كتاب يعيدون التاريخ ليرووه من جديد

محمد ديب: على الكتاب الجزائريين أن يخجلوا من الكتابة بالعربية

TT

مع كاتب ياسين ومولود فرعون ومولود معمري ومالك حداد، كان محمد ديب البالغ الآن من العمر 82 عاما، أحد صانعي مجد الادب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. وكان اندريه مالرو قد نوه بثلاثيته الشهيرة «البيت الكبير» و«الحريق» و«النول» التي تدور احداثها في مدينة تلمسان، مسقط رأسه. قبل اندلاع حرب التحرير الجزائرية.

وكان محمد ديب الذي استقر في باريس منذ فترة طويلة قد حصل على جائزة «مالارميد» عام 1998. وقبل ذلك كان قد اصدر ثلاثية أخرى تدور احداثها في فنلندا وهي: «سطوح اورسول» و«نوم حواء» و«ثلوج المرمر» ومطلع العام الحالي قامت دار «لا ديفيرانس» بباريس باعادة طبع ثلاثة من اعماله وهي: L.A. TRIP وهي رواية شعرية و«الظل الحامي» وهي مجموعة شعرية كانت قد صدرت عام 1961 بتقديم من الشاعر الفرنسي الشهير لوي اراغون، و«نوم حواء» وهي من ضمن الثلاثية «الفنلندية» التي ذكرناها قبل قليل.

وعن L.A. TRIP التي تدور احداثها في مدينة لوس انجليس الأميركية يقول محمد ديب الذي لا يزال قادرا على تحدي متاعب الشيخوخة بفضل مواصلة الكتابة: «ان هذه الرواية، اي L.A. TRIP هي انا وانت في تلك العلاقات غير المختارة مع الآخرين. انها تعبير عن جسد انهكه النثر فالتمس الدفاع عن نفسه بواسطة الشعر. ان شعري يتبع نغما صارما يكاد يوازي نغم الشعر الموزون». ويواصل محمد ديب الحديث عن روايته قائلاً: «تدور احداث الرواية المذكورة في مدينة لوس انجليس الاميركية. ففي عام 1976، كنت قد درست الادب في جامعة تلك المدينة. والحقيقة انها ليست مدينة، بل مجموعة من المدن. وكنت من وقت وآخر، افرّ من الجامعة واذهب الى المقاهي الفاخرة التي يؤمها مشاهير نجوم هوليوود. وجاءت روايتي انعكاسا لهذه الجولات عبر المقاهي».

ويرى محمد ديب ان اختياره للغة الفرنسية كأداة للكتابة لم يكن عائقا بالنسبة له: «بالعكس، كانت اللغة الفرنسية حافزا على الابداع بالنسبة لي. انظروا الى كونراد البولوني الذي ابدع في الكتابة باللغة الانجليزية حتى ان الانجليز انفسهم اصبحوا يرون صورتهم فيه اكثر مما يرونها في كتابهم الاصليين. وكان غيوم ابولينير من أم بولونية، ومن اب ايطالي غير انه كتب بالفرنسية،. ويعتبر واحدا من أهم صانعي الحداثة الشعرية في فرنسا. وهناك ايضا اغوتا كريستوف الهنغارية التي اصبحت منارة في الادب الفرنسي راهنا وذلك بعد صدور روايتها: «الكراس الكبير».

ومتحدثا عن صديقه اراغون الذي كتب مقدمة لمجموعته الشعرية «الظل الحامي» قال محمد ديب: «كانت السلطات الفرنسية قد ابعدتني من الجزائر الى فرنسا عام 1959 بتدخل من اندريه مالرو وايضا من البير كامو الذي لم أكن اعرفه جيدا في ذلك الوقت. وفي باريس، عاشرت طويلا لوي اراغون الذي كتب في مجلة «الآداب الفرنسية» التي كان يديرها، عدة مقالات عن اعمالي. وكان متحدثا ساحرا. والمفارقة انه هو الذي انقذني من الانضمام الى الحزب الشيوعي ولو بقيت في الجزائر لكنت فعلت ذلك».

وهاجم محمد ديب اللغة العربية بشدة وقال: «على الجزائريين ان يخجلوا من الكتابة باللغة العربية، هذه اللغة القديمة، الكلاسيكية التي تضاهي اللغة اللاتينية أو اليونانية»!.

