هوراس اينغدال: لا تصل إلى الأكاديمية السويدية من البلدان العربية سوى القليل من الرسائل التي ترشح كتابا عربا لجائزة نوبل

السكرتير الدائم لأكاديمية نوبل لـ«الشرق الأوسط»: الجائزة لم تؤسس لتنصب تاجا على رأس لغة أو بلد ماد (1 من 2)

TT

توزع في العاصمة السويدية يوم غد، الذي يصادف ذكرى وفاة الفرد نوبل، جوائز نوبل التي تأسست عام 1901 وتمنح «لمبدعين قدموا للبشرية افضل ما يمكنها الاستفادة منه» بغض النظر عن جنسياتهم. وخص ألفرد نوبل جائزة الأدب بشرطين اضافيين، وهما ان يكون الكاتب قد انتج ادبا هو «الاكثر تميزاً»، وأن يكون هذا الادب ذا «اتجاه مثالي».. وهذا الشرط الثاني هو الذي ظل منذ البداية عرضة للتفسيرات والتأولات، ولم يجد القائمون على توزيع جائزة نوبل في الادب، لحد يومنا الحالي، تفسيراً دقيقاً له، والمعروف ان جائزة نوبل للآداب بالذات تتعرض لانتقادات متزايدة داخل السويد وخارجها، متهمة اياها تارة بالانحياز السياسي وأخرى بتعرضها لضغوط مختلفة.

هذه الانتقادات وغيرها حملتها يرد عليها السكرتير الدائم للاكاديمية السويدية هوراس اينغدال في حوار معه اجرته «الشرق الأوسط» في مبنى الاكاديمية في استوكهولم، في الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام 2002.

* عن المبادئ التي تسير عليها الاكاديمية السويدية في مايتعلق باختيار الفائز بجائزة نوبل في الادب؟

ـ المبادئ الأساسية التي تحكم اختيارنا للحائز جائزة نوبل في الأدب، هي اننا نبحث عن كاتب لعمله الأدبي قدر كبير من الأهمية، حسبما هو مثبت في وصية ألفرد نوبل، أي ان يكون الكاتب (قد انتج ادبا هو الاكثر تميزا في اتجاه مثالي). ولكنه نظرا لصعوبة ايجاد تفسير دقيق لما قصد به الفرد نوبل بمثالية الادب، الذي اخذ في فترات سابقة حيزا كبيرا من نقاشات الاكاديمية تم الاتفاق اخيرا على مبدأ خاص بلجنة الجائزة يتجسد، بالبحث عن كاتب يملك عمله الابداعي قيمة ادبية عالية وذات أهمية لتطور الأدب. وهذا يعني ان الاكاديمية تجاوزت تفسيرها للادب المثالي، الذي كان سائدا في السنوات العشر او الخمس عشرة الاولى من عمر الجائزة، على انه «العمل الذي يتمتع بخصوصية جمالية وايديولوجية معينة». وقد منحت الجائزة في تلك السنوات لكتاب «مثاليين» حسب فهم تلك الفترة، التي غطت بدايات القرن العشرين. هذا الامر قد تغير لاحقا، ومنذ الاربعينات لم تعد الاكاديمية السويدية تشترط مثل هذه (المثالية)، حيث اصبحت مهمة اعضاء لجنة الجائزة هي نقد وتقييم العمل الادبي المعين، فهم يقرأون ويقيمون في اطار المعايير الادبية السائدة، إذ انه من الصعب بمكان ان يطلب من العمل الادبي اكثر مما هو سائد في قواعده العامة، في ان يكون ذا مغزى ادبي متميز. وفي هذا المجال ثمة سلسلة من الأسس التقييمية التي من الصعب وضعها في نسق نظامي مؤطر، وليست هناك طريقة لحساب هذه القيم، بل الامر يعتمد على قدرة القارئ الضليع ذي الخبرة الواسعة على منح هذا العمل او القيمة التي يراها مناسبة. وهذا ينبع من احساسه بالنص ومن معايشته له، وهذه امور من الصعوبة بمكان قولبتها. فالمعايشة هي احساس شخصي بحت وهي تجري في اطار زمني معين، ولكي يكون التقييم دقيقا دأبت الاكاديمية على اعتماد مجموعة موثوق فيها من ذوي الخبرة في المطالعة والقدرة على التقييم من بلدان مختلفة، وهذه المجموعة تضم باحثين ونقاد الادب واساتذة جامعة من بلدان مختلفة. وهذه بالحقيقة نابعة من رؤية ألفرد نوبل نفسه حينما أوكل للاكاديمية بهذه المهمة. فهو لم يرسم الخطوط التي يتم وفقها اختيار الفائز، بل ترك المسؤولية على عاتق لجنة الجائزة، ويهذا المعنى ايضا ضّمن نوبل وصيته في أن قرار الاكاديمية لا يمكن الطعن به، يمكن فقط مناقشته واثارة الجدل حوله، ولكن لايمكن الطعن به.

