صاحب «1984» ينتصر على الأخ الأكبر

أراغون يعود إلى الواجهة والألمانية هارمن تكتب عن جيلها المتعب

TT

تحتفل بريطانيا هذا العام بمرور مائة عام على ميلاد احد اكبر كتابها خلال القرن العشرين، اعني بذلك جورج اورويل صاحب رائعة: «1984» الذي ولد في البنغال عام 1903 وتوفي في لندن 1950، وخلال هذا العمر القصير نسبيا، استطاع ان ينجز اعمالا ابداعية مهمة عكست احداث وقضايا عصره المتقلب. وفي البداية، عمل في الشرطة البريطانية. وفي عام 1928، استقال من وظيفته. مقاطعا العقلية البورجوازية الباردة والمتزمتة، انطلق الى باريس ليعيش هناك سنوات من البؤس والشقاء اضطر خلالها للتسوّل حتى لا يموت جوعا. ويرد صدى هذه السنوات الصعبة في عملين له هما: «مأساة بيرمائية» 1933 و«البقرة المسعورة» 1933. وعند اندلاع الحرب الاهلية في اسبانيا التحق بالجمهوريين محسوبا على اليسار الماركسي. وهناك اكتشف العنف الستاليني (نسبة الى ستالين)، وادانه بشدة في «تحية لكاتالونيا» الصادر عام 1938 ثم في روايته «1984» التي تصور الحياة في ظل الانظمة الشمولية بحيث تصبح الدولة جهازا لمراقبة حركة الناس وتصرفاتهم واقوالهم. وانطلاقا من الاربعينات بدأ جورج اورويل ينتقد بشدة الاحزاب والمثقفين اليساريين الموالين لستالين الشيء الذي اثار حفيظة هؤلاء ضده. وعند نهاية الحرب العالمية الثانية، اصدر روايته الأخرى: «مزرعة الحيوانات»، حيث اثبت فيها قدرته الفائقة على معالجة المواضيع والقضايا السياسية الكبيرة من خلال التخييل.

وبمناسبة مرور مائة عام على ميلاد جورج اورويل اصدر الناقد الامريكي المعروف كريستوفر هيتشنس كتابا حمل عنوان: «انتصار اورويل» وفيه يستعيد حياة صاحب «مزرعة الحيوانات»، متوقفا عند مراحلها الاساسية، وعند منعرجاتها الحاسمة خصوصا على المستوى الفكري والآيديولوجي.

ويعتبر هيتشنس اورويل واحدا من أعظم الكتاب السياسيين خلال القرن العشرين. فقد بدأ حياته في جهاز الامبراطورية، ثم استقال ليعيش حياة بوهيمية جد قاسية. وفي هذه الفترة اقترب من الافكار اليسارية، واصبح يدافع عنها باستماتة جالبا على نفسه غضب المحافظين والبورجوازيين، وفي هذه الفترة ايضا بدأ يظهر احتقارا شديدا للنخب المثقفة مقتربا من الناس العاديين ومن أولئك الذين يعيشون في اسفل السلّم الاجتماعي مثل الخدم والعمال والمشردين. وعند انخراطه في صفوف الجمهوريين خلال الحرب الاهلية الاسبانية التي ذهب اليها متطوعا، ومدفوعا بالافكار الثورية المثالية، اكتشف وحشية العنف الستاليني، ودوغمائية المثقفين الشيوعيين، فلم يتردد بعد ذلك في مواجهة ذلك من خلال مقالاته ورواياته. وبنفس الحدة انتقد جورج اورويل النازية والفاشية.

