المشهد الثقافي المغربي في عام : جوائز مهمة للمبدعين في الخارج والداخل

تطور عام في الفنون التشكيلية في مقابل تراجع المسرح وتدني القراءة بشكل كبير واختناق بعض دور النشر

TT

عرفت الساحة الثقافية المغربية خلال هذا العام مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية، حيث حدث تطور مهم في مجال الفنون التشكيلية تمثل في تعدد المعارض الفردية والجماعية، وفي الاشتغال على مواضيع أساسية كالهجرة السرية والغربة والارهاب، وما الى ذلك من تيمات عالمية وأخرى محلية، كما ظهرت أسماء فنية جديدة شابة تكونت في المعاهد الفنية بالمغرب والخارج، وتم إحداث أروقة فنية جديدة في كل من الرباط والدار البيضاء ومراكش وأصيلة.

وفي المقابل عرف قطاع المسرح بالمغرب تراجعا كبيرا على الرغم من تجربة الدعم التي احتفلت بسنتها الرابعة هذا العام، حيث تم حجب الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الرابع للمسرح بمكناس لتدني مستوى الأعمال المقدمة. في حين حافظت الأنشطة الثقافية بما فيها تلك التي تنظمها وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب على وتيرتها مع ضعف المواضيع المتناولة وسطحية تناولها في أغلب الأحيان، واستمرار عزوف المثقفين والباحثين المغاربة عن حضور هذه الندوات والملتقيات التي لا تفعل التوصيات التي تخرج بها في نهاية أشغالها. هذا مع وجود بعض الاستثناءات المتمثلة في «بيت الشعر في المغرب» الذي واصل أشغاله، بالرغم من المصاعب المالية، بنجاح ملحوظ، حيث شد إليه جميع الأنظار في المغرب والخارج أثناء المهرجان العالمي الثالث للشعر بالدار البيضاء، الذي تميز بالاعلان عن تأسيس «منتدى مهرجانات الشعر بالبحر الأبيض المتوسط»، وكذا «مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث» الذي نظم هذا العام مجموعة من الأنشطة المهمة المتعلقة بالثقافة الأمازيغية والعربية والاسلامية، وقدم مجموعة من الاصدارات المغربية والفرنسية التي تتحدث عن الشأن السياسي والثقافي بالمغرب. هذا ناهيك من غياب بعض المهرجانات العتيقة كمهرجان مراكش للفنون الشعبية، واستمرار المهرجانات الأخرى بمستويات متباينة وظهور مهرجانات جديدة من مثل «مهرجان موازين» بالرباط الذي وصلت تكلفته الى مليار و400 مليون ما زال نصفها الكبير على شكل ديون عالقة لحد الآن.

أما قطاع النشر والكتاب بالمغرب فقد عرف هو أيضا استمرارا وتصاعدا في وتيرة النشر، حيث ظهرت دور نشر جديدة من مثل «دار جذور للنشر» و«دار طارق للنشر»، ولكنه في نفس الوقت عرف تراجعا في أهمية المتن المعرفي المقدم وغياب الاصدارات الابداعية المتميزة باستثناء كتاب أو كتابين في السنة، وتوقف بعض أهم دور النشر كـ «دار ايديف للنشر» بالدار البيضاء التي لم تشارك في المعرض الدولي التاسع للنشر والكتاب الذي نظم أخيرا بالدار البيضاء ولم يلق اقبالا من طرف الزوار ومن طرف العارضين العرب والأجانب، الذين اقتصروا على تمثيلهم من طرف مؤسسة سوشبريس للنشر والتوزيع. كما أن نسبة القراءة قد تراجعت في المغرب الى 2%، وهو رقم خطير يعكس مدى تدني وضع القراءة بالمغرب وغياب سياسة ثقافية واضحة في جميع القطاعات.