من الواضح، وحسب حديث السكرتير الدائم الحالي للاكاديمية السويدية أن ليس لدى لجنة جائزة نوبل الحالية ولا الاكاديمية تفسير محدد لما قصده الفرد نوبل بالادب المثالي، التي ربما كانت تعني الادب الانساني الذي يبشر بالسلام او ماشابه، وربما قد تكون صياغته تلك نابعة من علاقته بتيارات ادب القرن الثامن عشر، حيث كان يسود تلك الفترة اتجاهان: الاتجاه الذي كان يرى في الادب نتاجا وطنيا خالصا، نتاج شعب في حدود جغرافية معينة وله ظروف مشتركة، وهذا النهج كان موجودا منذ القرن السابع عشر وكان سائدا في اوروبا. وفي مقابل ذلك كانت وجهة نظر مختلفة تحاول التأكيد ان الادب لايمكن حصره في اطار جغرافي وطني محدد، بل انه يتجاوز هذه الحدود، اذ يجد موتيفاته في بيئات اخرى، وعلى هذا الاساس تم نشوء مصطلح الادب العالمي الذي ذكره الفيلسوف الالماني غوته، وتوسع، حسب هوراس اينغدال، عبر الكاتبة السويسرية من اصل فرنسي مدام دي ستال التي كتبت من ان ثقافات البلدان الاوروبية هي ملك لكل الاوروبيين.

* ألهذا السبب لم تمنح جائزة نوبل، خلال السنوات المائة الاولى من عمرها سوى لعدد ضئيل من السويديين؟

ـ بل ان هذا العدد هو كثير، واكثر مما يجب. فلو نظر المرء الى نسبة الادب السويدي قياسا بالادب العالمي، فالادباء السويديون الذين نالوا جائزة نوبل كثيرون جداً.

* ما مدى تأثير تفسير السكرتير الدائم للاكاديمية السويدية الشخصي لمفهوم «الادب المثالي» حسب وصية نوبل، على قرار اختيار الفائز؟

ـ انا احد اعضاء الاكاديمية السويدية الخمسة المكونة للجنة نوبل، وكل عضو يتمتع بصوت واحد، ولا يعني بشيء، انني السكرتير الدائم للاكاديمية، وجميع القرارات تتخذ بنصاب كامل. وللتصويت على اختيار الفائز بالجائزة، يتطلب اغلبية الاصوات، ولهذا فتأثيري في هذا المجال محدود. على عاتق هذه اللجنة تقع مسؤولية كبيرة، فبعد ان تصل اليها، في كل عام، جميع المقترحات حول المرشحين، من مئات المراسلين الموجودين في جميع انحاء العالم، وهم يمثلون اساتذة جامعة وأدباء معروفين وحائزين سابقين على جائزة نوبل في الادب ورؤساء اتحادات ادباء وطنية، وذلك وفق ما جاء في وصية نوبل، بعد ان تصل ترشيحاتهم التي تصل الى مائتي اسم سنويا، تقوم لجنة الاكاديمية السويدية بفرز الاسماء وتقليص هذه القائمة الطويلة الى ما نسميه بالقائمة القصيرة، التي لايتعدى عدد الاسماء فيها خمسة مرشحين فقط. وهذا، كما يمكن ان تتصوره عملا صعبا ومهما يتحمله كل عضو من اعضاء لجنة الجائزة.

