روائيون من هذا الزمان

أبيات جديدة للألماني الشرقي هاين والبريطاني بارنس والبورمي جوش والألباني ريفارتي

TT

ثقافات العالم حسونة المصباحي في منطقة ريفية اسمها «هاف» تقع اقصى شمال الجزء الشرقي من المانيا الديمقراطية سابقا، يقرر فيلنبروك وهو تاجر سيارات وزوجته قضاء عطلة نهاية الاسبوع هناك. في الليل توقظها اصوات وحركات غريبة. وعند خروج الزوج لاستطلاع الامر، يجد نفسه اعزل امام اجنبي يشرع في الحين في الكلام بلغة قد تكون اللغة الروسية طالبا من اصدقائه تنفيذ الاوامر. ثم يهجم الشخص الاجنبي على فيلنبروك بالعصا، ثم بالسكين لما يفر إلى داخل منزله. ويظل الهجوم متواصلا على البيت بالسكاكين والعصي إلى ان اوشك البوليس على القدوم، وعندئذ يفر الغرباء. وعند وصول فيلنبروك إلى المستشفى، يقول له احد رجال الشرطة: «نحن نعالج كل اسبوع حالة مثل حالتك! اما الطبيب فيقول له: «عليك ان ترفع جدرانا عالية في كل مكان والا فاننا لا يمكن ان ننتصر على الانسانية. في النهاية، الحيوانات الجيدة يتم الاحتفاظ بها دائما داخل اقفاص».

في روايته الجديدة التي حملت الاسم نفسه شخصيتها الرئيسية «فيلنبروك» يحاول الكاتب كريستوف هاين الالتفات إلى الماضي، ملقيا الضوء في الآن ذاته على المشاكل الجديدة التي يواجهها سكان مكان يسمى بـ «المانيا الديمقراطية».

فبعد انهيار الشيوعية، يصبح فيلنبروك تاجراً للسيارات المستخدمة ثم فجأة ينتبه إلى أن بعض السيارات اصبحت تختفي بصورة غريبة للغاية وذات ليلة يقتل كلب الحراسة. وعقب الهجوم الذي تعرض له في بيته الريفي، الذي قد يكون من تدبير مواطنين روس ينتهي به الامر إلى الطرد خارج البلاد يجد نفسه امام مشاكل اخرى عسيرة ويستخلص ان الشرطة ليست قادرة على حمايته.

ويعتبر كريستوف هاين الذي عاش طول حياته في الشطر الشرقي من البلاد، وعرف بالتالي اوجاع وآلام الحقبة الشيوعية واحدا من ابرز الكتاب الالمان راهنا.

وكان من الاوائل الذين تصدوا للنظام الشيوعي من خلال روايات وقصص سوداوية مفعمة بالتشاؤم والخوف والترقب.

نواقص الاشتراكية الديمقراطية النمساوية في عام 1995، اصدر الكاتب النمساوي جوزيف هاسلينجر رواية حملت عنوان «مرقص الاوبرا» سرعان ما اصبحت الرواية الاكثر مبيعا في النمسا خلال ذلك العام.

وتنحى روايته الجديدة «لعب الاب» منحى سياسيا واضحا، اذ انها تنتقد بشكل ذكي نواقص الاشتراكية الديمقراطية النمساوية، والاحزاب اليسارية عموما، التي قد تكون السبب الرئيسي في بروز اليمين المتطرف الذي يحكم البلاد راهنا. والرواية المذكورة لا يمكن تلخيص مضمونها في جملة، أو في بضع جمل، انها رواية تلتقي فيها مصائر جيلين مختلفين لا يلتقيان إلا في نهايتها. بين شخصيات هذه الرواية، روبرت كرامر، الملقب بـ «الفأر» وهو نمساوي في الثلاثين من عمره يعاني من ازمة وجودية حادة. ولانه اناني بشكل لا يحتمل فانه يجد نفسه وحيدا امام مصيره، بلا اصدقاء ولا حب، وهو ابن معلمة من الاقاليم الداخلية وسياسي انتمى في سن الشباب إلى الحزب الديمقراطي ـ الاشتراكي وظل يرتقي سلم المناصب إلى ان تم تعيينه وزيرا للمواصلات. ويكره روبرت اباه كرها شديدا ويتهمه بانه خان المبادئ الاشتراكية ـ الديمقراطية. واما امه فيتهمها بانها مسؤولة عن تشرذم العائلة بسبب افراطها في تناول الكحول.