* سطحية التنشيط الثقافي

* على الرغم من استمرار الأنشطة الثقافية بالمغرب، وتراكمها في فترات زمنية بعينها، فإن المتتبع للشأن الثقافي بالمغرب خلال هذا العام يلاحظ نوعا من الفتور في أسئلة ومواضيع تلك الندوات والملتقيات وسطحية تناولها، هذا ناهيك من عزوف الجمهور المغربي عن حضور تلك الملتقيات التنشيطية التي يحضرها المنظمون والمحاضرون وبعض الاعلاميين فقط. وفي المقابل يلاحظ تصالح بعض المثقفين المغاربة مع أنشطة بلدهم مثل ما حدث هذا العام مع الشاعر عبد اللطيف اللعبي الذي احتفى به العديد من المؤسسات والجمعيات الثقافية المغربية، وكذا النشاط الملموس لمجموعة من الجمعيات الأمازيغية التي تسهر على التنقيب في السؤال الثقافي الأمازيغي بالمغرب وتعززه من خلال توالي الاصدارات الابداعية الأمازيغية والكتابات التاريخية حول المغرب، وكذا تتبع هذا الشأن من خلال اصدار مجموعة من الصحف الأمازيغية التي ناهز عددها العشرة. وقد لفت الكتاب الأمازيغي والاسلامي أنظار المترددين على المعرض الدولي التاسع للنشر والكتاب، حيث يمكن الجزم بأنهما الوحيدان اللذان حققا مبيعات مهمة في المعرض.

وعن «الحركة الثقافية» بالمغرب لهذا العام صرح الكاتب والناقد عبد القادر الشاوي لـ «الشرق الأوسط» أنها «حركة حافظت على نوع من الاستمرارية والتواصل، ولكنها حركة سطحية، بمعنى أن القضايا التي تثيرها والمشاكل التي تقاربها والأسئلة التي تصاغ فيها ما زالت دون متطلبات المرحلة الانتقالية التي نحياها. ولذلك نجد عموما أن النشاط الثقافي سطحي وعابر ولا أثر له من الناحية الفعلية في الوضع الثقافي العام. وهذه الوضعية تنعكس على انحصار هذا المجال الثقافي وصعوبة تنشيطه بالقدر الكافي، وكذا ابلاغ ما قد يروج فيه الى عموم المنتظرين».

* النشر والقراءة

* إذا كان قطاع النشر والكتاب بالمغرب قد عرف بعضا من الانتعاش بفضل سياسة الدعم التي تنهجها وزارة الثقافة منذ سنوات مع مجموعة من دور النشر بالمغرب، والتي خلفت تراكما مهما في السنوات الماضية، فإن الكتاب المغربي قد عرف بعضا من التراجع خلال هذا العام على مستوى الانتاجات الابداعية وعلى مستوى الدراسات الأدبية والنقدية، حيث لم تصدر خلال هذا العام سوى مجموعة قليلة من الأعمال المهمة، كما أن نسبة القراءة قد تراجعت بشكل مخيف، حيث وصلت الى 2% حسب احصائيات أخيرة لمكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والاحصائية (ايدسا) التي تمت بايعاز من وزارة الثقافة المغربية. وهو رقم لم يستسغه أغلب المثقفين، خصوصا أن المغرب يتوفر على 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات وعشرات الآلاف من الطلبة الباحثين والمدرسين، وهو ما جعل الكل يتساءل عن السياسة الثقافية المعتمدة بصفة عامة في المغرب، وعن سياسة الدعم بصفة خاصة، والتي على ما يبدو لم تتمكن بعض دور النشر من ان تستمر في نشاطها كـ«دار ايديف للنشر» بالدار البيضاء، وهي احدى أهم دور النشر المغربية التي يديرها الباحث عبد القادر الرتناني، والتي توقفت بشكل اضطراري بسبب الصعوبات المالية التي تعرفها. وهو الأمر الذي تعرفه مجموعة مهمة من دور النشر التي تعيش حاليا في أزمة خانقة ولا تحقق مبيعات مهمة من الكتب، وما زالت لحد الآن لا تتجاوز في طباعتها للكتاب 3000 نسخة إلا نادرا، كما هو الشأن هذا العام مع «دار طارق للنشر» بالدار البيضاء الحديثة العهد والتي حقق الكتاب الصادر عنها باللغة الفرنسية وهو «أبطال بلا مجد» للمهدي بنونة مبيعات مهمة توجت بحصوله على جائزة الأطلس الكبير لعام 2002، التي تمنحها السفارة الفرنسية بالمغرب منذ احد عشرة سنة.

