فرع جديد لنادي القصة السعودي يبدأ برامجه متعثرا

تجاوز واضح لجيل التأسيس والمبدعون يرون فيه صورة حقيقية لعلل المؤسسات الثقافية

TT

كلما لاذ المثقفون السعوديون بأحد الأشكال المؤسساتية اكتشفوا أنه مجرد «شلة» تحكمها الأهواء، ولا تحمل مقومات البقاء، وتأكدوا أنها نزعات وقتية، وصيغة معدلة من «المجاملات» التي تحكم قبضتها على الحالة الثقافية منذ زمن بعيد.

عادت هذه الصورة مع تأسيس فرع جديد لنادي القصة في مدينة جدة السعودية ليضم مجموعة من كتاب السرد وبعض النقاد والصحافيين مع إهمال بدا متعمداً لعدد كبير من المشتغلين في هذا المجال وسط استغرابهم من إجراء كهذا، ومن هؤلاء عبد الله الجفري، عصام خوقير، إبراهيم الناصر الحميدان، غالب أبو الفرج، محمد صادق دياب، فؤاد عنقاوي، علي حسون، محمد عجيم، عمرو العامري.

النادي يتبع جمعية الثقافة والفنون التي دشنت الفرع الأول في مدينة الرياض قبل سنوات، وهو من القطاعات المعروفة في الساحة السعودية، وكان قد قدم عدة مجموعات قصصية لكتاب يمثلون أجيال الكتابة الإبداعية، كما نظم عدة مسابقات تمنح جوائزها عبر خمس فئات، وحازها كتاب من الذكور والإناث يعدون اليوم من الفاعلين في المشهد الثقافي.

ويضم النادي في مقره بمدينة الرياض أرشيفاً متكاملاً لكتاب النص السردي، ويشرف عليه القاص والمكتبي خالد اليوسف، وساعدت النظم التي يتبعها النادي كثيراً من الباحثين على الوصول إلى المنجز الثقافي السعودي، كما كان رافداً حقيقياً لكثير من الدراسات الأكاديمية حول المشهد السردي في البلاد.

لكن ولادة الفرع الجديد في مدينة جدة أتت مفاجئة ودون مقدمات تسمح بتحقيق الأهداف، وعجزت عن جمع شتات المبدعين بعد أن توزعوا بين أروقة الأندية الأدبية وبعض التجمعات العابرة.

* خوقير: أبحث لهم عن أعذار

* الروائي السعودي الدكتور عصام خوقير (أحد الذين تناساهم النادي) قال في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: لقد سعدت سابقاً لتأسيس فرع نادي القصة بجدة، ومرجع هذه السعادة ومؤجج أوارها، أنني ظننت أن قد جاء الفرج للإفراج عن بنات الأفكار حبيسة الأدراج المقفلة، أو كما سبق أن سماها الشاعر أحمد قنديل بقوله «أدب الكوابر» إشارة إلى ما كان قائماً أيام بزوغ فجر النهضة محلياً.

ويضيف: لست هنا في موقف الملامة للقائمين على شؤون فرع نادي القصة، ولكنني أقول استمساكاً بأدبية الاختصام وليس الخصومة «لعل له عذراً وأنت تلوم» أو لعله أنسي أسماء أولئك الرواد السابقين في هذا النسق الأدبي أدب القصة والرواية، والنسيان فطرة بشرية ورثناها عن أبينا آدم عليه السلام كما ذكر في الكتاب «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً» ومما جاء عن السلف إرثنا «نسي آدم فنسي أبناؤه».

ولعلي ـ أيضاً ـ أعزو ما حدث من النسيان فاستخلص عذراً آخر، أو وجهة نظر أخرى فأظن أن الفرحة العارمة بتأسيس فرع لنادي القصة وما يتبع ذلك من التفرغ للتأسيس ووضع لائحة العمل والتنظيم الإداري، لعل ذلك كله، أو بعضه، شغل القائمين بشؤون هذا الوليد الكريم فحال دون الاتصال، ثم طال الأمد فكان ما هو كائن، ولي في ذلك تجربة مريرة، فلقد تطوع مسؤول كريم في شؤون الثقافة والفنون فصرح بأنه سيقوم باللازم والمطلوب حين ذكرت عنده وعلى صفحات الصحف المحلية فأمَلت خيراً ومكثت غير بعيد ثم ذكرته بما وعد فأجاب برفق من الأسلوب وتجاوز عما ذكرته به، فلزمت الصمت التزاماً بمقولة «رحم الله امرءاً عرف..» وتذكرت قول الشاعر: «يعطيك من طرف اللسان حلاوة، فرضيت بالحلاوة واكتفيت».

