نوادر المخطوطات العربية في خزائن العالم

«روضة العشاق ونزهة المشتاق» لمحمد بن علي العراقي كتاب حب وضع على طريقة المتأخرين!

TT

جليل العطية المتتبع لحركة التأليف في الوطن العربي يلاحظ انها تراجعت كثيرا بدءاً من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، خاصة بعد سقوط بغداد سنة 656 هـ بأيدي المغول والتداعيات التي تلتها، والتي اضطرت العرب والمسلمين الى الانشغال بالأمور التي استجدت لمواجهة القوى الخارجية الطامعة في خيرات بلادهم.

والنتاجات التي وصلت الينا من الفترة اللاحقة تتراوح ما بين العلوم الدينية والنحو والصرف وعلوم العربية الاخرى.

أما كتب الأدب فقد تضمنت نماذج من الالوان الشعرية التي تزايدت في تلك الفترة كالمخمسات والموشحات والازجال والدوبيت والقوما والكان كان وما شاكل ذلك. و«روضة العشاق ونزهة المشتاق» لمحمد بن علي الشهير بالعراقي.. احد هذه الكتب الادبية التي نجت من قوارع الزمن، فوصلت الينا مخطوطة منه احتفظت بها مكتبة الاسكوريال في إسبانيا تحت الرقم 471.

المخطوطة مكتوبة بخط شرقي جيد، تقع في 115 ورقة، ولم يذكر الناسخ اسمه. جاء في ختام المخوطة:

(تم الفراغ من نسخها يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول سنة 1005للهجرة) وهذه توافق سنة 1625 للميلاد ـ تقريبا.

بعد دراسة المخطوطة ومراجعة المصادر لم نعثر على ترجمة للمؤلف لكن جاء في كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة المتوفى سنة 1067هـ ما نصه:

(روضة العشاق ونزهة المشتاق تأليف أبي سعيد محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد الشهير بالعراقي المتوفى سنة 510 اوله:

الحمد لله الذي أعلا مراتب اوليا.. الخ..

كشف الظنون ج 1 ص 691 ـ طبعة بيروت ـ 1994م).

ولأبي سعيد هذا ترجمة في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي، جاء فيها ان وفاته وقعت سنة احدى وستين وخمس مائة (للهجرة): الوافي: ج 4 ص 155 الترجمة 1688 ـ وهذا خلاف لما ذكره صاحب (كشف الظنون).

وبتدقيق تاريخ وفاة (ابن العراقي) هذا مع مخطوط (روضة العشاق) وجدنا استحالة ان يكون هذا مؤلف الكتاب.

وحجتنا في ذلك ان (الروضة) تضمنت نصوصا شعرية لشعراء توفوا بعد (ابن العراقي) بمدة طويلة بينهم:

الحاجري (عيسى بن سنجر) ت 602 هـ، ابن النبيه (علي بن محمد) (619 هـ)، ابن الحفيف (محمد بن سليمان) (688 هـ) ، صفي الدين الحلي (عبد العزيز بن سرايا): 750هـ، ابن نباته (محمد بن محمد): 768هـ .. الخ وعلى هذا يكون (حاجي خليفة) قد اخطأ، ولعله لم يطالع الكتاب.

ويمكن ان يكون المؤلف قد عاش في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي او نحوه. ويقتضي لمن يريد تحقيق الكتاب التنقيب عن عصر المؤلف والبحث عن ترجمته.

مقدمة الروضة:

جاء في مقدمة المؤلف ـ بعد الديباجة المعتادة:

... أشار عليّ من إشارته حكم وطاعته غنم، أن أجمع له مجموعا ظريفا، مختصرا، رائقا، لطيفا مشتملا على أشعار رقيقة، ومعان دقيقة، ومراسلات مستعطفة، ومعاتبات مستطرفة، وشكوى محب الى محبوب، ووصف ما قاست القلوب، من الم الفراق ولهب الاشتياق، وانسكاب الدموع، وهجران الهجوع، وما يقاسيه المحب المسكين من الأهوال، والصبر على الوشاة والرقباء والعذال، وان انقل ذلك عن الشعراء المتقدمين الفصحاء، فامتثلت ما به رسم، لما في ذلك من اوفر القسم، وبادرت الى تحصيل ما طلبه... وجمعت له هذا المجموع وسميته (روضة العشاق، ونزهة المشتاق) وضمنته جميع ما أشار به وأوردت فيه أشياء لا بد من ايرادها كمدح وذم، ووصفت بعض ما يؤكل وما يشم وغير ذلك مما لا يتم نظم هذا المجموع الا به مع الايجاز والاختصار).

هكذا يتبين ان المؤلف وضع كتابه بناء على طلب مسؤول او حاكم لم يشأ ان يصرح باسمه، اراد منه (ان يجمع مجموعا، ظريفا، مختصرا، مشتملا على اشعار رقيقة، ومراسلات، اي رسائل نثرية ـ على ان ينقل القصائد أو المقطعات عن الشعراء المتقدمين الفصحاء، واضاف له وصف بعض ما يؤكل وما يشم اي ما قيل في الفواكه..) المقدمة كتبت بلغة سجعية كانت السمة السائدة لادب ما بعد القرن الرابع الهجري.. لكنه لم يتقيد بتقديم مختارات من الشعراء المتقدمين الفصحاء، بل شمل كتابه بمقطوعات للشعراء المتأخرين ممن نظموا الشعر خارجين على بحور الخليل بن أحمد! ويتضح من عنوان الكتاب ومحتواه انه من كتب الحب التي وضعت على طريقة المتأخرين لا على طريقة (محمد بن داود الاصبهاني) صاحب كتاب الزهرة (ت 296 هـ ) و(ابن حزم) صاحب (طوق الحمامة) (456هـ ) اللذين ضمنا كتابيهما غرر أشعار المتقدمين.

ـ يلاحظ في (روضة العشاق) ان نسبة الاشعار والنصوص المغفلة النسبة عالية ـ لكنه ينفرد بايراد قصائد ومقطعات لا نجدها في الدواوين الشعرية التي وصلت الينا.