* تراجع المسرح

* عكس المهرجان الوطني الرابع للمسرح بمكناس هذا العام الذي لم تحظ فيه أي فرقة من الفرق المسرحية المشاركة بالجائزة الكبرى للمهرجان، وحجب مجموعة من الجوائز المهمة، مدى تراجع هذا القطاع بالمغرب على الرغم من سياسة الدعم الذي وصلت سنتها الرابعة هذا العام. كما أن الموسم المسرحي بالمغرب طوال السنة لم يشهد انتاجات مسرحية مهمة إلا باستثناء جديد بعض الفرق المغربية مثل: فرقة «مسرح اليوم» مع مسرحية «أربع ساعات في شاتيلا» تكريما لجان جونيه، وفرقة «مسرح أبونيوم» بمسرحية «يا موجة غني» للكاتب الزبير بن بوشتى، وفرقة «فضاء اللواء للابداع» بمسرحية «ترانزيت»، وفرقة «مسرح السرداب» بمسرحية «سوق العفاريت» المأخوذة من بعض كتابات الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي. ولم يخل هذا العام أيضا من الانتقادات المتتالية لسياسة الدعم المسرحي التي ساهمت في تفريخ فرق مسرحية تسعى للاستفادة من غنيمة الدعم دونما مراعاة الانتاج المسرحي المقدم، وهو ما جعل الكثير من المهتمين بالمسرح بالمغرب يتساءلون عن دور لجنة الدعم في تكريس الرداءة بالمسرح المغربي.

وفي تقييمه لهذه الحصيلة المسرحية صرح الناقد المسرحي حسن اليوسفي لـ «الشرق الأوسط» أنها عرفت تراجعا كبيرا خلال هذا العام، وأن الموسم المسرحي ظل باهتا ولم يستطع افراز أعمال مثيرة للانتباه قادرة على التتويج في المهرجان الوطني للمسرح، وفي المقابل عرف الموسم المسرحي ردود فعل نقدية في الصحافة المكتوبة والمرئية.

وأضاف اليوسفي الى أنه «من زاوية الابداع بدا واضحا أن ثمة إجماع على التراجع الملحوظ الذي عرفه الموسم المسرحي لهذه السنة والذي جسده الاداء الضعيف للمسرحيين خلال المهرجان الوطني الاخير بمكناس، فباستثناء مسرحية «ترانزيت» التي حصدت أغلب جوائز المهرجان، كل أعمال الأخرى لم ترق الى المستوى الفني المطلوب وإن كانت بعض التجارب التي لم تتح لها فرصة المشاركة في المهرجان قد أثارت اعجاب المهتمين ومنها مسرحية «يا موجة عني».

وأشار اليوسفي الى أن «الانطلاقة الجديدة التي عرفها المسرح المغربي بفضل تجربة الدعم في حاجة الى دماء ابداعية جديدة لتدارك مظاهر الاختلال التي تلتصق بالتجربة المسرحية المغربية سواء تعلق الامر بتقويم سلوك بعض المسرحيين أو بتجديد ثقافتهم ومعارفهم المسرحية، أو تلقيح متخيلهم الابداعي للقراءة المنتظمة والتفاعل الدائم مع الابداع المسرحي المحلي والعالمي مكتوبا كان أو معروضا».

وعن النقد المسرحي بالمغرب ذكر اليوسفي أن «الكينونة الهشة» للابداع المسرحي المغربي لم تشجع النقاد على متابعته وتشريحه، ولذلك غالبا ما يستعاض عن الوظائف النقدية المطلوبة بصياغة خطاب التشجيع والدعم المعنوي والعناية الرمزية كما لو أن هناك خوفا على هذا الكائن الهش الذي اسمه المسرح المغربي من الانهيار أمام صلابة النقد وقوته المفترضة. وربما بشكل غير واع يتم تكوين جهاز للمناعة لهذا المسرح ولو عن طريق الخوض في قضايا نظرية متصلة به مع محاولة بعث الحيوية على صعيد الأفكار المسرحية والتصورات الرائجة، في انتظار أن يتم تمثلها جيدا من لدن المبدعين والعمل على استلهامها في تجاربهم المستقبلية».

