باحث سعودي يدعو لطرح مشروع إسلامي نهضوي

د. محمد الهرفي لـ «الشرق الأوسط»: لنبرز الجانب الحضاري للإسلام إذا أردنا الوقوف معه في محنته

TT

ضمن ندوات الجنادرية «هذا هو الاسلام» القى الدكتور محمد الهرفي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية محاضرة دعا فيها المسلمين لتقديم الاسلام بصورة مختلفة عن النمط القديم، ودعا لبلورة مشروع نهضوي يقدم الجوانب المشرقة في الحضارة الاسلامية كتشجيع العلم والحرية واحترام المرأة. هنا حوار معه:

* حمل المحور الرئيسي لمهرجان (الجنادرية) عنوان «هذا هو الاسلام».. كيف تعرف الاسلام المراد تقديمه للعالم؟

ـ ليس من السهل تعريف الاسلام ببضع كلمات، بل ولا ببضع صفحات، ذلك أن جوانبه متعددة، وقضاياه كثيرة.. والاسلام دخل دائرة الضوء بقوة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001، ولكن هذه الدائرة بدأت تضيق عليه محاولة خنقه وتدميره، ومن هنا كان لا بدّ أن يُقدم الاسلام بصورة مغايرة تماماً للنمط القديم، هذه الصورة تحفظ له الجوهر، وتبرز جوانبه المضيئة التي تدفع عنه كل ما قيل فيه.

* هل تتحدث عن الجانب الروحي للدين؟.

ـ أنا هنا لا اريد أن أتحدث عن العبادات في الاسلام مع أهميتها، لأنها تعتبر علاقة خاصة بين المسلم وربه، ونحن اليوم في حاجة قوية لإبراز الجانب الآخر من الإسلام، وهو الجانب الحضاري المشرق.. هذا الجانب الذي كاد أن يُنسى بسبب الضغوط القوية التي تمارس على المسلمين من المسلمين انفسهم قبل أن تمارس عليهم من الآخرين.

* هل هناك تصور واضح لما تسميه بالجانب الحضاري (الآخر) في الاسلام؟.

ـ أعتقد أن الوقت قد حان لإجراء حوار مع النفس بصورة جادة وقوية وسريعة إذا كنا جادين في مسألة الوقوف مع الاسلام في محنته التي يتعرض لها اليوم.. علينا ان نبرز الجانب الحضاري في حسن التعامل مع الآخرين سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، وسواء كانوا بشراً أم بهائم.. علينا أن نقول بوضوح إن الدين هو المعاملة، وإن الابتسامة في وجه الآخر صدقة، فكيف بغيرها مما هو أكبر منها؟.. علينا أن نقول للآخرين إن رسولنا الكريم أخبرنا أن امرأة دخلت النار بسبب اساءتها لقطة، وأن رجلاً دخل الجنة لأنه أسقى كلباً ماءًَ، فأين كل هذا مما يدعيه الآخرون من الرفق بالحيوان؟.. ومرة أخرى إذا كان هذا الاجر كله بسبب الإحسان لغير الإنسان فكيف يكون الأجر إذا كان موجهاً للإنسان؟ والإنسان هنا يشمل المسلم والكافر، فرسولنا يقول : (في كل كبد رطبة صدقة).

* أين صورة الاسلام السياسية ؟.

ـ الإسلام كما أفهمه دين العدالة والمساواة وقد أكد على هذه الناحية في القرآن الكريم وفي اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، فالناس في عرفه سواسية لا فرق بين حاكم ومحكوم وتاريخنا مليء بالشواهد على عدالة المسلمين. والعدالة هنا ليست وقفاً على المسلمين لكنها تشمل غيرهم.. وقصة الإمام علي مع اليهودي الذي سرق درعه مشهورة ومعروفة. وكما هو دين العدالة فهو الدين الذي يدعو للحرية ويأمر اتباعه أن يكونوا أحراراً، وكلمة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحراراً) أصبحت علامة بارزة على هذا النمط من مسيرته في التعامل بين الحاكم والمحكوم.

* لكن العالم الغربي ينتقد الحريات لدى المسلمين ويتصدى للدفاع عنها..