ومع مرور الزمن، تصبح الكراهية التي يشعر بها روبرت تجاه والده، المحور الاساسي لحياته. الشيء الوحيد الذي يشغله طول الوقت هو الكومبيوتر.

وتتخلل قصة روبرت قصة يوناس ستروهم الذي عاش في المعسكرات النازية خلال الحرب العالمية الثانية، الذي يعتقد انه عثر في اميركا على قاتل والده. وفي نيويورك يلتقي يوناس ستروهم بروبرت كرامر، وهنا تتداخل قصتا الشخصيتين لتصبحا في النهاية وكأنهما تعكسان تاريخ النمسا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى هذا الساعة.

بورما من خلال رواية لاميتاف جوش تبدو رواية اميتاف جوش الجديدة التي حملت عنوان: «القصر البلوري» كما لو انها نسيج عنكبوت من خلاله يمكننا ان نعرف تاريخ بورما بتفاصيله الصغيرة والكبيرة على مدى عقود طويلة. وتبدأ احداث الرواية في مدينة «مند لاي»، العاصمة القديمة لبورما، بمحاولة خلع الملك الشاب، واندلاع معارك دامية في الشوارع، تدفع العائلة الملكية إلى الفرار. ويصف الطفل داجكو مار هذا الفرار الفوضوي من «القصر البلوري» بدقة متناهية.

وثمة مشاهد تظل راسخة في ذهنه لامد طويل، خصوصا وجه الخادمة دولي المحببة للاميرات. ثم يكبر الطفل اليتيم راجكومار إلى تاجر ثري حتى انه يشعر انه «ملك جديد». وها هو يتزوج من الخادمة دولي ويعود بها إلى البلد الذي شهد مولدها. عن هذه الرواية، كتب احد النقاد الهنود يقول: «من جميع اقسام الكتاب، يستعمل اميتاف جوش نهاية ما، لكي يعلن عن بداية ما. ولعله يفعل ذلك لاشعارنا بانه لا شيء يتطور وانما كل شيء يتغير. الحياة والموت والنجاح، كل هذا يظهر بين مرة واخرى. وما يجعل ماسأة الحياة محتملة هو قبول الألم (..)، ثم ان اميتاف جوش يوزع شخصيات روايته على اماكن مختلفة، في بورما والهند وماليزيا، ويخلط احداث حياتهم بعضها ببعض ليقودنا في النهاية إلى خاتمة مكتملة على المستوى الفني».

الحب وأشياء اخرى..

تدور احداث رواية الكاتب البريطاني المعروف جوليان بارنس شمال لندن، وموضوعها الاساسي هو الخيانة الزوجية. وفيها ايضا ثيمات اخرى مثل الحب والانتقام والسلطة.

وليس هناك شخصية محددة في الرواية. وجوليان بارنس يعشق اللعب، واستدراج قارئة إلى متاهاته التي يتقن ابتكارها. ستيوارت، هو واحد من شخصيات هذه الرواية. وهو كائن فاضل جداً لكنه مضجر إلى اقصى الحدود. انه متزوج من جليان غير ان هذه الاخيرة تختار الفرار مع صديق له يدعى اوليفر يتقن تغيير الاقنعة وفن الخداع والكذب واللعب بعواطف الآخرين حتى ولو كانت نبيلة. وتزداد شخصيات الرواية حزنا غير انها تصبح اكثر تعقلا وحكمة. ويتزوج اوليفر من جيليان وينجبان ولدين. وهما يعيشان ظروفا صعبة للغاية، وهنا تتدخل شخصية اخرى في احداث الرواية متمثلة في رجل مترفه، يملك سلسلة من المحال التي يبيع فيها المواد الخالية من الكيمياويات. وهو الذي ينقذ اوليفر وزوجته جيليان من الفقر الذي كانا يعيشان فيه مع طفليهما فينتقلان للعيش في شقة انيقة شمال لندن. غير ان نهاية الرواية تتعقد كثيرا حتى ان القارئ يضطر لاعادة قراءتها اكثر من مرة ليدرك الحقيقة. ولعل جيليان بارنس اراد بذلك ان يوحي لنا بان الحياة جد معقدة، الشيء الذي يجبر الكاتب على مجاراة ذلك التعقيد. وقد علقت صحيفة «الديلي تلجراف» على هذه الرواية قائلة: «يمكن القول ان بارنس يتقن فن المناورة واللعب. وهو هنا يقدم لنا رواية هي الاشد سوداوية وحزنا بالنسبة لرواياته السابقة. لكن، وبالرغم من مرارة هذه الرواية ومن قسوتها، فانها لا تخلو مع ذلك من اريحية. والروعة الحقيقة لهذه الرواية تكمن في بساطتها، وفي دقة الملاحظات وايضا في الانسجام البديع بين الشكل والمضمون.