* انتعاش الفن التشكيلي

* عرفت الفنون التشكيلية بالمغرب خلال هذا العام تطورا مهما وانتعاشا ملحوظا، حيث نظمت على مدار السنة مجموعة من المعارض الفردية والجماعية، كما استقبل المغرب عارضين أجانب من اسبانيا وفرنسا وكندا وغيرها من الدول، وقد تميز هذا العام بظهور أروقة فنية جديدة وانخراط مؤسسات بنكية في تدعيم الفن التشكيلي، عبر تخصيص أروقة فنية متميزة لاحتضان اللوحات التشكيلية ومن بين هذه المؤسسات نذكر: مؤوسة أونا بدار الفنون بالدار البيضاء، ومتحف مراكش، ورواق صندوق الايداع والتدبير بالرباط، ومؤسسة ايماجو لشركة طوطال بالدار البيضاء، وودار بلارج بمراكش، ورواق بنك الوفاء. كما تميز بالدفعات المهمة من خريجي معهدي الفنون التشكيلية بكل من تطوان والدار البيضاء ودور كل من النيسابوري والوزاني في بلورة الحس الفني لدى هؤلاء الخريجين. ولكن في المقابل يلاحظ غياب المجلات الفنية المتخصصة في المغرب. أما فن النحت بالمغرب فقد بدأ يعرف هو أيضا تظاهرات مهمة أبرزها التظاهرة التي تشرف عليها الفنانة اكرام القباج والمعروفة بـ«السامبوزيوم» الذي نظمت دورته الثالثة هذا العام. وعن حصيلة هذا الفن لهذا العام صرح الكاتب والفنان التشكيلي حسان بورقية لـ«الشرق الأوسط» أن الفن التشكيلي بالمغرب بصفة عامة خلال هذا العام «عرف تطورا مهما مقارنة مع الأجناس التعبيرية الأخرى كالسينما والرواية.

ويظهر ذلك من خلال تعدد المعارض مقارنة مع السنة الماضية، واستعادة رواق باب الرواح لنشاطه بعد توقف اضطراري نتيجة لأشغال الترميم بداخله، واستمراره في تدعيم الحركة التشكيلية وترويجها. لقد شهد هذا العام تظاهرات فنية جماعية ممثلة في معارض ولقاءات مع تشكيليين مغاربة، برزوا من خلال محاولة تطوير أدائهم والاشتغال على تقنيات جديدة لم يعهدها هذا المجال».

وأضاف بورقية أن هذا العام أيضا تميز بفتح أروقة جديدة بالرباط والدار البيضاء ومراكش وأصيلا. إلا أن الحدث المهم ـ كما يقول ـ هو بناء المتحف الوطني للفن المغربي المعاصر، واقدام وزارة الثقافة المغربية على اقتناء مجموعة من اللوحات التشكيلية كدفعة أولى من مجموعة كبيرة من الفنانية التشكيليين المغاربة. هذا ناهيك من ظهور أسماء فنية جديدة عززت الساحة التشكيلية المغربية بنفس جديد ورؤى مغايرة للوحة والضوء وما الى ذلك من تقنيات العرض.

وأشار بورقية الى أنه رغم ما لوحظ من تطور فإن هناك فراغا في مجال النشر في ما يخص الفنون التشكيلية، حيث يلاحظ غياب المجلات المتخصصة بعد توقف مجلتي «الاشارة» و«أنفاس» اللتين كانتا تفتحان حوارا بين المثقفين والتشكيليين. و«افتقار مدن بعينها الى أروقة فنية جديدة، والحاجة الى الاهتمام الاعلامي الكبير بصريا على الأقل بالفنون التشكيلية، حيث يجب تخصيص برامج ثابثة للتعريف بالفن وبالثقافة التشكيلية بصفة عامة. وضرورة فتح حوار مع سائر الفعاليات الفنية والدعوة الى تنظيم مهرجان قار وموسع وأيام دراسية تعنى بالفنون التشكيلية».

وحتى يصبح العمل الفني جزءا من اليومي المغربي دعا الفنان حسان بورقية الى ضرورة انفتاح الحقل التربوي بمختلف مؤسساته وأسلاكه على الفنون التشكيلية، كتنظيم معارض فنية في المؤسسات واستضافة فنانين تشكيليين أو استضافة التلاميذ في الأروقة خارج المؤسسات».