ـ الذي يفهم مكانة الحرية في الاسلام لا ينتظر من الأميركان أن يحدثوه عن حقوقه وحرياته.. أليس في تاريخنا مئات الشواهد على هذه الحرية؟.. ألم يكن الفرد المغمور يقف معترضاً على الخليفة وأمام الناس ليقول ما يعتقد أنه حق ؟ .. فلماذا لا يبرز هذا الجانب من اسلامنا وحضارتنا؟

* لكن الحضارة الغربية كما يقال أكثر تطوراً وإعمالاً للعقل ..

ـ الاسلام ايضاً دين العقل، وهو ايضاً لا يتعارض معه وإنما يدعو لإعماله والاستفادة منه وآيات القرآن الكريم التي تبرز هذا الجانب كثيرة ومن هنا فإن حضارة الإسلام الأولى انتشرت في جميع أرجاء الأرض، وأسماء اعلام المسلمين في الطب والفلك والكيمياء والهندسة وغيرها أكثر من أن تحصى وهذه العلوم كلها تدخل ضمن دائرة العلوم التي يؤجر عليها المسلم.

* وماذا بشأن المرأة؟.

ـ أنا افهم الاسلام على انه الدين الذي عامل المرأة معاملة كريمة وجعلها مساوية لأخيها الرجل فخاطبها القرآن كما خاطب الرجل وكرمها كما كرمه وجعلها مساوية له في الحقوق والواجبات، إنه من العدل أن يبرز هذا الجانب في الاسلام في زمن كثر الحديث فيه عن امتهان الاسلام للمرأة، وفي زمن بدأنا نسمع أن الآخرين يتحدثون فيه عن المرأة المسلمة مطالبين بإنصافها.. علينا أن نقول لهم إن رسولنا الكريم في آخر حياته وفي آخر خطبه أوصى بالمرأة وحثّ على معاملتها معاملة حسنة وتوعد من يسيئ اليها.

* وكيف ترى شكل العلاقة مع المخالفين في ظل التصور الاسلامي؟.

ـ لا شك أن معاملة الاسلام الآخرين في حالتي الحرب والسلم هي معاملة نادرة المثال بمقارنتها بالديانات الأخرى.

* ما ذكرته اشياء واضحة.. لكن هل لدينا مشروع لتقديم الاسلام بهذه الصورة للآخرين؟.

ـ أقول بحسرة لا اعتقد ذلك، ولم أرَ ولم أسمع شيئاً من هذا، وكل ما أعلمه أن الصورة النمطية التقليدية هي السائدة في تفكيرنا.. هذه الصورة هي التي اراها في اعلامنا وفي الاعلام العربي عامة.

* ما رأيك بما استمعت اليه من محاضرات وندوات (الجنادرية) حتى الآن في التعريف بالاسلام؟.

ـ الذين تحدثوا حتى الآن عن الإسلام كانوا يتحدثون وكأنهم يخاطبون طلاباً في الجامعة بل في المستويات الأولى.. ربما أهمل المتحدثون أن الكثير من المستمعين من مجتمعات مغايرة لمجتمعاتهم وأنهم كانوا بحاجة إلى سماع شيء جديد عن الاسلام.. كانوا بحاجة الى معرفة رأي الاسلام في كثير من القضايا الهامة التي تدور من حولهم وتتهم الاسلام بالارهاب والتخلف.. وكان هؤلاء يودون أن يستمعوا ايضاًُ الى رأي أهل الاسلام عما يسمعونه عنهم في بلادهم وفي اعلامهم في طرح علمي هادئ وقوي ومقنع.

* المحاضرات وحدها والندوات لا تلبي الغرض.. ما الذي تقترحه؟.

ـ إننا في أمس الحاجة الى طرح مشروع اسلامي نهضوي يتفق مع ثوابتنا ويحقق في الوقت نفسه رغبتنا في إعطاء الآخرين صورة حقيقية عن الاسلام مغايرة لما يسمعونه عنه.. وبلادنا مطالبة قبل غيرها ببلورة هذا المشروع لأنها بلاد الحرمين أولاً، ولأنها مستهدفة وتوجه لها بعض الاتهامات المتعسفة.