ومعلقا على شخصية جورج اورويل من خلال الكتاب الذي خصصه له هيتشنس، كتب الناقد الايطالي الفونسو بيرار دنيالي يقول: «لقد كان لجورج اورويل حاسّة شمّ خاصة تجعله يكتشف مبكرا خداع السلطة وتجاوزاتها. وقد ترك الدراسة مبكرا لانه لم يكن يطمح الى الدخول الى الجامعة. وعندما عمل شرطيا، كره المستعمرين (بكسر الميم) لكن المستعمرين (بفتح الميم) لم يجدوا مكانا في قلبه. وقد كره الامبراطورية البريطانية والامبريالية والفروقات الاجتماعية والتعالي الاجتماعي والثقافي وحب المال الذي كان يعتبره شيئا غير محتمل على الاطلاق. وكان يعتبر ان اللغة الدوغمائية لليساريين الماركسيين تنتصب بمثابة عائق جدي امام ظهور نضج سياسي اشتراكي سليم. وعندما عانى شخصيا خلال الحرب الاهلية الاسبانية الجانب العنيف في الستالينية، بدأ يفكر ان الفاشية ليست وحدها العدو الذي تجب مواجهته. ومنذ ذلك الوقت والشيوعية عدوه اللدود خلال السنوات الاخيرة من حياته. ويتجلى ذلك من خلال عمليه المعروفين «مزرعة الحيوانات» التي صدرت عام 1945 و«1984» التي صدرت عام 1949، اي قبل وقت قليل من رحيله عن الدنيا. وكانت رؤيته للمستقبل جد متشائمة، حيث انه كان مدركا ان الانسانية سوف تواجه حروبا بلا نهاية، واكاذيب كبيرة وخطيرة وبؤسا ماديا خطيرا، وخنقا لمختلف أشكال الحريات».

* الجزء الثالث من مؤلفات أراغون

مر الآن عشرون عاما على وفاة واحد من أعظم الشعراء الفرنسيين خلال القرن العشرين وهو لوي أراغون الذي أمضى حياته المديدة في التغني بحبيبته الزاتريوليه وبالثورة الاشتراكية وظل مواليا للحزب الشيوعي حتى النهاية. وبهذه المناسبة اصدرت دار «مبليار» المتخصصة في اصدار اعمال المشاهير من الادباء والشعراء، الجزء الثالث من اعماله الكاملة التي تضمنت في ما تضمنت عمليه الشهيرين «اوريليان» و«الشيوعيون»، كما صدر كتاب آخر فيه يتحدث عن صديقه الحميم جان ريستاث الذي لازمه في السنوات الاخيرة من حياته. وقد حمل الكتاب المذكور عنوان: «مع اراغون من سنة 1970 الى سنة 1982».

ولد لوي اراغون عام 1897 ومبكرا بدأ الكتابة، وقد دفعته الحرب الكونية الاولى الى ترك الدراسة في كلية الطب. ومن يومها أصبح الادب شاغله الاوحد. وأسس مع اندريه بريتون الذي سيصبح غريمه في ما بعد وايضا مع فيليب موبو مجلة «الادب» عام 1919. ومفتونا بتريستان تزارا زعيم الحركة الدادائية كتب نصوصه الاولى التي جلبت له اعجاب النقاد الطلائعيين. بعدها انتسب الى الحركة السوريالية ليصبح من ابرز رموزها. وفي هذه الفترة كتب نصه الشهير الذي حمل عنوان «موجة من الفرح» وذلك عام 1924. وفي نفس السياق ايضا كتب روايتيه المعروفتين «الفجور» و«فلاح باريس». وكان للقائه بالزاتريوليه عام 1928 تأثير كبير على حياته، حيث ستصبح منذ ذلك الحين حاضرة في قصائده وتحديدا في عمله الذائع الصيت «مجنون الزا». وفي عام 1928 انفصل عن الحركة السوريالية وقام بأول رحلة الى ما كان يسمى آنذاك بالاتحاد السوفياتي. وعند عودته انتسب الى الحزب الشيوعي الفرنسي وشرع يكتب في جريدة اللومانتيه الناطقة باسمه. ومن خلال رؤيته الماركسية كتب العديد من الاعمال الروائية التي صور فيها المجتمع الفرنسي مثل «نواقيس بال» و«الاحياء الجميلة».

عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، انتسب لوي اراغون الى حركة المقاومة الفرنسة وأصبحت قصائده مع قصائد بول ايلوار تغنى على جبهات القتال وفي السجون والمعسكرات التي كانت تعجّ بالمناهضين للاحتلال النازي.