* من خلال تعداد البلدان التي ينتمي اليها الادباء والكتاب الذين حازوا جائزة نوبل في الادب خلال قرن كامل، نجد ان غالبيتهم العظمى من القارة الاوروبية. ترى على أي شيء تعتمدون في اختيار الفائز بالجائزة، من الناحية الجغرافية؟

ـ نعم، يمكن للمرء ان يتساءل عن ذلك، اعتقد ان هذا يعتمد على عدة اشياء، ولو نظرنا الى الوراء، الى السنوات السابقة من عمر الجائزة، لوجدنا ان ميل الاكاديمية السويدية في البداية كان متجها نحو (الاوروسنتريزم)، المركزية الاوروبية. كان ينظر الى الدول الاوروبية الكبيرة على انها الدول التي تشكل قاعدة لانتاج كتاب يفوزون بجائزة نوبل. رغم انه في وقت مبكر من مراحل توزيعها منحت جائزة الادب الى كتاب خارج القارة الاوروبية، الهند مثلاً، إذ نالها الشاعر رابندرانت طاغور عام 1913. وهنا يجدر القول انه في مراحل متقدمة جرى الانتباه الى وجود تقاليد مختلفة في الادب لا تمت للتقاليد الاوروبية بصلة. وقد استطاعت المؤلفات التي تخاطب قراء مجهولين، ان تنتشر خارج حدود (جغرافية ثقافتها). ان هذا عدّ اكتشافا جديدا في الثقافة الاوروبية ولم يكن معروفا بتلك الدرجة التي عرف بها لاحقاً. نحن لا نتحدث بطبيعة الحال عن الثقافة الاغريقية او الثقافة اليونانية القديمة، بل ان حديثنا يجري حول مطالعة الآداب الاخرى غير الاوروبية، عن الادب الذي كتب كي يقرأ، او كما نعرفه نحن، وهو مفهوم جديد بدأ مع عصر النهضة، حين اخذ الادب الغربي ينتشر بدوره عبر الحدود، وتمازجت الرواية والشعر الغربيين بثقافات وآداب ذات عمق تاريخي عريق، كالصينية واليابانية والعربية وبعض الآداب الهندية وغيرها.

هذا التآلف الثقافي في الآداب العالمية اصبح تقليدا في عصرنا، ترسخ تقريبا بعيد الحرب العالمية الاولى، وتزامن ظهوره مع بروز ظاهرة العولمة (الروحية) التي جاءت على انقاض النظام الاستعماري. ان هذه الآداب اتسمت، بطبيعة الحال، بطابع مميز لكنها كانت بحاجة لوقت كي تنضج وتحقق الاصالة وتؤكد ذاتها، كما كان عليه الحال في الآداب الاوروبية القديمة. إن الآداب العالمية المعاصرة بدأت تأخذ مكانتها في وعي القارئ الاوروبي، خلال العقود الاخيرة الماضية، ولذا اعتقد باننا اليوم في الطريق نحو سيل معرفي سريع الجريان في الادب، رغم انه جاء متأخرا بعض الوقت. وربما تجدر الاشارة الى اننا اليوم امام كتابات ليس من السهل تصنيف انتمائها الى ثقافة خالصة، بل تحمل مؤشرات على وجود كتاب عالميين في كل مكان.

* هل افهم من هذا بأن الاكاديمية السويدية تقرأ الآداب الاوروبية اكثر من سواها؟

ـ المفهوم الذي تنطلق منه الاكاديمية السويدية نحو معرفة الادب هو مفهوم منتج غربياً. في اماكن كثيرة هنالك فن الكلام وهناك تقاليد ثقافية، ولكن الادب بالشكل الذي كنا نعرفه، لم يكن قبل حلول القرن التاسع عشر سوى غربي، وهذا بحد ذاته يفسر جزءا من ظاهرة غلبة الادباء الغربيين على جائزة نوبل في الادب. هنالك بالطبع معوقات أخرى، كمشكلة اللغة، رغم انها مشكلة موجودة داخل اوروبا نفسها ايضاً، اذ لا تجد احيانا عضوا في الاكاديمية يتقن اللغة المجرية او اليونانية او واحدة من اللغات السلافية.. الخ.

