تكريم أديب الأحساء السفير أحمد بن علي المبارك

TT

الشيخ أحمد بن علي المبارك، الذي يتلقى هذا المساء درع التكريم السعودي من ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ضمن احتفالية الجنادرية، هو واحد من جيل الرواد الذين حفروا بصبر ومثابرة طريقاً نحو عالم مختلف.

لم يكن الشيخ المبارك الذي تزهو منطقة الأحساء في المنطقة الشرقية بتكريمه هذا المساء، سوى رجل انفلت من رحم الممكن إلى فضاء الحلم والأمل، فاستطاع أن يحقق أمنية الصبا وحلم الكهولة، كانت أمنيته وهو صغير أن يتعلم.. وحين وجد القوالب العلمية في منطقته تضيق بفكره حاول الخروج الى عالم آخر، وفي ذروة اشتعال الصبا داخله قرر أن يهرب من بين أيدي معلميه في الاحساء حيث ازدهرت علوم الكتاتيب والدورات العلمية في البيوت والمساجد، قرر أن ينفتح على أفق أوسع، فمارس بطفولية أولى مغامراته التي فتحت له فيما بعد أبواب الأمل. هرب من أسرته وهي اسرة علمية الى البحرين، فبعض الجزر في الخليج، فالكويت، ومنها الى البصرة في العراق فبغداد. لكن حلمه الصغير ما لبث أن إنكسر مبكراً، حين عاوده الحنين الى نخلات هجر وعيون الأحساء ومرابعها، واستبد به القلق وهو يشعر بتأنيب الخروج عن نظام الاسرة وتقاليدها، فراح يكاتب ويراسل والده طالباً العفو والأمان حتى تمكن من العودة الى موطنه، لكنه سرعان ما وجد نفسه يتوق للهجرة والتعلم، فانعقد مجلس عائلي ليقرر له القاهرة وجامع الازهر مكاناً للدراسة، ومن هنا إنفتح له باب العلم على مصراعيه، فراح ينهل من دراسة الادب واللغة حتى تخرج وتلقفته الوظائف الحكومية في سلك التعليم ثم الخارجية، ولم يكن يعلم احمد المبارك أن مغامرته الاولى في عالم الاسفار ستفتح له ابواب العمل في ميدان يتطلب منه السفر والتنقل وعدم الاستقرار الا بعد أن وجد نفسه يلج أبواب العمل في وزارة الخارجية حيث مارس مبكراً العمل في الحقل الدبلوماسي سفيراً لبلاده في العديد من الدول العربية والافريقية، إلى أن انتهى به المطاف من جديد بعد أربعين عاماً في العمل الدبلوماسي، في ربى الاحساء يعيد ترتيب مشاغله الادبية. فكانت (أحدية المبارك) أول وأهم هذه الانجازات التي حققها، حيث أقام قبل 12 عاماً ديوانية في منزله للأدب والثقافة مساء كل أحد، وعمل على استضافة الشخصيات الادبية والشعرية، ولاقت الامسية اقبالاً جيداً في منطقة الاحساء سيما أنها تنضم الى العديد من الديوانيات الثقافية هناك، فبالاضافة الى (أحدية) المبارك، تعقد في الاحساء منتديات أدبية اخرى مثل (ثلاثية) المغلوث التي يقيمها الأخوان عبد الله وخالد الأحمد المغلوث، و(إثنينية) النعيم للأديب محمد بن صالح النعيم، و(سبتية) الموسى التي يقيمها عبد العزيز الموسى، و(ثلاثية) العفالق، لعدنان العفالق. وعلى غرار الامسيات التي تقيمها جمعيات الثقافة والفنون والاندية الادبية يسيطر الشعر على مثل هذه الديوانيات، وتستقطب كل واحدة منها جمهوراً يجد نفسه منسجماً مع اتجاهاتها الادبية.

ولا تختلف (أحدية) المبارك عن غيرها كثيراً، فهي تتسم بالتقليدية والكلاسيكية، ولديها موقف مناهض للاتجاهات الأدبية الحديثة، والشيخ المبارك نفسه ذو ميول أدبية تقليدية، فهي ينسجم بشكل مطلق مع الشعر العربي الموزون، وينفر من قصائد النثر، لكنه أيضاً لا يجد تناقضاً بين اهتمامه بالفصحى وبين تشجيع الشعر العامي والنبطي.

والحقيقة ان المبارك لم يعرف عنه أنه أديب بشكل خاص، وإنما يتعاطى الأدب جنباً إلى جنب مع اهتمامه بالبحوث التاريخية وخاصة ما يتعلق بمنطقته الاحساء، وقد عرف من خلال عمله في الحقل الدبلوماسي، لكنه ما أن أنتهى من وظائفه الحكومية حتى عاد للاهتمام بالحقل الادبي عبر تشجيعه الادباء الشبان واستضافتهم في مجلسه وتنظيم الامسيات لهم، وتشجيع الكتابات الادبية، والانضمام لإدارة النادي الادبي في الشرقية.

* المبارك في سطور

ـ ولد في الهفوف بالأحساء (شرق السعودية) 1337هـ (1916م).

ـ درس الفقه والحديث والنحو والصرف والأدب والتاريخ على والده وعدد من مشائخ الأحساء. وقد بدأ دراسته على يد (المطوع) في ذلك الوقت وعمره سبع سنوات.

