كاثلين رين: الثقافة الغربية لا تسمح بظهور شعر عظيم

برحيل شيخة الشعر الإنجليزي ينتهي «الجيل الذهبي» جيل اودن وسبنسر

TT

كاثلين رين التي رحلت قبل ايام، عن خمسة وتسعين عاما، هي باتفاق الجميع تقريبا، واحدة من اكبر الشعراء البريطانيين في القرن العشرين. وكانت الى جانب الشاعر بيتر رسل الذي اختار المنفى الاختياري في ايطاليا منذ الستينات، من القلائل الذين اشتغلوا على نظرية الخيال الشعري كما عند كوليردج.

وعاصرت رين وليم بتلر ييتس في سنواته الاخيرة، وعرفت ازرا باوند وتي اس اليوت، الذي لا تعتبره شاعرا عظيما مقارنة ييتس مثلا ودبليو اتش اودن، وستيفن سبندر. والاخيران درست معهما في كمبريدج، وشكلوا مع ايشتودد «الجيل الذهبي» في الشعر الانجليزي.

ورين مسكونة بالشعر والفلسفة ولم تتوقف لحظة حين زرتها في بيتها بلندن 1999 مع الشاعر والمصور فاضل الشاعر، الذي ترجم لها مقالها الشهير عن سان جون بيرس الى العربية في الستينات، عن الحديث عن هوميروس وافلاطون ونللي وييتس حتى وهي تعد القهوة.

وكرست سنواتها الاخيرة كرئيسة تحرير لمجلة «تيمينوس» التي كان يدعمها الامير تشارلز والتي رفعت شعار احياء القيم الروحية، وادخال شيء من روحية الشرق الى الغرب.

وظلت رين حتى التسعين في الاقل ناشطة في الكتابة. وكانت آخر قصيدة تكتبها كما اخبرتني في مقابلة خاصة نشرت في «الشرق الأوسط» في 15/4/1999، هي عن الشخصية الاسطورية «ستيفورد» الذي يدعى بـ «سيد الدمار» والقصيدة هي ضد ما يجري على المستوى العلمي، خاصة الهندسة الجينية والواقع الافتراضي وغير ذلك.

لقد آمنت رين منذ زمن بعيد، مثل زميلها العملاق الآخر آر. إس. توماس الذي رحل قبلها بثلاث سنوات، بان العلم في الغرب قد وصل الى نقطة يجب ان يدرك بانه لا يمكن امتلاك معرفة مادية من دون التقيد بالعقل، وانه لا يمكن الحديث عن المادة دون الحديث عن العقل في الوقت نفسه.

وكانت رين ترى ان العقل في الشرق وفي الاديان الشرقية شيء اساسي بينما هو في الغرب نتاج للتطور المادي، كما ان الفلاسفة الشرقيين آمنوا دائما ان القضية الروحية والعالم الظاهري في تفاعل مستمر. ومن هنا فهي تعتبر ان الثقافة البريطانية تحديدا تعاني من نوع من العدمية. تدعى بانها تعرف الاشياء كما هي، بينما لا تشكل هذه الاشياء سوى نسبة قليلة من الواقع، وليست هي الواقع كله.

ولهذا السبب لا تستطيع مثل هذه الثقافة ان تنتج شعرا ذا قيمة ويكمن الخلاص في العودة الى الروح.

والروح هو المعرفة اولا، فما ان تعرف حتى تقودك معرفتك الى شيء ما، وهذه المعرفة، كما في حالة ابن عربي او جلال الدين الرومي.

وفي شعر كاثلين رين نجد هذا المسعى الدائب للوصول الى هذه المعرفة، لذلك قلما نراها تلجأ الى التاريخ او الاسطورة باستثناء بعض قصائدها، بل الى ما تسميه «الرؤية الكونية» التي تتضمن الحقائق المادية والروحية، بغض النظر عن مدى نجاحها في ذلك، وهي تعترف في اللقاء الذي اشرنا اليه، بأنها تمتلك قدرا لا بأس به من المعرفة، ولكن ليس الى ذلك القدر الذي من المفروض ان يملكه كل شاعر عظيم حتى يتمكن من مخاطبة كل حاجات المجتمع بمستوى لغوي عال.

وهذا الشاعر العظيم برأيها غير موجود الآن، لأن «الثقافة الغربية العلمانية» لا تسمح بظهوره.

من هنا احساس كاثلين رين الكبير بالنفي، فهي تشعر ان بلدها قد غرق في الداروينية المادية على حساب التفكير الفلسفي، حيث الناس يعيشون ثقافة كرة القدم.

ومع ذلك تؤمن رين، مثل ديفيد جاسجوين الذي اعتزل الحياة العامة في سنواته العشرين الاخيرة، بأن العودة للروح ممكنة واعادة بعث الواقع ليست مهمة عصية، وهي من انبل مهام الشعراء الذين يجب ان يساهموا في تغيير الثقافة السائدة.