محمد العثيم: لست متسولا على باب جمعية الثقافة والفنون ولن أقبّل الأيدي

الكاتب المسرحي السعودي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن رؤيته للواقع المسرحي ومشكلاته

TT

يعدّ الكاتب المسرحي محمد العثيم، واحداً من أبرز المسرحيين السعوديين، إذ تنسب الولادة الحقيقية للكتابة المسرحية السعودية في جزء كبير منها، إلى نصوصه مثل (حلم الهمذاني) إلى (غبار بن بجعة) وحتى( البطيخ الأزرق) و(تراجيع)، وهي نصوص شاركت في مهرجانات عربية ولاقت صدى لافتاً لتجاوزها الصورة النمطية المألوفة عن هذا المسرح.

التحق العثيم بجامعة الملك سعود استاذا في قسم الإعلام، ومن ثم مدرسا لمادة المسرح في شعبة المسرح التي افتتحت لمدة قصيرة وتم اغلاقها (في ظروف غامضة)، شارك العثيم في تحكيم عدد من المهرجانات الخليجية والعربية، الى جانب دراسات وبحوث مسرحية.

هنا حوار معه عن تجربته المسرحية وهموم المسرح السعودي، الذي يرى أنه في حالة ترد تتحمل جمعية الثقافة والفنون بالرياض مسؤوليته.

* لماذا أخفق العثيم ومجايلوه من الرعيل الأول في إيجاد حركة مسرحية فاعلة، في الوقت الذي قطعت فيه التجارب الإبداعية الأخرى أشواطاً بعيدة؟

ـ نعم، أخفقنا أنا وجيلي في فتح المسرح للجمهور، لأننا انشغلنا في فتح الجمهور للمسرح، ويسجل لنا أننا نجحنا في خلق جيل مسرحي، أما اخفاقنا في إيجاد مسرح فله أسباب أخرى، لكن لا تنس أن الشباب من جيلي لم يخفق في خلق حركة مسرحية حقيقية وكوادر وجمهور مسرحي مستنير في كل السعودية. أما لماذا سبقتنا دول بدأت بعدنا، فذلك يعود لفارق الدعم الإداري والمادي، ثم لا تنس أن السعودية ليست من الدول الصغيرة المساحة التي تركز سكانها وكوادرها في مدينة أو مدينتين، لكنها قارة. ويكفي جيلي فخراً أن خلايا المسرح تنتشر من أقاصي الشمال إلى أقاصي الجنوب. وهذا الانتشار يقوم في الغالب على جهود شخصية لأناس يستطيعون تجاوز عقبات الإنتاج الكأداء التي تخلقها بعض المؤسسات والمحافظات مثل التمويه والزعم بتقاليد اجتماعية لا تدعم وجود المسرح.

* ما الذي يراهن عليه المسرح السعودي بعد انصراف الجمهور عنه تقريبا؟

ـ الحقبة المسرحية عند بعض النقاد تقاس في حدود الثمانين سنة ولا تقاس بالعام ومتغيراته، حيث يمكن تمييز حقبة مسرحية، لذلك أقول هذا العام هو امتداد ناتج من تجربة الأعوام القريبة الماضية. وفي مسرحنا السعودي والخليجي، ربما يؤشر لبعض الإبداعات من الجهد الفردي المستمر للعناصر الشبابية.

أما القول بانصراف الجمهور، فهو قول مبالغ فيه، إذ يقول الواقع إن الذي هرب من الناس وانزوى عنهم هو المسرح والمسرحيون الذين اتجهوا للدراما التلفزيونية، ولو قابل المسرحيون الجمهور في منتصف الطريق الذي يسلكونه لجاء الناس انطلاقا من ذلك، لا ألوم الجمهور بسبب انصرافه لأن المسرحيين لا يصلون للجمهور، ولا يدعونه لحضور عروضهم عبر وسائل الإعلام، حتى يصلوا إليه حقاً. ليس هذا فحسب، بل انك قد تقرأ إعلاناً وتذهب ولا تجد العمل المقدم مما يرقى للذائقة العامة أو تجد تهويمات رومانسية في عالم الفنون والفكر.

