صالح العزاز.. نقطة ختام

الفنان السعودي صاحب «المستحيل الأزرق» غاب بعد صراع طويل مع المرض * شقيق الفقيد: كان صالح يطل قبل شمس النهار و«شيهانة» هي بوصلته

TT

في المقالات التي كتبها على صفحات «الشرق الأوسط» من سريره الابيض في المستشفى الاميركي كان صالح العزاز يحكي ويحكي كأنه يريد ان يقول كل شيء دفعة واحدة.. كأنه كان يدرك ان لا وقت لديه للتوقف، لكن مساحة الصفحة ربما كانت لا تسعفه للمزيد فيبقى كلامه مسترسلا بلا نقطة ختام. اليوم توقف قلب صالح العزاز وكأنه اراد ان يضع نقطة ختام لكلام اراد صاحبه ان يلون به البياض المتسع من حوله.

فقد غيب الموت امس الصحافي السعودي صالح عبد الله العزاز حيث وافته المنية اثناء تلقيه العلاج في مستشفى الرياض التخصصي والذي كان يستكمل فيه علاجه بعد ان عاد من الولايات المتحدة قبل عام تقريبا. وسيوارى جثمان الفقيد اليوم في مقابر النسيم بعد صلاة الظهر وسيصلى عليه في جامع الراجحي في حي الربوة.

وبوفاة العزاز 43 عاما يفقد الوسط الصحافي السعودي والخليجي والعربي ايضا واحدا من الكفاءات والقدرات، فهو واحد من (الجيل الوسط) من الصحافيين السعوديين، تنقل في العديد من الصحف والمجلات في مواقع ميدانية وقيادية كان من ابرزها تجربته في العمل مديرا للتحرير في صحيفة «اليوم» التي تصدر في مدينة الدمام، شرق السعودية. كما مارس العزار فن المقالة اليومية في عدد من الصحف السعودية والخليجية والعربية.

وفي الاعوام الاخيرة، فضل العزاز، ان يتفرغ لعشقه وهي الكاميرا والصورة الفوتوغرافية، ليسجل بها اعمالا جذبت اليها العديد من محبي هذا الفن، حيث اقام المعرض الاول في العام 1996 وبما اهله للمشاركة في مسابقة عالمية لاتحاد المصورين العالمي في الصين العام 1997 حصد خلالها المركز الثاني والميدالية الفضية، وكان معرضه الثاني والاخير في العاصمة السعودية الرياض في العام 2001 تحت عنوان «بلا حدود». وكان الدكتور تركي الحمد قد اختار احدى صوره لتكون غلافا لاحد اجزاء روايته.

ولم تتوقف ابداعات العزاز عند المعارض فقط، بل تجاوزتها الى النشر والتأليف فاصدر مع زميله المصور حمد العبدلي كتاب «الجنادرية الحدث»، كما ساهم في توثيق تجربة البناء بالطين لمشروع مزرعة العذيبات في كتاب مميز ومصور تحت عنوان «العودة الى الارض»، وتمت هذه التجربة بمبادرة من الامير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الامين العام للهيئة العليا للسياحة.

أما اخر اصدار فكان «المستحيل الازرق»، وهو كتاب فريد من نوعه، ففي الجزء الاول من الكتاب مقطوعات شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد استوحى فيها ابياته من لقطات سجلها العزاز. اما الجزء الثاني من الكتاب فهو يضم 80 صورة فهرسها وشرحها صالح العزاز بنفسه متضمنة شروحا باللغة النثرية.

والفقيد صالح العزاز من مواليد مدينة الخبراء في منطقة القصيم عام 1959، متزوج وله 4 بنات وولد واحد، هم: شيهانة، وشهد، وشهلاء، وليانا، وعبد الله.

* تحدث عزاز العزاز شقيق الفقيد عن اللحظات الاخيرة من عمر أخيه، حيث انه كان الوحيد الذي يلازمه في ايامه الاخيرة وحتى وفاته فقال: بعد ان اديت صلاة الفجر رجعت اتفقد حال صالح واطمئن على انه ما زال حيا وكان ذلك حوالي الساعة 18:5 من صباح يوم امس (الاحد) ولاحظت ان انفاسه تخرج بصعوبة وفجأة انسلت روحه بسهولة.

وقال بأن الفقيد قد عاش الايام الاربعة الاخيرة وهو في غيبوبة تامة وكنت وقتها ـ والكلام لشقيق صالح ـ اقرأ القرآن الكريم بصوت مرتفع وعندما «تي على آية فيها ذكر لله الاحظ ان اصبعه الشاهد (السبابة) يرتفع وينخفض.