* مجزرة الأورال

* في «ايكاتير ينبورغ» بالاورال، في الليلة الفاصلة بين 16 و 17 يوليو (تموز) 1918، اغتال البلاشفة في الطابق الارضي للبيت الذي كانوا يقيمون فيه القيصر وافراد عائلته، وخدمهم الاربعة، والقيت جثثهم الاحدى عشرة في قبر واحد على بعد عشرين كيلومترا من هناك، وبعد التحريات التي اجريت بمناسبة مرور 70 عاما على تلك المجزرة الرهيبة، تبين ان هناك جثتين ناقصتين هما جثة ابنه الاصغر الكسي، وجثة واحدة من اخواته الاربع ماذا حدث لهما؟ على هذا السؤال يحاول المؤرخ ادفارد رادزينسكي الذي يجب ان يتبع طريقة المفتشين السريين، والذي استطاع ان يسبر اغوار اسبوتين الرهيب، وقد استند في بحثه الذي قدمه في كتاب حمل عنوان: «نيكولا الثاني، آخر القياصرة» الى وثائق نادرة ومجهولة ذات أهمية بالغة مثل المذكرات الشخصية لنيكولا الثاني نفسه والذي شرع في كتابتها منذ ان كان في سن الرابعة عشرة التقرير الخاص الذي اعده اياكوف يوروفسكي قائد الكتيبة التي اقترفت تلك المذبحة في عام 1919.

وتؤكد المذكرات التذبذب الذي كان يعاني منه نيكولا الثاني، وعدم قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة في الساعة المناسبة. كما تؤكد انه لم يكن يعلم جيدا بشؤون رعيته. فهو كان يجهل مثلا ان جنوده اطلقوا النار على الشعب في ساحة «قصر الشتاء» في يناير (جانفي) 1905. وعندما اندلعت الثورة البلشفية ذات يوم احد سمي في ما بعد: بـ «الاحد الدموي» لم يكن يدري ان كان من الافضل ان يعين على رأس حكومته «عسكريا قويا» أو ان يسعى الى «ضرب حركة المتمردين بالقوة وبأية طريقة ممكنة» أو ان يسمح بالتعددية والديمقراطية وحرية التعبير. وبعد ان صلى لله بحرارة، قرر بتحريض من المحيطين به ان يواجه حركة التمرد بالقوة. فكانت النتيجة انهيار الامبراطورية وصعود البلاشفة الى السلطة بقيادة فلاديمير اليتش لينين.

وقد تمكن رادزينسكي ان يرسم بدقة متناهية صورة للمجزرة الرهيبة التي ذهبت ضحيتها العائلة القيصرية وخدمها الاربعة، مؤكدا ان لينين هو الذي اعطى الضوء الاخضر لقتل القيصر، اما قتل افراد اسرته مع الخدم فكان قرارا خاصا صادرا عن قائد الكتيبة ايا كوف يوروفسكي.

* رؤية أميركية للثورة الفرنسية

جميع المؤلفات التي خصصت للثورة الفرنسية عام 1789، تؤكد ان فلسفة الانوار باقطابها الثلاثة: فولتير وديدرو وروسو هي التي مهدت لها. غير ان المؤرخ الاميركي «دال. كـ. فان كلاي» Dale K. Van Klay يقدم رواية مغايرة ويحاول ان يثبت ان هناك جذورا لينينية لتلك الثورة. وهو لا يكتفي بالقول بأن رجال الدين الفقراء كانوا مساندين للثورة منذ بدايتها، بل يرى ان المنشقين من رجال الدين من البروتستانت ومن الجنسينيين (نسبة الى جنسينوس صاحب المذهب المتعلق بالنعمة الالهية وبالجبرية) الذين حاربهم النظام الملكي في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

ويقول «دال. كـ. فان. كلاي» بأن لويس الرابع عشر كان متشددا في محاربة رجال الدين وانه ارغم الاساتذة في جامعة السربون على منع افكارهم محاولا ان يؤكد للشعب الفرنسي انه الوحيد القادر على حماية العقيدة المسيحية. وكان لويس الرابع عشر يعتقد اعتقادا راسخا ان محاربة هؤلاء سوف يكون عملا سهلا لن يكلفه جهد سحق زنيور» غير ان الاحداث، بينت في ما بعد خطأ قراره ذاك الذي ورطه في مأزق كبير وكان من جملة العوامل الاساسية التي عجلت بتلك الثورة الشعبية العارمة التي قوضت نظامه.

ويذهب «دال. كـ. فان. كلاي» الى ان اغلب الثورات كانت دينية في جوهرها وان الثورة الفرنسية لم تكن استثناء.