مجلات

«الاغتراب الأدبي» تودع قراءها بعد تآكل «رصيدها» المالي وجريان قطار العمر

TT

«اذن بين يديك العدد الاخير من هذه المطبوعة» بهذه العبارة الفاجعة قررت مجلة «الاغتراب الأدبي» وضع حد لصدورها خلال فترة زمنية امتدت حوالي 17 عاما من المكابدة.

صدرت هذه المجلة عام 1985 محاولة ان تقيم جسرا للمعرفة والتعارف بين ادباء تشتتوا في اركان المعمورة. كانت هذه «المجلة» الادبية الفصلية التي رأس تحريرها صلاح نيازي تساعده سميرة المانع تصدر بانتظام من لندن وتصل كذلك بانتظام ومجانا، في كثير من الاحيان لثلة من القراء اختارتهم هيئة تحريرها في عدة اقطار عربية، وكان سعاة البريد يحملونها بانتظام الى هؤلاء القراء دون ان يطالبوهم بتسديد اي شيء رغم ان المجلة تباع كما هو مكتوب في غلافها الخلفي «بأربعة جنيهات او ما يعادلها».

تقول افتتاحية الوداع في المجلة «.. لنكن اكثر صراحة فإن الاجيال المغتربة الجديدة بحاجة الى مجلة جديدة والى اسرة تحرير جديدة، ترانا بسبب تقدم السن وشحة المورد غير قادرين على تحمل مسؤولياتها».

هكذا يقول صلاح نيازي وسميرة المانع. وهما يقرران ان السن تقدمت وقطار العمر يمضي والموارد الشحيحة اصلا قد نضبت.

تقول المجلة في الافتتاحية الاخيرة «هكذا دخلت الاغتراب الادبي كسد رمق وها هي تخرج بعد ان ادلت بشهادتها بنزاهة قدر الامكان».

صدرت هذه المجلة في الاصل لتنشر ادب الكتاب والادباء العراقيين في المهجر ثم ما لبثت ان اتسعت لتشمل نشر كتابات وترجمات لأدباء وكتاب عرب واجانب، وكانت كثيرة الاحتفاء بأدب الاطراف في العالم العربي.

في العدد الاخير الذي حمل رقم 52 كتب حسين هنداوي كلمة وداعية مؤثرة يقول فيها «بداهة لم تكن «الاغتراب الأدبي» مثالية او نموذجية او مغرية على الدوام بيد انها نجحت في ان تجمع او بالأحرى ان تبعثر على صفحاتها كل ذلك العدد المدهش من اسماء المبدعين. ويضيف «اعرف ان غيابها سيكون خسارة كبيرة لثقافتنا الراهنة المغتربة لا سيما في لحظة المجهولات هذه».

ونشرت المجلة مقتطفات من رسائل من أدباء وكتاب في مناسبات وسنوات مختلفة بعضها يناشد اسرة تحريرها بالصمود، واعتبرت المجلة تلك الرسائل بمثابة «رسائل شخصية في ذمة التاريخ».

ومن بين الذين اعجبتهم مغامرة صلاح نيازي نقرأ في رسالة كتبها عدنان صائغ عام 1997 يقول فيها مخاطبا نيازي «.. لن انسى ما حييت انك كنت تبعثها لنا دائما متحملا تكاليفها وبريدها في عمان وبيروت والسويد.. لقد تحسن وضعي في السويد فارجو ان تتكرم وتتقبل مني بدل الاشتراك البسيط هذا.. ما زلت جديدا في المدينة لا اعرف كيف احول المبلغ بالبنك لذا ارسله داخل الرسالة وآمل ان يصل سالما مع الاعتذار والمحبة».

وهناك رسائل أخرى تدعو الناقد والمترجم صلاح نيازي والروائية سميرة المانع بالاستمرار، تحفزهما في الواقع على الصمود ومن بين هؤلاء جليل العطية وطارق حربي ومحسن الكندي ومحسن الرملي وطه عدنان.

والواضح ان «الاغتراب الأدبي» كانت بمثابة نقطة لقاء لكتاب وأدباء عراقيين بالدرجة الاولى تشتتوا في الاصقاع، وكانت ترمي الى اقامة جسر بين هؤلاء.

في العدد الاخير ملف حول «الاستشراق النرويجي» اضافة الى مقالات ونصوص وقصص قصيرة واشعار من بينها قصيدة لصلاح نيازي يقول فيها:

نحن شخصان تماثلنا رؤى

كالصدى من صوته قد نسجا

كم «مشيناها خطى مكتوبة»

وقطعناها سنينا لججا

هكذا لن يحمل لنا البريد في ما وراء البحار مستقبلا مجلة «الاغتراب الأدبي» ولن نقرأ بالتالي بعض النصوص المفرطة في الصرامة والجدية لأن اصحاب المجلة كانوا لا يقبلون «المساهمات الغارقة في الجدة والغرابات».