اعـترافات

أمجد عطيوي*

TT

ما نفع ألمك؟ ما فائدة اناتك؟ اسكت صوت تعبك الذي لا يطاق، وامض نحو الاعتراف بموتك الروحي.

انك لن تبلغ الامنيات الكبيرة ولا الصغيرة، ضاعت تلك الصغيرة بين اعمدة الامنيات العالية.

كنت كشبح اراد ان يعرف نهاية اللاحقيقة، تقبع في خلوتك الموحشة، كالقديسين انت، تعتزل التفاصيل وتسكر من خمرة لن توصلك الى الوجد، لن توصلك الى التسامي الكاذب، تزداد قسوة الالم كلما ادركت ذاتك، ذاتك، ذاتك، صار كشفاً.

تسكن هناك في الحجرة الخاوية تنزل الى الشارع، لا تعرف الاسماء، تواصل لعبة التماهي مع ذواتهم، تشتري الخضار والخبز وعلبة الكولا والمياه المعدنية، وتركب الباص الكبير والباص الصغير، في الباص تؤدي دور المتأمل للشجر اليابس لتعترف امام الله بدورة الحياة، ببراعتها واخيرا لتعترف بسذاجة هذا الاعتراف، تـنزل من الباص الكبير وتبحث بجهد بالغ عن الباص الصغير العائد، تعاود تأدية الدور وتعترف ثم تنزل ثم تصعد ثم تنزل، ثم تصعد ثم تنزل ثم تـنام، في النوم تعاود دورة الصعود والنزول ودورة الاعتراف، تصحو ثم تعاود وتعترف ثم تـنام

استيقظ الآن

بقوة: استيقظ

حان وقت الموت:

* لعـنــات

* اللعنة على هذا العالم. اللعنة على كل التفاصيل الكئيبة المقلقة. تجاوزت لعناته كل الاشياء. كان منفعلا متوتراً. تراكمت احاسيس القهر من القرية وسذاجتها. من قيوده اليومية ومقاساته لالم اللقاء المر مع اناس لا يعرفهم. يجهل غباءهم. يخاف من عنادهم التافه

كل شيء صار ثقيلا. عبئا. محطما. قلق الماضي لا يزال يرهق نفسه. الفراغ القاتل. لعبة الاتاري التي صارت فعلا دائما كإدمان الحشيش. كان الخمر بعيدا بعيدا في القرية التي امتلات بالملائكة الكاذبين. لا متعة. اللعنة على القرية العاقلة. انها بلا مجانين. عززت الخوف في نفسه. سجنته في قلعة ما يقول الناس. كيف ينظرون والا ما يشيرون باصابعهم. الارصاد تقول انه لن يطرأ تحسن على حالة الجو وانما هناك منخفض خوف قادم. هذه المرة لم تعرف نشأته ولا من اين. عزا علماء الارصاد الجوية هذا المنخفض الى السماء. غائمة يا دنياه. غائمة. ومطر الخوف سينزل الليلة كما نزل في الصباح. اللعنة على الارصاد. على العلماء. على المنخفضات الجوية... يا لصوته العالي ويا للعناته التي لا تنتهي.

الهاتف الجوال يرن

رنة

رنة ثانية

رنة ثالثة

ضغط بعصبيه على زر التشغيل

الو

انا

توقفت اللعنات. واعلن الراصد الجوي المحترم انكشاع المنخفض وعلا صوتها يجلجل في ارجاء اذنه العتيقة وتعالت الضحكات.

* غياب ضوء

* انطفأت الاضواء فجأة في البلدة التي رحلت عنها اصوات الاغنيات لتبقى اصوات تنعى اناساً ماتوا وتحدد موعد الدفن ومكان العزاء. انطفأت الاضواء في البلدة التي بلا ملامح وبلا هوية والجو حار ولا هواء في هذا الاختناق. وانت تسند رأسك على المخدة الصغيرة فوق سريرك القديم. واجهة الضوء الذاهب بلا انفعال فانك تعرف ان الغياب هو المصير وان لا شيء جميل يضطر للبقاء طويلا. البلدة هامدة كالجثة المصعوقة من هول الموت الرهيب. الشوارع عطشى للمصابيح القليلة. وتخرج انت بلا تخطيط. لا تعلم لماذا خرجت والى اين تسير مخلفا وراءك بيتك الكئيب. مشيت تأملت الاشياء. لا شجر هنا. لا شيء. جلست عند آخر الشارع واخرجت علبة السجائر واشعلت السيجارة الاولى. احسست بأنك آخر انسان حي. بانك المعمر الوحيد في العالم الميت. وتساءلت عن اللغز والنسبية فما تراه انت حيا قد يراه غيرك ميتا. ربما وحدك في الحفرة. وقع اقدام سمعت تأتي من الزقاق. هناك حي آخر قلت. اقتربت القدمان. لم يتحدث. لم يسلم. جلس بجانبك. لم تعرفه. لم تحاول ان تعرف. صمت غريب طبع ذلك اللقاء الصاخب بالتأمل. لكنك رغم الصمت صرت سعيدا بتلاشي العزلة. لا بد سيبقى حتى يعود الضوء، قلت. لن يتركني مقابل الليل والسيجارة المرة. مضت ساعات اللاوحدة سريعا ووقف الاتي من بعيد لم ينظر نحوك. لم يفسر قرار الرحيل. لم يلعن الليل او غياب الضوء. ومشى تاركا آخر الشارع وانت تشعل السجارة السابعة والعشرين. تعتصر الالم الساكت وتدمع بلا صوت. لكنك لم تسأله. وقررت في لحظة الجنون الكبير ان تشعل سيجارتك الاخيرة وان تدمع اكثر.

* كاتب من فلسطين