الهامشي واليومي في مسرحية مغربية

فاضل وعوزري وثريا جبران يطرحون أسئلة الواقع اليومي المغربي

TT

افتتحت فرقة «مسرح اليوم» موسمها الثقافي الجديد (السادس عشر) بتقديم العرض الأول من مسرحيتها الجديدة «ياك غير أنا» بمسرح محمد الخامس بالرباط. والمسرحية هي مونودراما كتب نصها الروائي والكاتب المغربي يوسف فاضل وأخرجها عبد الواحد عوزري، وتمثيل الفنانة ثريا جبران، سينوغرافيا ادريس السنوسي وأغاني وألحان عبد العزيز الطاهري.

فبقدر ما تشدك الفنانة ثريا جبران بأدائها الرائع للشخصية المحورية في المسرحية شخصية «سعيدة» وللشخصيات التي تحاورها من القبطان والأب وشخصيات في المعمل والمحكمة، بقدر ما يشدك النص أيضاً الذي برع الكاتب المغربي يوسف فاضل في اشتغاله على الهامش وتعبيره عن أدق تفاصيل يومي الإنسان المقهور ونبضات قلبه واختلاجاته وتخوفاته من المصير المجهول. وهي المرة الثانية الي يشتغل فيها «مسرح اليوم» مع يوسف فاضل بعد مسرحية «أيام العز» عام 1994.

«ياك غير أنا» مونودراما تقدم من خلال مجموعة وحدات حكائية صغرى، حكاية امرأة بسيطة تدعى «سعيدة» تقطن مدينة الدار البيضاء لم تكن تعرف أن بها بحراً وميناء، لتفاجأ في أحد الأيام التي كانت تقضيها في انتظار أن تفتح المحكمة أبوابها بالبحر وبالسفينة التي ركبتها بهدف تجزية الوقت، وهي سفينة تحمل على متنها العديد من الشخصيات المهمة في البلد صحبة خدمها وحشمها وكلابها وقططها. فهذا الواقع جعلها تصطدم على حين غرة بحقيقة أن الحياة التي كانت تعيشها وعملها بالمعمل طيلة سنوات من أجل جلب القوت لعائلتها العاطلة لم تكن هي حياة كل الناس أو هو الواقع بالمطلق كما كان يتهيأ لها من قبل ركوبها السفينة.

وفي رحلة الفقد التي شكلت أيضاً رحلة اكتشاف الذات المنسية بسبب الفقر المدقع ورتابة العمل اليومي المضني، تكتشف «سعيدة» التي شخصتها الفنانة ثريا جبران بتميز كبير أن فضاء مدينتها ينفتح على العالم الفسيح من خلال زرقة بحر فسيح لم تكتشفه إلا صدفة، وأن مجتمعها يسكنه تفاوت اقتصادي لم تفطن إليه إلا وهي تأخذها لحظات الانبهار بالبحر والآخرين ممن ينتمون إلى الطبقة المخملية من مجتمعها، بعيداً في عرض البحر على ظهر سفينة صعدت إليها في غفلة من وعيها ووعي ركابها. وطيلة هذه الرحلة، التي استغرقت ساعتين من العرض، ترحل بنا الفنانة ثريا جبران أو بالأحرى «سعيدة» إلى أسئلة الذات والأنا وأسئلة اليومي المغربي وأسئلة التفاوت الطبقي الذي يعيشه المغاربة وتحاصر الجمهور بمجموعة من التساؤلات البسيطة والعميقة في آن واحد. كما يكتشف وإياها وجوه الواقع الأخرى التي ظلت مغيبة عنها، ولحظات حياتها التي تتلخص في ثلاث مراحل: مرحلة الدراسة، مرحلة العمل والزواج، ومرحلة فقد الزوج وإعالة العائلة والتردد على المحاكم، وهي مراحل ضاع فيها العمر في القهر والتعب. وهو فعلا الرهان الذي استطاعت الفنانة ثريا جبران تحقيقه، حيث استطاعت بكل مهارة إغواء الجمهور ونقله إلى عوالمها الداخلية والهامشية المحيطة بها.

وقد استطاعت اللازمة الغنائية التي كانت تفصل ما بين الوحدات الحكائية الكبرى للعرض، أن تعطي بعداً مكثفاً من خلال الموسيقى والكلمة الشعرية لمضامين النص، كما تمكنت لمسات السينوغرافيا من أن تعطي للعرض بعده الفضائي المطلوب وتخلق من لعبة الضوء زوايا يمتد فيها النظر إلى أبعد ما تمثله خشبة العرض، ولكن مع ذلك يبقى نص المسرحية وأداء ثريا جبران الرائع هما ما يشد الجمهور أكثر، ويحقق بالتالي لمسرح اليوم نجاحاً جديداً ينضاف إلى ربرتواره المسرحي الذي يناهز العشرين مسرحية، اشتغل فيها «مسرح اليوم» على نصوص إبداعية من رواية وشعر عالمي ومحلي وتراث عربي ومغربي، ومن أبرز هذه المسرحيات: «حكايات بلا حدود» 1987، «بو غابة» 1989، «النمرود في هوليوود» 1991، «الشمس تحتضر» 1993، «اللجنة» 1994، «طير الليل» 1996، «العيطة عليك» 1999، «امرأة غاضبة» 2000، «الجنرال» 2001، و«أربع ساعات في شاتيلا» 2002.