وكلا النوعين من العروض خارج السياق الثقافي العام، لذلك فقد المسرح جمهوره ليس عندنا بل في العالم العربي عامة. وعندنا تكون المأساة أكبر لأن عروضنا تنقصها التقنيات التي تحتاج المال فتظهر العروض باهتة لا تستدعي جمهور البهارج والمهارج والمتع ولا المثقفين النخبويين.

* ما هي برأيك أسباب عدم استقامة المشهد المسرحي السعودي، هل تعود لما يسمى بالمناخ الثقافي الملتزم؟

ـ الالتزام الفكري من عدمه جدل قديم تطرحه الآيديولوجيا على أنه مبدأ، فهو جدل قديم بدأ منذ العصور السحيقة عندما انفلت الفن من الدين في عهد اليونان، وانتهت سلطة الكهنوت الوعظية على الفكر. وعاد الصراع على أشده في العصور الوسطى حين رأى القسس أن فرق التهريج (في ايطاليا) بدأت تحتل مكاناً في قلوب العامة.الإسلام قديماً تصالح مع معطيات الإبداع في الثقافة، ولا يعتبرها معارضة للدين، والدليل الشعر الذي هو قاعدة المسرح. وعرف العرب قديماً عروضاً مثل عرض الاحباش في المسجد عندما زاروا المدينة. وظل العرض والتهريج يجد مكانه في الأماكن الشعبية من عالمنا الإسلامي كما يجد مكانه في بلاطات الحكام في الدول الإسلامية، من دون أن يكون قضية، بل همّش بصفته من فعل أصحاب (السماجات).

اليوم تقوم حركة سياسية في الإسلام تفترض أن كل شيء يجب أن يوظف لقضيتها، لذلك لا تستغرب من يبحث عن أعذار لوقف الفن والمسرح باسم الدين، لأن المسرح حوار وهو لا يسهل تطويعه لما يريده السياسيون والآيديولوجيون، مثل ما حصل في الثورة البلشفية مع الفنون.

أي آيديولوجي في الغالب لا يجد في الفن نصيراً له، لأن الفن يأتي من عالم الحرية وكشف الخطأ، والمؤدلجون لهم أهداف لا يريدون انكشافها. وهذا الكلام لا ينطبق على الإسلام كمبدأ، لكنه ينطبق على ما هو مستورد من فكر الأديان الأخرى أو الموجه للغرض السياسي خارج روح الدين الأصيل الذي هو علاقة بين الفرد وربه في الدائرة الشرعية. هذا الصراع بين المؤدلج من أي نوع إسلامي أو غير إسلامي سيبقى ما بقي المسرح، لأن للآيديولوجي مقالة باتجاه واحد وللفكر الفني تأويلا تقدمه حلبة الحوار باللفظ والجسد والإشارة.

* لماذا لم يحسم الجدال مع الأوساط الدينية حول قضايا المسرح بخاصة والفن بشكل عام؟

ـ بعضنا لم يتأثروا بالكلام المعترض على الدراما والمسرح، لأن الاعتراض جاء من تقليد تاريخي كنسي في إيطاليا أول عصر النهضة، وليس في التاريخ اعتراض إسلامي على الدراما لأنها لم تزامن التأسيس الإسلامي. فالإسلام ـ حسب علمي البسيط ـ ليس لديه موقف عقدي مضاد للشعر ولا للتمثيل، كما هو الحال في الكنيسة في العصور الوسطى، لذلك فالمسألة رأي لمجتهدين يمكن نقاشها وتبصيرها في الإسلام من خلال الوعي لا التقليد.

أما موقفي فكلنا سعداء بالمنجز الدرامي السعودي من الكوادر الفنية والقناعة بحركة مسرحية لدى الجمهور التي لم يكن لها وجود في بداياتنا قبل عشرين سنة.

* معارك مسرحية

* ما قصة افتتاح شعبة المسرح بجامعة الملك سعود وإقفالها؟

ـ هذا السؤال لا يوجه لي، فأنا صحيح درّست في شعبة المسرح لفترة، لكنني الآن خارج وظائف الجامعة، لذلك يوجه السؤال للجامعة، وهو سؤال قائم، لأن إغلاق شعبة المسرح التي أنشئت في قسم الإعلام بكلية الآداب بعد جهد كبير في تأسيس مناهجها وتطويرها جاء مفاجأة لكثيرين. والحجج المنشورة تقول إنه لا يتقدم للشعبة طلبة. ثم نشر أحد الاساتذة في الجامعة وهو الدكتور جمال قبش تفاصيل مغايرة عن الإقفال. وما زلنا نتمنى من الجامعة اعادة النظر في أوراق الشعبة وما أحاطها من غموض لأنه غموض يكشف عن تساؤلات عن إغلاقها مع وجود متقدمين لها، وبالتأكيد الجامعة أكثر حرصاً منّي على شؤونها الإدارية.