* عندما طرحت سؤالي حول اجتياح الادباء الاوروبيين لجائزة نوبل على مدى المائة عام المنصرمة، كان يدور في ذهني الادباء العرب، فرغم عراقة الادب العربي والثقافة العربية، لم يحصل على هذه الجائزة سوى كاتب واحد هو نجيب محفوظ، بل أنه الوحيد في عموم الشرق الأوسط أيضاً. ترى اين يكمن السبب؟

ـ لا ادري، لا استطيع الاجابة على هذا السؤال، ولكني اعتقد بان علينا ان نفصل ما بين رغبتنا في ان يحصل اكبر عدد من الشعوب والبلدان على جائزة نوبل وما بين التزامنا بالمعايير التي تخص فردية الاديب المبدع، اذ ان جائزة نوبل لم تؤسس، على الاطلاق، لكي تنصب تاجا على رأس لغة او بلد ما او ما شابه، بل انها تخص الكاتب الفرد، وليس سواه، بغض النظر عن انتمائه اللغوي او القومي او خلافه. ولذا فليس لنا ان نجلس الان وان نناقش بأن الوقت قد حان لمنح الجائزة الى الشرق الأوسط، او الى افريقيا، مثلا، او لماذا لم نمنحها الى الصين. ان ما هو امامنا على الطاولة هو نتاج كتّاب بصفاتهم الشخصية فحسب. وعندما نصل الى قرار بمنح الجائزة الى هذا الكاتب او ذاك يجب ان تكون لدينا قناعة تامة وحقيقية بعمله الابداعي الادبي، وما خلاف ذلك لا اهمية له. فلو اخذ بمبدأ التوزيع الجغرافي، ولو اعرنا اهتماما الى الدول واللغات فستفقد الجائزة شحنتها، ستصبح جائزة (دبلوماسية) غايتها، في افضل الاحوال، ان ترضي. هذه الجائزة يجب ان لا تكون هكذا، يجب ان تظل محافظة على اهميتها الحقيقية وان يبقى مقياسها الادب فحسب.

* انت ذكرت بانكم تتسلمون اقتراحات بشأن مرشحين لجائزة نوبل في الادب من جهات مختلفة، منها من رؤساء اتحادات الادباء في مختلف البلدان، وتصل اسماء المرشحين الى مائتي اسم سنويا، ماهي حصة الادباء العرب من هذه الترشيحات؟

ـ قليلة، لم يصل الى الاكاديمية السويدية من البلدان العربية سوى القليل من الرسائل التي تحمل اسماء مرشحين عرب، هكذا كان الحال مع شرق آسيا، لكن الآن بدأت تصلنا رسائل اكثر مما سبق باسماء كتاب من شرق آسيا. غير اننا لا نتوقف عند الترشيحات التي تصلنا، وبالرغم من ان ترجمات الادب العربي الى اللغة السويدية قليلة فاننا نقرأ نتاجات هذا الادب وغيره بلغات أخرى. واعتقد ان اكثر ترجمات الادب العربي هي باللغة الفرنسية، وهناك ترجمات بالانجليزية والالمانية قليلة نسبيا، وربما بلغات اخرى. وعندما يجمع المرء ما قرأه من هذه الابدعات المترجمة الى لغات اخرى يحصل على صورة جيدة عن النتاج الادبي وعن الكاتب. الخطوة اللاحقة، لو اردنا التعمق في معرفة النتاج الادبي لكاتب ما هو اننا نوصي بترجمة اكثر من عمل له الى اللغة السويدية، كأن نوصي بترجمة كاتب او شاعر عربي ما، كنا قد تعرفنا على نتاجه عبر لغات اخرى، نوصي بترجمة نص العمل الادبي وترجمة توضيحية له. وبهذه الطريقة يمكن الاقتراب من فهم النص الاصلي، وهكذا تعاملنا مع ادباء نالوا جائزة نوبل ولم تكن لدينا امكانية الاطلاع على اعمالهم بلغاتهم الاصلية، ومن هؤلاء الشاعرة البولونية فيسلافا سيمبورسكا (جائزة العام 1996).