وقال عزاز العزاز ان شقيقه صالح وقت كان في غيبوبة متقطعة كان يتكلم عن بناته وبالذات عن ابنته شيهانة (16 عاما) وكان يقول عنها: هي البوصلة التي تحدد اتجاهاتي.

وكان يكرر حديثه عن بناته ويقول بأنه لم يقصر بحقهن، واوصى اخوته برفض حضور بناته لأميركا للدراسة او غيرها بأي حال من الاحوال الا ان يكن مع ازواجهن.

ويشير شقيق الفقيد الى ان المستشفى اتصل به يوم 20 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي وطلبوا حضوره الفوري، وقالوا بأن صالح لن يعيش اكثر من سبعة ايام.

ويضيف: عدنا للرياض والتقى صالح بوالده ووالدته واخوانه وقتها خاطبنا بقوله: «الحمد لله في آخر وقتي اصبحت اتلذذ بقراءة القرآن الكريم، وهي لذة لم اكن اشعر بها سابقا، لقد انعم الله عليّ بأن اعطاني هذه الفرصة التي لم يعطها لزملاء آخرين يباغتهم الموت فجأة.. الحمد لله ان اعطاني فرصة كي اضع نقطة في آخر السطر وافتح صفحة جديدة واعيد حساباتي».

ويستذكر عزاز موقفا انسانيا ونبيلا لشقيقه فيقول: وقت كان صالح يتلقى العلاج في الولايات المتحدة كان يوجد في نفس المستشفى شابة سعودية اسمها نسرين وعمرها 22 سنة، وكانت تعالج هي الاخرى من السرطان، وقد اصبح بين صالح وهذه الشابة وامها علاقة اشبه بعلاقة العائلة بحكم تبادل الزيارات، وفي احد الايام جاءت والدة نسرين الى صالح في غرفته واخذت تشكي اليه احوالهم المادية الصعبة، وانه لم يعد بمقدورهم مواصلة علاج ابنتهم، لم يتمالك صالح نفسه فذهب الى الطبيب المسؤول وهو فيليب سالم وطلب تدخله الانساني فاعتذر فتحمل صالح خطيا كل تكاليف علاج نسرين وكان ينوي سداد المبلغ على دفعات، ولكن الامير عبد العزيز بن فهد قام بسداد مستحقات نسرين للمستشفى بعد ان علم بالامر.

ويمضي شقيق الفقيد بقوله: ماتت نسرين ولم نخبر صالح لاننا نعلم بمدى تأثره وبالحال التي سيكون عليها ومات صالح وهو لا يعلم بموت نسرين.

وهنا يشير عزاز الى واقعة تتعلق بمواقف البعض من الفقيد: وقت كان صالح يتلقى العلاج في اميركا جاءته مكالمة هاتفية وتحدث معه رجل بقوله: انا لا اعرفك وانت لا تعرفني، ولكني كنت احقد عليك لدرجة انني لو قابلتك لقتلتك تقربا الى الله ولكن عندما قرأت وسمعت ما كتب وقيل عنك بعد مرضك عرفت ان المعلومات التي عندي خاطئة وغير صحيحة، والآن اشعر بندم بالغ وبودي ان اعطيك من عمري حتى تعيش.

انتهت المكالمة الهاتفية وقال لي اخي صالح: اسمع يا ابو العز.. حاول ان لا تسيء لأحد وبادر الناس بالمصافحة والابتسامة وحاول ان توسع دائرة اصدقائك وتضيق دائرة اعدائك.

ويقول عزاز العزاز، 30 عاما، والذي يعمل سكرتيرا لشقيقه صالح في مكتب المدارات حيث انه لم يجد له مقعدا في الجامعة بعد تخرجه من الثانوية العامة، ولم يجد له فرصة عمل ما جعل الفقيد يستدعيه للعمل معه في المستشفى التخصصي في الرياض. اصيب صالح بجلطة في رجله اليسرى، وتم علاج الجلطة ثم عانى من وجود ماء في الرئتين ثم اصبح يعاني من تشنجات لا تطاق تجعله يطلق اصواتا لا احتمل المه منها.

وبمنتهى الحزن والتأثر يضيف عزاز: مات صالح وقد نقلته للثلاجة بنفسي وما ان وضعته فيها حتى عدت الى غرفته ابحث عنه.. لم اصدق حتى هذه اللحظة ان نعيش بدون ابو شيهانة فقد كان شمسا تطل علينا قبل شمس النهار.