* نلمس في معاركك الأخيرة مع جمعية الثقافة والفنون طغيان الشخصي على الثقافي؟

ـ أعوذ بالله من كلمة معارك وتصفية حسابات، فأنا لست جنرالاً في معارك وليس لي حسابات مع أحد على المستوى الشخصي، الزملاء الموظفون في الجمعية بمن فيهم الرئيس والمديرون الكبار اخوة أعزاء تربطني بهم كل روابط الحب والصداقة والاحترام على المستوى الشخصي والإنساني، لكن الخلل الإجرائي والإداري هو سبب اعتراضي لأنه مع الزمن تغيرت أحوال الثقافة والفن ولم يتغيروا وبقيت العقول كما هي واقفة عند ربع قرن مضى.

* من أين بدأ الخلاف إذن؟

ـ اختلافهم معي في الرأي، وكان قد بدأ بعد آراء أدليت بها لوسائل إعلام محلية طالبت فيها الجمعية ومسؤوليها بأن (تطور برامجها لكي تساير الثقافة السعودية الحالية لأن الثقافة كبرت عن حجم الجمعية وإداراتها).

* وماذا حدث بعد ذلك؟

ـ أثار هذا الكلام الجمعية ومسؤوليها، وتعصب بعض الاصدقاء في الجمعية، فكتبوا بالحرف الواحد، انني أسب الأمة العربية واستعدوا عليّ الرقابة في عمل مجاز مدعين أنه شتيمة للأمة العربية، وهم من أقره أولا في خطاب رسمي منهم، واعتبرت الموضوع استعداء شخصياً.

* وماذا بشأن الجمعية (جمعية الثقافة والفنون)؟

ـ الجمعية مؤسسة حكومية كبيرة وقد جندت إعلامها الحكومي الرسمي ضد شخصي أنا، وفي هجمة الجمعية الشرسة على شخصي الضعيف تناست كل ما قدمته وكتبته أو ساهمت به لخدمة هذا الصرح.

* هل ما زلت تضع الجمعية في دائرة الاتهام؟

ـ لا أزال أقول للمسؤولين إن وضع الجمعية غير سليم، وانه لا بد من تداركه ببرامج تساير العصر.

* لماذا التنكر لدور الجمعية، لم لا يعترف العثيم بأنه واحد من أكثر المستفيدين منها، وهي التي قدمت وطبعت وأجازت جلّ نصوصك؟

ـ ليس تنكراً، أنا مواطن والجمعية لا تعطيني كما يُعطى المتسوّل، وما تفعله للفن هو واجبها. وأسلوبها في تعداد النعم عليّ وعلى غيري من الفنانين غير صحيح، لأن هذا ما كلفتها به الحكومة في قراراتها وما تطلبه منها رعاية الشباب، والجمعية ليست ملكاً لرئيسها ونحن متسولون عند بابها.

* ما الذي يجعل هذه السنوات من السمن والعسل تنقلب خصاماً مع محمد الشدي وجمعية الثقافة والفنون؟

ـ تاريخي مع الجمعية لم يكن سمناً وعسلاً وهم يعرفون مستوى الإذلال الذي يضعوننا فيه ويعرفون مدى إخلالهم في التجربة. ويعرفون كل شيء من تصرفات غير طبيعية، ومنها هدم مقر ورشة التدريب المسرحي لأنه يشرف عليها رجل لا يُقبّل يد الرئيس ويشكره بالصحافة.

الأديب الكاتب محمد الشدي رجل كريم وشهم ولا علاقة لشخصيته العادية بشخصيته الاعتبارية كمسؤول عن جمعية الفنون، أنا اتحدث عن جمعية الفنون على أنها مؤسسة اعتبارية بجهاز إداري مكون من عشرات الأشخاص ابتداء من الرئيس محمد الشدي إلى آخر حارس، هذا الجهاز إداريا بحاجة إلى إعادة هيكلة ليكون في سياق العصر.