رواية البحر هو كاتب الباني يدعى بيريز ريفارتي مغرم بهرمن ملفيل وجوزيف كونراد بأغلب الكتاب الذين خصصوا للبحر اعمالهم. وفي روايته الجديدة الصادرة حديثا تحت عنوان (الخريطة الكروية) يختار بطلا اسمه اسماعيل تماما مثلما هو الحال في «موبي ديك» لهرمن ملفيل. وعن هذا الاختيار يقول: «لقد احببت كثيرا رواية «موبي ديك» وقرأتها العديد من المرات. واعتبرها من الروايات التي فتحت امامي افق الكتابة. لذا لم اتردد في اعادة الاعتبار لواحد من ابطالها، اي اسماعيل». ويضيف بيريز ريفارتي قائلا: «هناك مراحل ثلاث في ادب البحر. مرحلة ستفنسون ومرحلة ملفيل ومرحلة كونراد. وفي الحقيقة، أنا عشت هذه المراحل الثلاث في البداية، كنت جيم هاوكينس في رواية «في فندق الاميرال هاوكينس» الذي كان يشاهد القراصنة وهم يروحون ويجيئون. في ذلك الوقت كنت احلم بمغامراتهم. وتلك كانت مرحلة ستفنسون. بعدها جاءت مرحلة ملفيل. وهنا ابحرت بعيدا لكي اكتشف البحر والحياة المليئة بالمغامرة والعنف والخوف والألم.. وفي النهاية، نضجت. وقد تم ذلك مع كونراد.

واستطيع ان اقول ان مرحلته هي مرحلة اوليسيس عندما يعود من رحلته الطويلة في عمق البحار ليستعيد وهو على اليابسة اطوار مغامراته واسفاره والمشاق التي واجهها.

هل معنى هذا انه مسافر داخل الكتب وليس في البحار؟

عن هذا السؤال، يجيب بيريز ريفارتي قائلا: لقد ولدت بعيدا عن البحر. وفي طفولتي، كنت ارى نفسي على ضفاف البحر، وكنت اشاهد البواخر وهي تمر، ورجالا بالوشم على اجسادهم التي لوحتها الشمس، ينزلون من البواخر، وبنساء يستقبلنهم ضاحكات. في هذه الفترة كان نظري يتجه نحو البحر غير انه ظل عالما مجهولا بالنسبة إليّ. والكتب هي التي جعلته قريبا مني. وكنت اقرأ هذه الكتب واقول: «يوما ما، ساذهب إلى هناك، وسأعيش لذة الاسفار والمغامرات، وربما تغرق الباخرة التي اكون فيها، واجد نفسي وحيدا في جزيرة مجهولة مثل روبنسون كروس، بل يمكنني ان اقول ان الكتب كانت اول البحار بالنسبة إليّ. وعندما غادرت البيت العائلي، كانت اول سفرة لي على ظهر باخرة». ويواصل بيريز ريفارتي حديثه عن البحر قائلا: «لقد كان البحر حاضرا في حياتي منذ البداية. كان جزءا من حياتي وحتى وان لم يكن مصدر عيش بالنسبة إليّ، فانه كان مصدرا روحيا. ودائما كنت اذهب لاستريح على ضفة البحر، خصوصا عندما اعود من الرحلات التي يفرضها عليّ عملي كصحافي. لقد كان البحر ملجأ بالنسبة إليّ».

جوليان بارنس