكاطالانية والكاليسية. وسيصدر قريبا كتابان لشاعرين مغربيين مترجمين الى الاسبانية.

* ومن هم الشعراء المغاربة الذين وقع الاختيار عليهم؟

ـ هذه مهمة اتحاد كتاب المغرب ولا يمكنني أن أنوب عن اتحاد كتاب المغرب في هذا الاطار.

* منذ صدور هذه الترجمات لم تسلم من انتقادات بعض الباحثين المتخصصين والمترجمين المغاربة الذين اعتبروها ترجمات رديئة، فما رأيك؟

ـ هذا رأيهم. أما أنا فلا أعتبر ما ترجم عملا رديئا لأن من قاموا بالترجمة اشتغلوا بشكل جماعي. والايجابي بالنسبة لي في هذه العملية هو اعطاء الفرصة لأسماء شابة لتبرهن عن قدراتها، أما إن اعتبره الآخرون عملا رديئا فهذا شأنهم.

* لماذا لم يتم الاعلان عن هذا المشروع من قبل وتم الاقتصار في الاشتغال عليه على نخبة معينة من المثقفين وغابت عنه أسماء مشهود لها في ترجمة الأدب الاسباني الى العربية؟

ـ اسمحي لي لن أجيب عن هذا السؤال.

* لماذا؟

ـ لأنني لا أرغب في الدخول في جدل لا جدوى منه والأساسي بالنسبة لي هو العمل فقط.

* ألم تتسرعوا في انجاز هذه الترجمات التي اعتبرها البعض بمثابة «ذبيحة ثقافية» في حق النصوص الشعرية الاسبانية المترجمة؟

ـ أنا أعتبر أننا أخذنا الوقت الكافي لانجاز هذه الترجمات ومن يعتقد أنها متسرعة فهذا رأيه.

> ما هي برأيك الشروط التي يجب توفرها في المترجم؟ وهل هناك شروط معينة للترجمة الأدبية؟

ـ يجب أن يتوفر في مترجم النصوص الأدبية الاحساس الأدبي والتكوين اللغوي الجيد. والطريقة التي نشتغل بها حديثا في الترجمة هي الطريقة التي تشتغل بها المدارس الغربية التي تعمل في اطار النموذج الميتودولوجي، أي الترجمة المتعددة الاختصاص، أي يجب توفر أشخاص يضبطون جيدا لغة النص الأصلي وأشخاص يضبطون اللغة أو الحس الأدبي للغة المنقول اليها. فمدرسة طليطلة الخاصة بالترجمة في اسبانيا تشتغل بهذه الطريقة، كما أن فرق الترجمة الفرنسية تعمل بشكل جماعي وبنفس الطريقة أيضا. فالمترجم يجب أن يتوفر على حس عال من الفهم وعلى قدرة تفكيك النص ونقله الى لغة أخرى، ولكن الأساس هو ضبط اللغة والحس الأدبي.

* وبخصوص ترجمة الشعر الذي يعد من أصعب الترجمات ماذا يتطلب في المترجم؟

ـ كل ترجمة لا تخلو من الذاتية فهي ترتبط بتكوين المترجم وبحسه اللغوي والأدبي. فحينما نترجم فنحن دائما نقوم بخيانة النص، ولهذا فعلى المترجم أن يكون أمينا في محافظته على معنى البيت وعلى بنية القصيدة. الترجمة عملية فنية تتطلب توفر نوع من القيم في المترجم حتى لا يقتل النص الأصلي. يجب عليه أن يحترم المعنى وبنية القصيدة، وأن يكون له إلمام بالحمولة الثقافية والحضارية للغة النص الأصلي واللغة المنقول إليها. فالمترجم ينقل البعد الحضاري والثقافي للنصوص. فعلى الرغم من اتقاني للألمانية فأنا لا أستطيع أن أقوم بترجمة نص ألماني لأنني يمكن أن أقتل النص الأصلي، ولكن حينما أشارك في ترجمة نص اسباني فأظن أنني أفلح في ذلك.