سيرة إقليم ومنطقة في رواية سعودية

حسن الشيخ ينقلنا إلى عوالم الأحساء وحاراتها وتشابك العلاقات داخلها

TT

عن دار الكنوز الأدبية في بيروت، صدرت أخيراً للقاص السعودي حسن الشيخ روايته الاولى «الفوارس»، في 332 صفحة من الحجم المتوسط،بعد أعماله القصصية «ولادة فارس قبيلة المطاريد»، و«إختفاء قدوسة». والرواية الجديدة لم تخرج عن إطار عالمه القصصي ، وهو الموروث الشعبي لمدينة الأحساء التي تربى ونشأ فيها.

إنه ينقلنا الى عوالم الأحساء وحاراتها وتشابك العلاقات داخلها، ويرسم في لوحات درامية متحركة، سيرة واعمال شخصيات تتأرجح بين التراخي تارة والتصلب تارة اخرى، متطلعة للتحرر من قيود المكان، والإنطلاق الى عوالم اكثر رحابة وابداعاً. ولا يخفي الكاتب هنا تحيزه للعوالم القديمة، بل أن الرواية تنتصر للفكرة الرومانسية عن نقاء البلاد القديمة، وتدين صخب الحياة الجديدة.

يتحدث عن لندن (مثلاً) حين قصدها احسائي متشرب حبّ النخيل ورطوبة المناخ وفورة مياه العيون: «فجأة .. وجدتُ نفسي وسط مدينة صاخبة، متكبرة.. لا ترحم. هكذا أنا رغبتُ. أم أن الآخرين أرادوا لي ذلك .. لستُ متأكداًَ على وجه الدقة من ذلك .. إلا أنني أستطيع القول أنه وحتى قبل مجيئي الى لندن كنتُ أرغب أن اتخذ كل قراراتي بنفسي .. رغم أن سيرة حياتي لا توحي بذلك».

نجح حسن الشيخ في إخراج الصورة التراثية للأحساء لتكون أكثر نبضاًُ تفاعلاً مع الزمان والمكان، ونجح كذلك في ان يرسم مشاهد فقدت في موطنها تدفق العاطفة كعيون الماء والحارات القديمة والمزارع و«عين نجم» و«القيصرية» .. والعلاقات بين عماد وأخته ابتهال وأبنتي عمه اللتين تزوجتا في غيابه، دون أن تجاهرا بحبهما الخفي، كل تلك كانت نماذج لعلاقة انسان القرية الريفية الزراعية الذي تعلم كيف يكبت عواطفه ويدس رأسه في الماضي.

وفي أكثر موضع من الرواية، نجح الشيخ أيضاً في ان يرسم بدقة صورة الفتى الأحسائي الذي تتجاذبه العوالم : الحداثة التي تفتح ذراعيها مقدمة له صور الحياة الصاخبة المزركشة، والأصالة التي يستريح عندها الضمير ويطمئن الفؤاد . كذلك لم يغفل الجزئيات الصغيرة التي تكتمل عندها الصورة، وتشابك علاقات الشخصية الإحسائية في الحارة والمدينة والسجن والمهجر. ومن المشاهد المؤثرة في الرواية ، تلك الصدمة التي يصاب بها الاحسائي ساعة يلتبس الأمر ويلقى في السجن بتهمة الانتماء الى منظمة ناصرية لدعم الكفاح المسلح في فلسطين. وهي ذات الصدمة التي تنهال فوق رأسه وهو يضع رجله في عالم جديد «لندن، سوث هامبتون» فكل ما يخرجه من نقاء البساطة والعلاقات المباشرة غير المركبة يحدث فعل الصدمة لديه.

من جهة أخرى، يسقط الكاتب جوانب من شخصيته على الرواية ، فحسن الشيخ القاص والصحافي الذي يكتب الشعر أحياناً، عبر عن مختلف مواهبه في هذه الرواية، ظهر عبر شخصيات الرواية، فنجد الصحافي والصحيفة (النور) ورئيس التحرير ومسؤول القسم الثقافي، كما عبرّ عن نفسه شعراً في مرات كثيرة.

«الفوارس» لم تكتب كسيرة ذاتية ، لكنها ربما اقتربت من السيرة الذاتية لحركة القرية التي تضج بالتحول وتتشابك داخلها صراعات عنيفة بين الاصالة والحداثة، وبين الاستلاب الروحي والنقاء، وبين التطور كحركة طبيعية في عمر الزمن وبين الوفاء للشكل القديم لعدم الثقة فيما هو جديد. هي أيضاً رواية لا تحكي سيرة فرد (عماد) ولكنها تحكي سيرة إقليم ومنطقة (الأحساء) ،إنتشر أهلها في ربوع البلاد ولازالت حاراتهم تنبض في اعماق الوجدان.

حملت الرواية صورة لحي الفوارس في الاحساء وهي لوحة من رسم الفنانة زهرة بوعلي.