نمور من ورق ومبدعون تهرب منهم الكلمات

حسونة المصباحي

TT

«نمر من ورق» هو عنوان الرواية الجديدة للكاتب الفرنسي اوليفيه رولان وفيها يروي البطل الذي قد يكون المؤلف نفسه لشابة في نحو العشرين من عمرها، وهي ابنة رفيقته القديمة التي تدعى «ترايز» ابان احداث الانتفاضة الطلابية التي هزت فرنسا في ربيع 1968 حيث كان الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ صاحب مقولة : «الامبريالية نمر من ورق» مثالا يحتذى للعديد من زعمائها وقادتها الشبان، ويفتتح اوليفيه رولان روايته المذكورة بجملة لمارسيل بروست يقول فيها: «هذه الحكايات تنام في الجرائد منذ ثلاثين سنة ولا احد يعرف ذلك». وهو يريد ان يؤكد بذلك على ان الامر في روايته لا يتعلق بالتاريخ وانما بالخيال.

وكان اوليفيه رولان احد قادة اليسار الماوي (نسبة الى ماوتسي تونغ)، خلال الانتفاضة المذكورة، بل انه كان يدعو الى النضال المسلح من خلال منظمة اطلق عليها اسم: «المقاومة الشعبية الجديدة» التي ظلت تنشط حتى العام 1973. وخلال عشر سنوات عاش حياة مضطربة حتى انه بات على حافة الانهيار العصبي وفي الرواية هو يصف هذه الحياة، وايضا حياة رفاقه الذين كانوا يحلمون مثله بالثورة على «المجتمع البورجوازي المتعفن» وبالتمرد على الآباء الذين اقترفوا جرائم بشعة في حق الانسانية. ويقول اوليفيه رولان: «لقد شرعت في كتابة هذه الرواية (يعني نمر من ورق) منذ عشر سنوات غير انني كنت في كل مرة القي في الزبالة بما كتبت. وفي النهاية اهتديت للطريقة التي كتبتها بها بعد ان قرأت قصيدة «دوائر» لغيوم ابولينير. واعتقد ان اختياري للفتاة التي في سن العشرين والتي لم تعرف انتفاضة 1968 الطلابية كان موفقا، اذ ان ذلك مكنني من ان اروي على سجيتي تفاصيل كل ذلك، لقد ظللت سنوات عدة مفتونا بالثورة، وبماوتسي تونغ وبتشي غيفارا، وكنت اعتقد ان الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لقلب النظام الرأسمالي. ثم شيئا فشيئا بدأت الاوهام تتساقط والاحلام تذوب الواحدة تلو الاخرى لأجد نفسي اخيرا امام عالم فارغ. عالم يطل على هاوية الانهيار العصبي. وبعد صراع طويل اهتديت الى الكتابة التي انقذتني من العتمة التي عشت فيها لسنوات عدة!».

عن امريكا، كتب الالماني هانس ماغنوس انسنبسرغر المولود عام 1929، والذي يعتبر احد اكبر كتاب ومثقفي بلاده راهنا يقول: «في عام 1945، رأيت امريكيا لاول مرة كان جالسا في سيارة «جيب» وكان يبدو في صحة جيدة، وجد واثق من نفسه. وكان انيقا في زيه العسكري، ماسكا سيجارة بيده اليسرى. عدد هائل من الجنود اللطفاء جاءوا اخيرا لينقذوا المانيا من كابوس عاشته على مدى 12 عاما.

وبين عشية وضحاها، كانت الفئران تتقافز فرحة لتختبئ في الخرائب والبعض منا احسوا فجأة بانه باستطاعتهم ان يفعلوا ما يحلو لهم. والسبب الذي من اجله شرع هؤلاء المحررون في قصفنا قبل ان يفرضوا الديمقراطية على شعب كان لا يزال مترددا ومتشككا ظل غامضا في نظرنا حتى ذلك الحين (...) وشخصيا امضيت سنوات عديدة لكي ادرك ما نحن مدينون به للسلام الامريكي. فقد اصبحت المانيا محمية امريكية. وهذا اعتبر في حد ذاته انفراجا انهى فترة طويلة من الخنوع والتسلط.