وابتداء من أواخر الحرب الكونية الثانية وحتى وفاته في عام 1983، ظل لوي اراغون حاضرا بقوة في المشهد الثقافي الفرنسي عموما. وظل حريصا على اتخاذ مواقف جريئة وشجاعة تجاه ما يحدث في العالم على المستوى السياسي بالخصوص. يقول احد كتاب سيرة حياته: «لقد كان لوي اراغون متولّهاً بشيئين: «جنون الكتابة وجنون الحب». وفي أواخر حياته كان لوي اراغون يردد دائما: «لقد اهدرت حياتي». وكان يعبر عن قرفه من بعض النصوص التي كتبها سابقا قائلا: «عندما اقرأ هذه النصوص، احاسب نفسي حسابا عسيرا. انظر اليوم الى يدي اليمنى واتعجب اني لم اقطعها ذات يوم لانها كتبت ذلك».

* واجب العنف

* ولد يامبو وولوغام في مالي عام 1940، وبعد ان اكمل دراسته الثانوية في باماكو انتقل الى باريس حيث حصل على الاجازة في الفلسفة وفي عام 1968 اصدر روايته الاولى التي حملت عنوان: «واجب العنف» التي حازت على اعجاب النقاد والقراء على حد السواء الشيء الذي سمح لصاحبها الحصول على جائزة «رونودو» المرموقة، لكن عقب ترجمتها الى الانجليزية وذلك عام 1971، اتهم يامبو وولوغام بالانتحال حيث انه «نهب» حسب متهميه مقاطع كاملة من روايتين هما «آخر العادلين» لاندريه شفارز ـ بارت و«ميدان المعركة» لغراهام غرين. وبسبب الفضيحة الناجمة جراء ذلك، اضطرت دار «السوي» الفرنسية التي اصدرت الكتاب الى الانقطاع عن توزيعه وبيعه. اما يامبو وولوغام فقد عاد مثل مصطفى سعيد في رائعة «موسم الهجرة الى الشمال» للطيب صالح ليعيش في قرية صغيرة منسية في بلاده مالي، مقدما لوزارة التعليم في باماكو مقترحات لتطوير مناهج التعليم ومساهما في بعض المشاريع الادبية مع مواطنه الكاتب المعروف امادو همباتي با واليوم هو يعمل على وضع حد للاضطهاد العنصري الذي يعاني منه المسلمون في منطقة الساحل الافريقي.

ولكن خلال السنوات الاخيرة اعاد بعض النقاد والباحثين من الجامعيين الافارقة بالخصوص الاعتبار ليامبو وولوغام محاولين دحض تهمة الانتحال التي وجهت له قبل ازيد من ثلاثين عاما. واليوم تعتبر رواية «الواجب والعنف» واحدة من اهم الروايات الافريقية خلال النصف الثاني من القرن العشرين خصوصا بعد ان تأكد المهتمون بالقضية ان كاتبها كان قد وضع بين ظفرين كل المقاطع التي اخذها من الروايتين المذكورتين غير ان الناشر قام بحذف ذلك، بل ان اندريه شفارز بارت صرح بانه معتز شديد الاعتزاز بان يقوم وولوغام باستعمال بعض المقاطع من روايته «آخر العادلين».

في روايته «واجب العنف» شن يامبو وولوغام هجوما عنيفا على ما سماه كل من ليو بولد سيدار سنغور وايمي سيزاز بـ «الحضارة الزنجية» محطما صورة افريقيا المثالية التي تغنى بها الشاعران المذكوران في مجمل اعمالهما. وخلافا لما هو يسميهم بـ «الكتاب الفولكلوريين» هو يقدم صورة حية عن الواقع المرير الذي تعيشه القارة الافريقية وعن الحروب والمجاعات التي تعاني منها شعوبها خلال الفترة التي سبقت الهيمنة الاستعمارية، حريصا على الاشارة الى ان الغرب ليس مسؤولا عن كل الفظائع التي حدثت والتي لا تزال تحدث. ومن خلال قصة امبراطورية خيالية تبدأ في القرن الثامن وتنتهي بعد الحرب الكونية الثانية يصور لنا يامبو وولوغام التناحر بين شيوخ القبائل الذي يؤدي الى نزاعات تشبه حرب البسوس عند القبائل العربية القديمة، ويفسر الاسباب التي افضت الى قيام انظمة ظالمة ومستبدة. وقد صدرت رواية «واجب العنف» مجددا في باريس في ربيع هذا العام الشيء الذي يعيد الاعتبار لمؤلفها.

