تحرير العراق.. شعريا

بينما يميل السياسيون الأميركيون إلى تجاهل الشعراء في بلادهم.. يهتم الزعماء العراقيون بأدباء بلادهم

TT

قال اودن ذات يوم انه «لكي يكتب المرء شعرا يجب ان يكون قد منح موهبتين متميزتين تماما، هما حب اللغة والرؤية الخاصة للعالم العام. وربما كان عليه ان يضيف «تفضيل الغموض» الى متطلباته. وحيثما يتعلق الامر بالثقافة الشعبية الاميركية، فإن الشعراء يشبهون افراد «الطاقم» العاملين في «ستار تريك» ممن تصرعهم نيران مبيدة قبل ان يعبروا عن اي شيء».

ومن المؤكد ان الشاعر ربما انتزع جزءا يسيرا من اهتمام الجمهور عبر النجومية في برودواي، او دفع السيدة الاولى لورا بوش الى الغاء حفلتها الشعرية في البيت الابيض، غير ان مثل هذه الامثلة هي مجرد صور وجيزة على شاشة الرادار الوطني. ويتناقض هذا، على نحو حاد، مع دور الشعر في العراق، البلد الذي عبر كثير من الشعراء الاميركيين، مؤخرا، عن افكارهم حوله، لكن قليلا منهم يحتمل ان يتمكنوا من الاشارة الى موقعه في الخارطة.

فالشعر ذو جذور عميقة في الثقافة هناك، وفقا لما يقول سعدي السماوي. فـ «هناك قول مأثور في العراق هو انه لا يمتلك نهرين كبيرين حسب، هما نهرا الفرات ودجلة القديمان، وانما نهرا ثالثا هو الشعر».

وقد ولد السماوي، الكاتب والباحث، في العراق عام 1946، وتحدثت اليه بالهاتف قبيل توجهه الى اوروبا للترويج الى كتابه الجديد الموسوم «الشعر العراقي اليوم». وكمحرر لهذه الانطولوجيا عمل السماوي مع فريق من المترجمين من اجل ان يجعل الشعر ـ من 40 شاعرا يضمهم الكتاب ـ متيسرا امام الجمهور الغربي. وقال ان للمشروع جانبا جماليا، وجانبا تنويريا كما يأمل. واوضح السماوي ان «أدب أي شعب يعكس ثقافته بأسرها، ويمكن ان يقوض النماذج المقولبة ويعكس انسانية الشعب. فلسنوات طويلة ارتبط العراق، على وجه الحصر، بصدام حسين. ان ترجمة شعراء عراقيين تهدف الى منح القراء الاميركيين والناطقين بالانجليزية فرصة رؤية ان المجتمع العراقي اكثر تعقيدا وانسانية من النماذج المقولبة».

وبينما يميل السياسيون الاميركيون الى تجاهل الشعراء في وسطهم، فإن الزعماء العراقيين عبروا، في مناسبات عدة، عن اهتمام مكثف وشديد بأدباء بلادهم. وقد اكتشف السماوي هذا الامر بصورة مباشرة عام 1963 عندما قام الضباط العسكريون بعمليتي استيلاء على الحكم في العراق. واخبرني السماوي قائلا «كانت هناك مقاومة شديدة. كنا شبابا وبدأنا نشر الادب ضد الانقلاب». وتعرض السماوي، البالغ 16 عاما، الى التعذيب والسجن لمدة ست سنوات. وقال عن فترة سجنه «كانت سلبية وايجابية، لأنني كنت شابا، وكان معظم المثقفين العراقيين ـ المفكرين والكتاب والشعراء ـ في السجن ايضا، وكان بوسعي التعلم منهم».

وقد غادر العراق عام 1976 بعد ان حصل على درجة باللغة الانجليزية من جامعة المستنصرية ببغداد. وواصل دراسته في الولايات المتحدة، حاصلا على ثلاث درجات عليا، بينها الدكتوراه، من جامعة ايوا. وهو الآن يترأس قسم الانجليزية في غرينبل كوليج. وكان السماوي معارضا لصدام، لكنه رفض الاساليب التي استخدمت للاطاحة به. وحسب رأيه فإن العملية العسكرية كانت مذلة للشعب العراقي لأنه لم يمنح الفرصة لتحرير نفسه. وقال «كان السبيل الافضل يمر عبر دعم المعارضة العراقية، وليس جعل المعارضة متكلة على حكومة الولايات المتحدة».

ومن بين القصائد التي اعجبتني في كتاب السماوي قصيدة تحمل عنوان «سجين سياسي». ويكتب فاضل العزاوي عن مواطن اعتقلته دولة قاسية. وعلى الرغم من ان السجين مكبل وجريح، فإن الشاعر يتنبأ بثقة «غدا سينهض/ ليعلن بدء تاريخه». ومثل هذه الموضوعات ـ المنفى، التعذيب، العودة الظافرة ـ تجري معالجتها في الكتاب، وربما كان ذلك انعكاسا محتما لتاريخ العراق المليء بالاضطهاد السياسي وانتهاك حقوق الانسان.

ويرى السماوي عودة الى الوطن في مستقبله، وان لم تكن عودة دائمة. لقد ربى وزوجته المولودة في بغداد ولدين في الولايات المتحدة، وهما مرتبطان بجذور راسخة ولا يمكن ان يقتلعا نفسيهما ثانية. وقال انه يرغب في اقامة «نوع من العلاقة بين البلدين في اطار التعليم». ويرى ان بوسع الشعراء الاميركيين ان يساعدوا عبر دعم ترجمة الشعراء العراقيين، واستضافتهم لتقديم قراءات، والمساعدة على توفير فرص الدراسة والبحث في المعاهد الاميركية. ويأمل ان يستمروا، ايضا، في الكتابة «حول الاحتلال، وممارسة ضغط على الحكومة من اجل الوفاء بوعدها في اقامة ديمقراطية عراقية».

وسيكون مشروع السماوي المقبل ترجمة لاعمال شعراء اميركيين عارضوا الحرب الى اللغة العربية. ويواصل اعتبار اللغة سلاحا يعتمد عليه في مكافحة الجهل والفساد. وربما جرى التعبير عن رؤيته الخاصة للعالم العام، على افضل نحو، في مقدمته لكتابه: «على الرغم من انني فقدت الثقة بالسياسة منذ امد بعيد، ما زلت أؤمن بسلطة الكلمة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»