وفي حديثه عن المؤسسات الثقافية التي عرفت في الساحة قبل نادي القصة ودورها في دعم التجربة الأدبية يؤكد خوقير أن لهذه المؤسسات الفضل الكبير فهي التي ساهمت في الإنتاج الأدبي والثقافي، وكان الجو الثقافي يموج بمختلف أنواع الثقافة والأنساق الفكرية والأدبية، و«لا أبالغ لو قلت إنهم أصحاب فضل في كل ما حدث من انقلاب رهيب وكبير في ميدان الثقافة والفكر، وكان ذلك مشكوراً لهم إذ بعث النشاط الذي ساد الساحة في بلادنا.. ثم كانت النكسة».

ولم تدم الحالة الإيجابية التي ابتهج بها الكاتب سابقاً «أصبحت من واقع ما يعانيه الكاتب من متاعب النشر ودور النشر أخشى الإمساك بالقلم لولادة أيما عمل قصصي أو روائي خشية أن يكون الوأد مصير المولود ليصبح، أو يمسي وئيد الأدراج والمكاتب أو الكوابر كما قال أستاذنا المرحوم الشيخ أحمد قنديل. ويؤيدني أو يشاركني مخاوفي هذه الكثيرون من الزملاء حملة القلم من الرواد المخضرمين أمثالي ومصداق قولي هذا ما لقيت في نشر آخر ما سطرت سابقاً وهي رواية «في القلب متسع» فما لقيت وما جوبهت به كلياً أثر ذلك في النفس إحباطاً ومرارة، هذه ليست شكوى، ولكنها بعض المبررات، فعسير على صاحب العمل أن يطرق الأبواب فلا تفتح إلا مواربة».

* محمد علي قدس: قصتي مع النادي

* القاص محمد علي قدس أمين سر نادي جدة الأدبي الثقافي يربط الحالة السلبية التي يعيشها نادي القصة السعودي عبر فرعه الجديد بما لمسه من غياب المبدعين المصريين عن نادي القصة في القاهرة «ما زلت أذكر المرة الأولى التي زرت فيها نادي القصة بالقصر العيني سنة 1982 والتقيت فيه رئيس النادي الكاتب والأديب ثروت أباظة، كان حلمي أن التقي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني وإحسان عبد القدوس ممن قرأت وأعجبت بقصصهم، ولكنني علمت أنهم لا يزورون النادي ولا يصلون إليه كما ذكر لي ثروت أباظة».

ويربط القدس بين وعثاء نادي القصة السعودي الحديث ومشاكل نادي جدة الأدبي «حيث لا يتواصل مع النادي من الأدباء والشعراء والقصاصين الذين تحتضنهم جدة ملهمة الشعراء والفنانين والأدباء والقصاصين إلا القلة منهم. فهل هي الشللية أم اختلاف الرأي والصراع بين الأدباء هو السبب»؟

ويضيف: «دعيت للأمسية التي أقامتها جمعية الثقافة والفنون احتفالاً بافتتاح النادي، وتحدثت ليلتها عن قصتي مع النادي، وكلفت بإعداد تصور ومقترح له وكيف أن الدراسة أو المقترح لم أشكر عليها مجرد الشكر! وحين أعلنت أننا بصدد الإعلان عن جماعة القصة في جدة تحت مسمى جماعة الرواية ثارت ثائرة البعض واعتبروا ذلك تجاوزاً على تخصص جمعية الثقافة والفنون في الوقت الذي أتاح النظام جماعات وجمعيات وروابط الكتاب والإعلاميين والقصاصين تحت مظلة جهة رسمية».

* العامري: الشللية بصيغة معاصرة

* القاص عمرو العامري استغرب قيام النادي بأعمال نقدية لبعض الأعمال دون الاهتمام بالإنجاز في شكله المؤسساتي الذي تفتقده الساحة الثقافية السعودية كأن يقوم النادي بإعداد قاعدة بيانات ترصد كتاب القصة والرواية وأعمالهم والدراسات التي اهتمت بها، ثم الحرص على نشر الأعمال الإبداعية بدلاً من تحمل المؤلفين النشر على حسابهم الخاص، ثم القيام بفتح قناة مع رقابة الكتب لإفساح المجال للكتابة الجديدة بدلاً من النظر إليها بعين الريبة.

كما يقترح العامري على النادي إقامة المسابقات والندوات والتواصل مع المؤسسات التربوية لتعميق التعامل مع النص الإبداعي قراءة وتذوقاً، وهي ملامح غير موجودة في الوقت الراهن بالصورة المأمولة. وهو يرى «أن نادي القصة أراد القيام بأسهل الأعمال، فاستعار آليات ضيقة من الأندية الثقافية وبنى نفسه على صيغة بائدة من صيغ الشللية التي تجاوزها الزمان».

ورفض القاص حسن النعمي الأكاديمي السعودي وأمين نادي القصة في جدة أن يكون نسيان بعض الأسماء المعروفة إهمالاً. وقال «مقر النادي معروف ونرحب بكل من يزورنا. ربما تاهت بعض الدعوات ولم تصل إلى أصحابها، أو لعل عناوينهم لدينا غير صحيحة، لكن الدعوة مفتوحة لكل من يريد زيارتنا والمشاركة في برنامجنا لقراءة الروايات الذي نتبناه في هذا الموسم».