مصور فوتوغرافي عراقي: سأصور عراق المستقبل بكل ألوان الطيف

حسن الجراح يوثق في «وجوه منسية» مناطق منكوبة بالطغيان

TT

كاميرا ليست محايدة، خلفها عين ترصد ما هو مغيب ومنسي ومعتم. هناك، في جنوب العراق، حيث جُففت الأهوار وهجر سكانها الأصليون ليقيموا حياتهم المؤقتة على الحدود مع إيران، التقطت كاميرا المصور حسن الجراح تلك الوجوه المعفرة بالحزن والإنكار والانتظار، لتمنح معرضه الفوتوغرافي اسمها «وجوه منسية»، في الفترة من 5 ـ 12 ابريل (نيسان)، وهو المعرض الثالث لهذا الفنان الذي أقامه على قاعة «أرك» ARK، بالأسود والأبيض، غرب لندن.

عن بداياته الفنية، وتقاطعاتها السياسية مع السلطة العراقية القائمة آنذاك، يقول الجراح:

ـ كان أملي أن أدرس في أكاديمية الفنون الجميلة، لكني لم استطع تحقيق رغبتي لأن الأكاديمية وكلية التربية كانتا في تلك الفترة مغلقتين «للبعثيين فقط».

أكملت دراستي الجامعية في الأدب العربي وحققت جزءا من رغبتي وحبي للفنون بأن دخلت معهد الفنون والصناعات الشعبية ببغداد، وحصلت على دبلوم في فن النحت على الخشب.

مارست فن التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1976، وفي لندن قمت بدراسة التصوير من مراحلها الأولى إلى أن حصلت على شهادة A Level، من كلية نورث ويست ـ لندن.

شاركت في عدة معارض تصوير جماعية في بغداد، وحصلت على عدد من الجوائز، منها المركز الأول ـ عن الجامعة المستنصرية ـ في المهرجان الفني الثاني لجامعات العراق.

في عام 1979، كان معرضي الفوتوغرافي الأول عن الفارس والفروسية، وسط ساحة التحرير في العاصمة بغداد. أما المعرض الشخصي الثاني فكان في مركز شباب الكاظمية، وأقيم تحت عنوان «نحو محو الأمية».

نشرت لي جريدة «بغداد اوبزرفر» الصادرة في العراق وفي صفحتها الأخير ولمدة طويلة مجموعة من صوري الفوتوغرافية التي تعكس الوجه الحضاري والسياسي للعراق، وفي السنوات الأخيرة نشرت العديد من أعمالي خارج العراق.

أما عن تجربته الفنية الأخيرة، ممثلة بصور هذا المعرض، وكيفية وصوله الى تلك المناطق وتصوير وجوهها المنسية فيقول:

ـ كنت اتحين الفرصة لالتقاط اي مشهد، أو تفصيل صغير، أو مكان يعوض لي غربتي، أو يساعد على كشف ما جرى تغييبه في العراق عن قصد وسوء نية، فكان أن رافقت إحدى الهيئات الإنسانية التي تعمل في مجال تقديم الخدمات والمساعدات للعراقيين المهجرين والمنفيين المقيمين في دول الجوار، لتوثيق تلك المهمات والخدمات الخيرية.

بعد انتهاء عملي مع تلك الهيئات كنت اتسلل بعيداً للبحث عما يصلح كمادة فوتوغرافية، هنا وهناك، وبالسرعة الممكنة ومن مختلف الزوايا.

لم يكن اصحاب تلك الوجوه المنسية يشعرون بالتقاط الصور، فحرصت على عنصر التلقائية والمفاجأة، لتأتي الصور طبيعية معبرة عن تلك المأساة البعيدة عن أنظار العالم.

كانت الشخصيات لا تحدق في عدسة الكاميرا، اللقطات المقربة جاءت نتيجة اقتراب الكاميرا منها ولم استخدم العدسات المقربة وذلك للوقوف على تفاصيل الوجه وتعبيراته، كل التصوير تم بعدسات عادية Normal.

اصبحت لدي مجموعة كبيرة من الصور التي تحتل هذه الشريحة المسحوقة من العراقيين، سكنة الأهوار المجففة.

تذكرني التجربة بما قاله الشاعر العراقي المعروف بلند الحيدري:

«هل لي أن أحلم بالرجوع

لدارنا المطفأة الشموع

هل لي أن أحلم يا مدينتي، أن أعود

فأوقظ المصباح

وأفتح الشباك للنجوم والغيوم والرياح»

أما عن رغبته باستعادة تلك الوجوه واظهارها الى العلن، أو تظهيرها فوتوغرافيا، فيوضح طبيعة تلك المناطق وسكانها بقوله:

ـ لقد تعرض أولئك الناس إلى حملة تهجير قاسية على يد نظام صدام حسين البائد، الذي جردهم حتى من وثائقهم الشخصية، انهم يشكلون مئات الآلاف من البشر الذين يعيشون تحت خط الفقر، كما هي غالبية الشعب العراقي، انهم احفاد الحضارة السومرية التي تتبدى بعض كلماتها وأساليب حياتها حتى اليوم، (الانتقال بالقوارب الصغيرة «المشاحيف»).

سجلت ذلك بعدستي، تلك العيون الحائرة والأجسام المعفرة بالحر صيفاً والبرد شتاء بلا أي مأوى أو وسائل تدفئة أو أي مظهر من مظاهر الحياة العادية، لكنهم قوم بسيطون ولطفاء، لم يتخلوا عن نبلهم وطيبتهم رغم كل ما جرى لهم. انها محاولة للتوثيق لتعريف العالم بما جرى في تلك المناطق المنكوبة بالطغيان.

وبخصوص علاقته بالكاميرا وفن التصوير، ومسيرته كمصور وطريقة عمله يقول:

ـ بدأت اهتماماتي بالتصوير منذ الطفولة، التصوير بدأ عندي بمحاولاتي الأولى في الرسم، بعد فترة عثرت على صندوق صغير مليء بأفلام نيجاتيف تعود إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. انهمكت وقتاً طويلاً لمشاهدة تلك الصور التي كانت بالأسود والأبيض، مما شجعني على تعلم الطبع والتحميض وتكبير الأفلام. توسعت دائرة اهتماماتي وأسست مختبراً صغيراً للتصوير، ثم ساهمت بتأسيس جمعية للمصورين الشباب تحت رعاية مركز الرعاية العلمية بإدارة الأستاذ كامل الدباغ يرحمه الله.

وعن كيفية تصويره للعراق الجديد بعد صدام حسين، أجاب بالقول:

ـ قدمت صور هذا المعرض بالأسود والأبيض، مع ان اكثرها كانت ملونة بالأصل، لتتماشى مع مأساة مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين يعيشون على الحدود العراقية ـ الإيرانية لإبراز الجوانب المأساوية لاحفاد سومر وبابل وآشور، لكنني الآن متفائل جداً أن استطيع تصوير عراق الغد وهو يلبس حلّته الديمقراطية ولباس الحرية وإبداء الرأي التي فقدها منذ سنين، منذ أن خنق نظام حزب البعث أفواه العراقيين وكبّل أيديهم بالنار، وأغلق عيونهم بالاسمنت!.. سأصور عراق ما بعد صدام بالألوان، بكل ألوان الطيف الشمسي، ألوان العراق.