وعلى مدى عقود عديدة، عشنا نحن الالمان تحت حماية المظلة الامريكية واصبحت بلادنا حسب ما يقال: عملاقا اقتصاديا وقزما على المستوى السياسي. وعلينا ان نكون نازيين جد متعصبين لكي لا نعترف بالجميل لهؤلاء الغزاة القادمين من الفضاء. غير ان حرب فيتنام هي التي حطمت الصورة الجميلة لامريكا التي كانت في اذهاننا، وفي الحين لم تعد تلك البلاد ما كنا نتصور حتى ذلك الحين. والجموع الغفيرة من الطلبة الالمان التي تظاهرت في الشوارع خلال انتفاضة ربيع 1968 الطلابية نددت بجرائم الجيش الامريكي في فيتنام وبمؤامرات الـ (سي آي إيه) التي باتت شبيهة بالشيطان بالنسبة لنا، بل ان البعض من الطلبة هاجموا قواعد امريكية اقيمت فوق ارضنا لحمايتنا من الروس. حتى الاكثر اعتدالا منا قالوا ان رفاقنا الامريكيين يميلون الى الانظمة الديكتاتورية في مناطق متعددة من العالم، ولحماية مصالحهم هم مستعدون لاقتراف الجرائم الاكثر بشاعة. كما انهم مغرمون بصنع الاسلحة الاكثر تدميرا ويطبقون الاحكام الاكثر اجحافا بما في ذلك الحكم بالاعدام. وكان علينا ان نقطع عشرين عاما لكي نقف على هذه التفاصيل. وكنا وحدنا المسؤولين عن هذا الخلاص المتأخر من الاوهام».

* رواية فرنسية عن البرازيل

* «لماذا البرازيل؟» هو العنوان الذي اختارته الكاتبة الفرنسية كريستين انغو لروايتها الجديدة التي صدرت مطلع هذا الخريف، والتي تروي فيها تفاصيل قصة حب عاصفة مع صحافي. وهي تقول: «ان اروي قصة اخرى لكي اقول بانه انا بطلتها، هذا امر لا يهمني لا من قريب ولا من بعيد. ولكن ان نكتب ما هو في ذهننا حين نعيش ونتحرك، هذا هو الاساسي بالنسبة لي. والذين يقرأونني ليس لهم الحق الا في مساري الذهني، اي في ما يمر بذهني عندما اكتب».

وتواصل كريستين انغو حديثها قائلة: «لم استطع الى حد هذه الساعة ان احمي حياتي الشخصية ذلك انني اكتبها. نعم ان القصص التي يرويها الكتاب هي نفسها منذ زمن طويل. وفي الحقيقة هناك نوعان من الكتاب: او الذين يمتلكون تراثا كبيرا، ويمثلون تراثا لغويا عميقا وثريا وتاريخا مليئا بالاحداث الكبيرة والهامة. ثم هناك الآخرون اولئك الذين لا يمتلكون شيئا، كتاب الاسفل. لذا على هؤلاء ان يجدوا كل شيء انهم الباحثون عن الذهب. وهم مضطرون ان يحصلوا على الثروة بمجهودهم الخاص. وانا من هذه الفئة من الكتاب».

* بيت الأوراق

* كان على مارك. ز. دانيليفسكي، 36 عاما، ان يمضي 12 عاما لكي يكتب روايته الاولى «بيت الاوراق» وقبل اصدارها، بثها عبر الانترنت لكي يطمئن اصدقاءه الذين كانوا يسألون عن وضعه النفسي والصحي وايضا عن مسار عمله الادبي. وعند صدورها مطلع عام 2002، حازت الرواية نجاحا كبيرا لدى النقاد والقراء على حد السواء. وقد كتب احد النقاد يقول بشأنها: «على الذين يقرأون هذه الرواية قراء كانوا ام نقادا ان ينحنوا اجلالا امام روعتها!».

ورواية «بيت الاوراق» تجريبية، فيها العديد من المحاولات الحديثة في مجال الكتابة الروائية، لذا فإن قراءتها صعبة الى حد ما وهي تروي قصة عجوز اعمى يدعى زامبانو، مات في ضاحية قذرة ورمادية من ضواحي لوس انجلوس تاركا مخطوطا ضخما يعثر عليه شاب في الخامسة والعشرين من عمره يدعى جوني اراند ويقرر اصداره مفتتحا اياه بالتحذير التالي الموجه للقارئ: «ان الكوابيس تؤرقني. ولانني اعاني من ذلك كل ليلة فانني تعودت عليها منذ زمن بعيد، لكن ليس ذلك هو الحال في هذا الكتاب. وهكذا يطلع القارئ على حياة زامبانو مرفوقة بملاحظات جوني وبمشاعره عند قراءة كل فقرة من المخطوط المذكور. وفي الرواية ايضا اشارة الى العديد من الاحداث الادبية والفنية الكبيرة والمذاهب الميتافيزيقية والفلسفية والادبية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين. كما انه يستحضر العديد من مشاهير المؤلفين والكتاب والشعراء من القدماء والمحدثين من امثال سارفانتس صاحب رائعة «دون كيخوته» وبورخيس وآخرين كثيرين.