* سمعنا كثيرا بفكرة «الورشة» التي تعدها واحدة من إنجازاتك، أين نتاج هذه الورشة؟

ـ تقوم ورشة المسرح التي اقترحت انشاءها في جمعية الفنون على مبدأ تدريب الشباب الراغب بالفنون المسرحية من المؤهلين وغير المؤهلين.

ودعم محمد الشدي في البداية فقط الاقتراح فوفر المكان اللازم لعمل الورشة، وكان على شكل خيمة أزيلت في ما بعد لتحتل الورشة المركز الثقافي في الغوطة، لكن الشدي تنكر لها في ما بعد عندما كبرت عن حجم شعبة المسرح بالجمعية.

قبل ثلاث سنوات دعونا عددا من الطاقات المسرحية السعودية المجربة والمؤهلة وبعض الزملاء الاساتذة في جامعة الملك سعود، للتطوع في التدريب، فوافق عدد منهم، أذكر الزملاء الدكتور بكر الشدي وسمعان العاني والأديب عبد العزيز الصقعبي ومحمد المديفر الكاتب والمهتم بمسرح الطفل، اضافة إلى المسرحي الدكتور جمال قبش من جامعة الملك سعود، والكاتب والممثل والمخرج راشد الشمراني، ولعل هذا يشرح أسلوب عمل الورشة الذي يبتعد عن المعمل المسرحي المغلق إلى فتح باب طرح المشاريع من قبل الزملاء لتكون في محك العمل، وتكون هناك فرصة للتعامل مع العناصر الضرورية من دون الحاجة للروتين الطويل الذي تتطلبه الأعمال المسرحية في العادة.

* أين تتقاطع (الورشة) مع (الجمعية)؟

ـ الورشة كما تعلم لا تلتزم بها الجمعية، إلا عبر إتاحة المكان والجدولة للتدريب، وغالباً ما تكون للمشاركين في طرح المشاريع الفرصة لعرض أعمالهم عبر القنوات الرسمية أو تبنيها من قبل شركات في القطاع الخاص وفي الوقت الحاضر لا تطالب الورشة بأي مقابل عن فترة إتاحة علاقات الفنانين وغيرهم من جهات الإنتاج.

* ما هي برامجها؟

ـ انها تتيح للمتدرب دروساً وتدريبات يومية حسب جدول معين وللمتدرب الحق في اختيار الاستاذ الذي يريد التدرب معه خارج أي التزام، وله الحق ايضا في المشاركة في الفنون المساندة، مثل الانتاج والاخراج والتمثيل والماكياج ومفردات العمل الأخرى.

* هل تحظى بأي دعم؟

ـ كما يعلم الجميع لا تستطيع الورشة التحرك في المجال المسرحي من غير دعم، ونحن نتطلع الى اليوم الذي يكون لنا فيه مسرحنا الخاص للتدريب والعرض، فالجمعية لا تملك إلى الآن مسرحاً خاصاً بها. هدفنا الأول ان تكون هناك نواة مؤسسة مسرح رسمية تمارس دورها كما هو الحال في كل مكان. اما مطالبنا فهي دعم الورشة بما يجعلها قادرة على أداء عملها، وبالذات التجهيزات التي لا تتوفر لنا الآن، والخبرات المدربة التي تستطيع تغطية اتساع العمل مثل وجود مخرجين وفنيين متفرغين في مجالات الفنون لتسهل عملية الانتاج، وقاعة خاصة لعرض المشاريع المطروحة وتعميم الفكرة على فروع الجمعية لتكون الورشة مظلة ثانية للانتاج المسرحي الذي تحتاجه السعودية اليوم مع فتح تعاون دون قيود مع شعبة المسرح المغلقة في جامعة الملك سعود وبعض الأقسام المهتمة، وبالذات أقسام الآداب الإنسانية في جامعات السعودية، كما أن الدعوة مفتوحة للفنانين السعوديين في الوقت الحاضر للمشاركة في أي مشاريع تطوعية من خلال الورشة ومن دون التزامات روتينية.