حوار الديانات كما يراه كويلهو في حكايته.. «الخيميائي»

الكاتب البرازيلي يكتب بإعجاب عن التسامح الكبير الذي يتحلى به المسلمون

TT

ليست «الخيميائي» (1).. رواية، بالمعنى التقني لهذا الجنس الادبي المتميز والمنتشر في عصرنا، وانما هي حكاية او خرافة فلسفية مليئة بالحكم التي توارثتها وتقاسمتها البشرية منذ غابر الازمنة.

انها حكاية بحث عن القدر، قدر الراعي الاندلسي الشاب «سانتياغو» الذي حلم مرات عديدة انه عثر على كنز تحت اقدام اهرام مصر، فيسافر الى بلد الفراعنة وهو عازم على استخراج كنزه.

في الطريق يتعرف على «الخيميائي» الذي يعلمه ان يستمع الى قلبه وان يقرأ رموز الحياة، وفوق ذلك كله ان يتابع حلمه حتى يعثر على كنزه.

يسافر سانتياغو اذن من الاندلس الى مصر، مرورا بطنجة المدينة المغربية المعروفة وصحراء شمال افريقيا، ثم يعود الى الاندلس باسبانيا لاخراج كنزه من تحت جميزة الكنيسة التي نام تحتها وحلم حلمه الغريب. واخيرا تنتهي الحكاية بعودة سانتياغو الى واحة «الفيوم» المصرية حاملا كنزه الى حبيبته فاطمة التي يحبها وتحبه.

من الصفحة 21، يدخل باولو كويلهو القارئ في الجو الذي ينتظره في الرواية، حيث يصف عيني اول فتاة احبها سانتياغو قبل ان يسافر (وهي فتاة اسبانية) كاتبا «وانفتحت العينان العربيتان الصغيرتان..».

وحين يحكي سانتياغو عن حلمه، يقول للعرافة التي زارها طالبا منها تفسير ذلك الحلم «رأيت في منامي طفلا يلاعب الشِّياه (...) وفجأة اخذني من يدي وقادني الى اهرام مصر..». (ص 34).

ثم يلتقي سانتياغو بملك «سلام» المخلوع (لاحظوا ان الكاتب استعمل كلمة «سلام» العربية التي تعتبر أحد مرادفات «كلمة اسلام» الدالة على دين المسلمين الحنيف)، فيصفه بانه «كان يشبه العرب..» (ص 42).

وفي نفس الصفحة، يقول الراعي عن المسلمين «كنا نراهم يصلون بطريقة غريبة، عدة مرات في اليوم..».

لكن باولو كويلهو سرعان ما يبرز التناقض الموجود لدى المسيحيين الكاثوليكيين «لأن بطله سانتياغو درس في الكنيسة الكاثوليكية حتى سن السادسة عشرة»، اذ يقول على لسان بطله «جميع الناس، اي المسلمين، يسجدون ويضربون رؤوسهم على الارض..» (ص 64). وهي صورة اقل ما يقال عنها، انها صورة تحمل الكثير من الاحتقار والعنصرية للمسلمين.

وفي نفس الصفحة، يقول سانتياغو ايضا (كان للكفار، اي المسلمين، نظرات عبوسة..).

غير ان هذه الاوصاف الشينة او السيئة تختفي تماما من الكتاب بمجرد ان يصل سانتياغو الى مدينة طنجة المغربية، اذ سرعان ما يجد بسمة اول رجل ساعده واطعمه بأنها «كانت (...) مليئة بالحنان، وكانت تذكره، الى حد ما، ببسمة ذلك الملك الغريب»، (يعني ملك سلام المخلوع الذي التقاه بالاندلس) (..) (ص 77).

ثم يكتب المؤلف في نفس الصفحة، «فكّر «سانتياغو» بأن الخيمة بناها رجلان (...) احدهما يتكلم العربية والآخر يتكلم الاسبانية. ومع ذلك، فقد تفاهما تمام التفاهم..). وهو قول يرمز بلا ريب الى ان العالم يشارك في بنائه جميع البشر، حتى وان اختلفت لغاتهم ومشاربهم.

في ما بعد، نجد الكاتب يطري الدين الاسلامي، اذ يقول على لسان تاجر البلور الطنجوي (الشريعة القرآنية ترغمنا على اطعام الجائع) (ص 82). وهو قول حق ألح عليه القرآن الكريم كما انه اعتراف من الكاتب الذي يبدو انه زار بلاد المسلمين بكرم المسلمين المعروف.

وحين يشرع سانتياغو في سفره من طنجة الى مصر، ضمن قافلة عربية كبيرة، يسمع بتفهم عميق قائد القافلة يقول لمسافريه المتعددي الجنسيات واللغات والديانات «ان الله هو ربي الوحيد، غير انني ارجو كل واحد منكم ان يحلف بالرب الذي يؤمن به..» (ص 119). وهو اعتراف واضح بالتسامح الكبير الذي يتحلى به المسلمون.

اما حين يعاشر سكان واحة الفيوم المصرية، فانه يجدهم «.. فرحين قانعين..» (ص 146).

ثم يكاد باولو كويلهو يترجم الآية الكريمة «وننزل من القرآن ما هو شفاء..» حين يقول، على لسان أحد سكان الفيوم «ان الله يشفي جميع الامراض» (ص 150).

ولما يصف أهل الفيوم يكتب في الصفحة 211 «في كل مكان، كان العرب يرتدون ملابس بيضاء رائعة».

اخيرا، فإن الخيميائي المسلم يتوقف مع سانتياغو في دير ويطلبان من رئيس قساوسته مطبخه كي يطبخا اكلهما ثم يتقاسما مع نفس القس طعامهما، وهو لعمري، موقف يدل على التسامح بين الديانات عموما وبين الاسلام والمسيحية خصوصا.

ولا بد ان نذكر هنا موقف باولو كويلهو الانساني العظيم حين يجعل بطله المسيحي الكاثوليكي، الذي درس في الكنيسة وكاد ان يصير قسا، يحب فاطمة بنت الفيوم المسلمة (التي احبته هي الاخرى) ويرجع اليها بكنزه (آخر سطر في الحكاية).

وخلاصة القول ان حكاية الخيميائي للكاتب البرازيلي باولو كويلهو تعتبر من أجمل ما كتب لحد الآن، عن تسامح الدينين المسيحي والاسلامي وعن تآخي ابناء البشرية جميعا في السراء والضراء. إنها نشيد رائع لنبذ الكراهية والحقد والعنف، وهي تصرفات غالبا ما يلجأ اليها المتطرفون في هذا الدين او ذاك.

ولا يفوتنا، في نهاية هذا المقال الوجيز، ان ننوه بأسلوب باولو كويلهو الشعري وبصوره الادبية السحرية وعالمه الخيالي (الذي لا يخلو من الواقعية في غالب الاحيان)، الامر الذي يشد قارئ حكاية الخيميائي ويجعله يشغف بها ايما شغف من اول سطر ولا يتركها حتى يبلغ آخر سطر، وقد يعيد قراءتها عدة مرات ليستمتع بأروع ما يمكن ان يبلغه كاتب اي «السهل الممتنع».

(1) اعتمدنا في بحثنا هذا على الترجمة الفرنسية المنشورة في دار «القصبة» بالجزائر (عام 2001).

* نص المحاضرة التي القاها اخيرا الكاتب الجزائري جيلالي خلاص في ديوان الكوفة بلندن بدعوة من جمعية الثقافة العربية.