كتابات على حد السكين

الكاتب الصيني يانغ ليان والبلجيكية اميلي نوتومب يتحدثان عن العلاج بالكتابة

TT

ولد الكاتب الصيني يانغ ليان عام 1955. وامضى طفولته في سويسرا حيث كان والده دبلوماسيا. بعدها عاد ليعيش السنوات الصعبة لما سماه الزعيم ماو تسي تونغ بـ «الثورة الثقافية». ومطلع السبعينات بدأ يكتب غير ان نصوصه رفضت من قبل الصحف والمجلات الرسمية، فأرسل الى الريف بـ «هدف اعادة تربيته حسب المنهج الماركسي ـ اللينيني الصحيح».

وفي العام 1989 تمكن من الفرار من الصين. وهو يعيش الآن في المنفى. وفي احد نصوصه الاخيرة، يتحدث يانغ ليان عن اميركا قائلا: «القصر المكتمل يكون اكثر اكتمالا في اميركا، هكذا كان الصينيون يقولون قبل عام 1949 (السنة التي تسلم فيها الشيوعيون السلطة) للتعبير عن طبيعة الحياة في ما يسمونه بـ «الامبراطورية الذهبية» اي اميركا والتي تمتد على الجانب الآخر من المحيط الهادئ. وبعد 1949، اصبحت هذه العبارة تستخدم للسخرية من «الكلاب الرأسمالية». ويواصل يانغ حديثه عن اميركا قائلا: «ذات مساء جميل من مساءات مطلع الثمانينات، في احد مطاعم بكين، سقط الوهم وتناثر فتاتا على الارض. فقد دعاني جامعي اميركي كان في زيارة قصيرة للصين لتناول العشاء. وكالعادة دار الحديث حول قسوة الوضع السياسي في الصين وحول صعوبة ممارسة «الادب السري». وعندما انتهينا من تناول العشاء ظلت كمية هائلة من الطعام على الطاولة «هل تأخذها معك الى البيت؟» سألني الجامعي الاميركي. واجبته: «ولكن لماذا افعل شيئا كهذا؟» ورد هو على الفور: «في اميركا، لن يتردد شاعر ان يحمل ما تبقى من الطعام الى بيته ليس لكي يطعم كلبه، وانما لكي يأكله هو». وقد صدمني قوله ذاك اذ انني ما كنت اعتقد البتة ان يكون الشعراء الاميركيون اكثر فقرا من زملائهم الصينيين. وتبين لي ما كنت اعتقده جد بعيد عن الحقيقة، حقيقة «القصرالمكتمل» الراسخة في ذهني حتى ذلك الحين».

من اليابان إلى بلجيكا

اميلي نوتومب بلجيكية، تكتب بالفرنسية، لكنها ولدت في مدينة «كوبي» في اليابان عام 1968، ولم تعد الى بروكسل الا عام 1985. وكان ابوها دبلوماسيا يتحدر من احدى العائلات الارستقراطية. وقد عمل في كل من اليابان وبنغلاديش واللاوس والولايات المتحدة. وخلال سنوات التنقل هذه عرفت اميلي نوتومب حياة العزلة والصمت، «والانقطاع عن العالم» كما تحب ان تقول. وربما لهذا السبب عشقت المطالعة والكتب منذ الصغر، وعند عودتها الى بلجيكا وكان عمرها آنذاك 17 عاما، حاولت التأقلم مع المجتمع الجديد غير انها فشلت في ذلك فشلا ذريعا. وبعد بحث شاق وطويل، اهتدت الى الطريق الذي سوف ينقذها، ألا وهو طريق الابداع والكتابة، وهي تقول في ذلك: «لقد ساعدتني الكتابة على البقاء على قيد الحياة». وتضيف قائلة: «نعم ان الكتابة هي التي علمتني ان اضع كل شيء في مكانه». ومنذ روايتها الاولى حققت اميلي نوتومب نجاحا كبيرا لا في بلجيكا وفرنسا وحدهما وانما في جميع البلدان الاوروبية. وهي تقول: «انا احب القبعات الغريبة الشكل، والفواكه الفاسدة، واشرب الشاي الاسود بدون انقطاع، اشربه حتى الغثيان احيانا، ولا اكتب الا في الليل.. اما النهار فأخصصه للنوم والتأمل والشرود الجميل..». وتضيف اميلي نوتومب قائلة: «في الاوقات التي اكتب فيها، احاول ان اظل على الحدود بين التماسك والجنون، بين ما له معنى وما لا معنى له، بين الشيء واللاشيء، وهذه الحدود، احسها بشكل ملموس، والنصوص التي اختار عدم نشرها هي تلك التي رأتني وانا اسقط من الخيط الذي انا عليه معلقة».