* جيل الماني متعب

* ولدت يوديث هارمان في برلين عام 1970 وقد بدأت حياتها كصحافية اذاعية ثم انقطعت عن ذلك لتصدر عام 1998 مجموعة قصصية تحت عنوان: «بيت في الصيف لاحقا» وقد لاقت المجموعة المذكورة اعجاب النقاد والقراء على حد السواء وترجمت الى العديد من اللغات ذلك انها عكست بطريقة اخاذة مشاكل الجيل الشاب في المانيا الذي لم يعرف فواجع الحرب، وجرائم النازية لكنه فتح عينيه على آثارها المتمثلة بالخصوص في جدار برلين. شخصيات المجموعة فتيات «متعبات» حسب تعبير الكاتبة وجميع القصص التي تحتويها تبدو كما لو انها «مغطاة بالغبار» على حد تعبير احد النقاد، ورغم النجاح الذي حققته يوديث هارمان، فانها فضلت الاختفاء عن الانظار واقناع البعض من حسادها بانها لم تعد قادرة على كتابة سطر واحد وانها اصبحت تخشى الجلوس امام الورقة البيضاء ولكن ها هي تعود برواية تحمل عنوان «لا شيء غير اشباح» ابطالها متعبون هم ايضا غير انهم لا يعيشون في برلين وانما في اوستين في النيفادا، وفي براغ وفي ايرلاندا، وهم شبان يشربون الكحول، ويستهلكون المخدرات ويعيشون قصص حب سطحية خالية من الانفعالات الكبيرة.

فهم يمثلون جيلا لم يع بعد ان القطار قد مضى بينما هم ظلوا على الرصيف ينتظرون شيئا لن يأتي ابدا. عن هذه الشخصيات كتب احد النقاد يقول: «انهم يعيشون جنبا الى جنب لكن لا يعني هذا انهم يعيشون مع بعضهم بعضا، لهم معارف كثيرون لكنهم بلا اصدقاء. وهم يرغبون في الوصول الى مكان ما لكنهم يترددون في الذهاب ذلك انهم يخشون العراقيل والعواقب. وخوفا من المستقبل، بل من الحاضر، هم يفضلون تذكر الماضي وعندما يحاولون تجاوز الحواجز التي تفصل اجسادهم، فاننا نكون على يقين بان ذلك سوف يفضي الى نهاية سيئة».

* يوميات ميراي هافي

* عاشت ميراي هافي المولودة في فرنسا عام 1898 حياة عاصفة ومثيرة بالمعنى الحقيقي للكلمتين، فقد تركت العائلة مبكرا لتعيش حياة بوهيمية في باريس، تعرفت خلالها على العديد من مشاهير الفنانين والشعراء خصوصا ابو لينير.

وفي يومياتها التي صدرت حديثا في باريس كتبت تقول معبرة عن نفورها من الرجال: «اكره اجسادهم ولحمهم ورغباتهم الحيوانية، انهم بالنسبة لي صانعو اطفال، نيئون ومقززون وهم جارحو احلامي واعدائي وقاتلو عواطفي ورغباتي الانثوية».

وفي باريس كانت ميراي هافي تتردد على المقاهي الشهيرة بشعر قصير مرتدية ازياء الرجال غالب الوقت. وكانت سهراتها تستمر حتى الصباح وفي يومياتها «نلمس عذابات امرأة شابة تعيش رعبا دائما امام الحياة ولكي تنسى ذلك هي تغرق في الكحول والمخدرات. توفيت ميراي هافي بداء السل عام 1932.