ـ وتعود أولى مغامراته في طلب العلم حين كان عمره 15 عاما، حين غرب في مواصلة تعليمه في إحدى الحواضر العلمية كالقاهرة وبغداد، ولاعتراض والده على غربته المبكرة وخوفاً عليه (من رفاق السوء) كما يذكر هو في كتاباته، سافر سراً وفي رحلة مليئة بروح المغامرة الى بغداد، حيث انتقل من الأحساء الى البحرين وتنقل من هناك في عدة جزر في الخليج العربي، ثم اتجه بحراً الى الكويت ومنها إلى مدينة البصرة فبغداد، ودرس في دار العلوم العربية والدينية لكنه لم يستقر نفسياً، فحاول العودة مجدداً الى الاحساء، وراح يكتب لوالده هناك طالباً الأمان، حتى عاد الى مسقط رأسه.

ـ تجدد حنينه لطلب العلم، ولم تفلح محاولات ذويه ثنيه عن الهجرة في سبيل ذلك، فكتب له والده الشيخ علي بن عبد الرحمن المبارك (المتوفى سنة 1362هـ، 1941م) كتاباً للملك عبد العزيز في الرياض يلتمس منه ابتعاث ولده احمد المبارك الى القاهرة للدراسة في الجامع الأزهر.. وقد تم له ما أراد، حيث انتظم المبارك في الدراسة في الأزهر وتدرج في دراسته الإعدادية والثانوية، ثم التحق بكلية اللغة العربية وحصل منها على ليسانس في اللغة العربية وآدابها، سنة 1949، ثم التحق بجامعة عين شمس وحصل منها على دبلوم في التربية وعلم النفس من معهد التربية العالي عام 1951.

ـ بعد عودته للمملكة التحق في العام 1952 بمديرية المعارف العامة وكانت اول وظيفة له مفتشاً عاماً للمدارس الأبتدائية والثانوية. وبعد عام تم تعيينة معتمداً للمعارف في منطقة جدة ورابغ، وبعد أن تحولت المعارف الى وزارة أصبح مسمى وظيفته مديراً عاماً للتعليم في منطقة جدة.

ـ في 1954 نقلت خدماته لوزارة الخارجية، وعين بها مديرا للادارة الثقافية والصحية.

ـ في 1955 انتقل للعمل في سفارة المملكة لدى الأردن ثم عمل في سفارة بلاده لدى الكويت. ثم أعيد ليعمل في وزارة الخارجيه برتبة مستشار ومدير لإدارة الصحافة والنشر.

ـ في 1962 عمل قنصلا للمملكة في مدينة البصرة بالعراق.

ـ في 1965 عين قائما بالأعمال في (اكرا) عاصمة دولة غانا.

ـ في عام 1970 عين سفيرا في قطر بعد استقلالها فكان أول سفير للمملكة فيها.

ـ عاد بعدها لوزارة الخارجية وعين مديرا للإدارة الاسلامية بالوزارة وممثلا للمملكة في منظمة وزراء خارجية الدول الاسلامية. واستمر بها الى ان انتهت خدماته عام 1994.

ـ عضو في مجلس ادارة النادي في المنطقة الشرقية.

ـ عضو في رابطة الادب الاسلامي.

* المؤلفات والإصدارات

1- رسائل في المودة والعتاب والاعتذار.

2- الأحساء ماضيها وحاضرها.

3- علماء الاحساء ومكانتهم العلمية والادبية.

4- عبقرية الملك الراحل عبد العزيز.

5 ـ سوانح الفكر .. مقالات في الفكر والحياة والمجتمع.

6 ـ «في بداية الطريق» .. كتاب عن رحلته في طلب العلم. وكتاب آخر عن حياته العلمية سماه «في منتصف الطريق».

7ـ تأملات في الحياة والناس ـ مجموعة خواطر نشر بعض منها في الصحف والمجلات.

8 ـ الدوله العثمانية ـ معطياتها وأسباب سقوطها.

9 ـ بالاضافة الى ديوان شعر.

* لقطات

* المبارك بين المتنبي وكافور الإخشيدي

كان أول ما كتبه في وقت مبكر من حياته بحثاً جدلياً يثبت فيه بالبراهين الشعرية أن المتنبي كان يهجو كافور الإخشيدي ملك مصر (في نفس القصائد التي كان يمدحه فيها).. أي أن الهجاء لم يأتِ كنتيجة للخلاف بينهما وإنما أصل، نتج عن رؤية وموقف المتنبي من كافور، وكان عمر احمد المبارك حينها 15 عاماً.

* أحدية المبارك في الأحساء

* تعد ديوانية الشيخ أحمد المبارك واحدة من أهم المرابع الأدبية في منطقة الاحساء والمنطقة الشرقية بشكل عام، فقد جرت العادة أن ينظم الشيخ المبارك في ديوانيته مسامرات ادبية وشعرية ونثرية لأدباء وخطباء محليين أو زائرين، مساء كل أحد في منزله بالهفوف، وقد لاقت الديوانية إقبالاً ملحوظاً من ادباء الاحساء، وعرفت الديوانية بـ «أحدية المبارك».