احمد دحبور: نحن ننشر الرفاهية أحيانا باسم البطالة وأحيانا أخرى باسم الثقافة

الشاعر ومساعد وزير الثقافة الفلسطيني: دبابة شارون على بوابة بيروت أحدثت القطيعة بين المثقفين العرب

TT

ولد الشاعر الفلسطيني احمد دحبور في حيفا عام 1946، وبعدها بعامين في 21 ابريل (نيسان) 1948 حلت النكبة، عرف بعد ذلك حياة التجوال في البلدان العربية. في الثامنة عشرة من عمره اصدر اول دواوينه عام 1964 وهو بعنوان «الضواري وعيون الاطفال»، وأصدر بعدها 12 كتابا شعريا. وكتب دحبور المسرحية والدراما التلفزيونية والأغنية أيضاً. وهو يعمل الآن وكيلاً مساعدا لوزير الثقافة في فلسطين.

هنا حوار معه جرى في القاهرة:

* هناك ما يشبه الانقطاع بيننا وبين الأدب الفلسطيني في الداخل. كيف تفسر ذلك؟

ـ منذ 1982 كادت تضيع البوصلة، فعندما دخلت دبابات شارون عاصمة عربية مزدهرة مثل بيروت لم تقدم على اجراء عسكري فقط، انما احدثت خللا باتصال العرب بعضهم بعضا ، صحيح ان الاحتلال ارتد خاسرا ذليلا بفضل المقاومة النبيلة من الثورة الفلسطينية اثناء الاجتياح ثم المقاومة اللبنانية البطلة، لكن الحقيقة أن هناك اثاراً سياسية ترسخت في المنطقة.

وبصراحة، يجب ان نعترف أن مرحلة النهوض القومي التي مثلها عبد الناصر انكسرت على نحو ما. وأريد ان اعطي مثالا واحدا، ففي عام 1967 كتب امل دنقل قصيدة «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»، وبفضل هذه القصيدة اصبح نجما شعريا في الوطن العربي، لان مجلة الآداب في بيروت كانت من الازدهار بحيث انها كانت توزع من المغرب الى المنامة في حرية. الآن شعراء كبار بحجم ادونيس ومحمود درويش وآخرين يصدرون مجموعات شعرية قد تكون نوعية في تاريخهم، وقلما تقرأ مقالات أو دراسات عنها. هناك تغير في الخريطة الثقافية بسبب زحزحة العواصم الثقافية العربية. ربما لهذا السبب دعت منظمة التربية والثقافة والعلوم الى مشروع العواصم الثقافية لاستدراك ما فات، فكانت اول عاصمة ثقافية هي القاهرة ثم كرت المسبحة هذا العام العاصمة الثقافية هي الرباط والعام القادم ستكون صنعاء، لكنني اخشى ان ظاهرة العواصم الثقافية العربية الايجابية انها تجعل القائم على الشأن الثقافي في البلد المعني يهتم بالثقافة في بلده دون الالتفات الى العواصم الأخرى.

ماذا عن السوق الثقافية العربية المشتركة ماذا عن صندوق التنمية الثقافية، ماذا عن النتاج الثقافي والمؤسسات المكلفة بتوزيعه؟ لا شيء، وليس هناك شيء جدي في ذلك. اصبحت الثقافة بفضل مرحلة البترودولار توفر مجلات انيقة وثقيلة ومغذاة بأقلام ممتازة. لكن للأسف أراها مقصورة على الخاصة. انا شديد الاعجاب مثلا بفكرة مكتبة الأسرة في مصر والسلاسل البديعة التي توفر الكتاب لكل قارىء مصري، ولكن المشروع بحد ذاته يقف عند مثلنا الشعبي ان يدا واحدة لا تصفق، ونحن لا نزال ننتظر حركة جوهرية تشمل الثقافة العربية أو الحياة العربية بشكل عام بحيث انتظر القصيدة التي ينشرها الشاعر العراقي أو المصري أو الفلسطنيي فتجعل منه نجما في سماء الشعر العربي، كما كانت تفعل مجلة الاداب البيروتية. لست يائسا من قرب تحقيق هذا الأمل.

* كيف اذن يمكن معالجة قضية الاتصال هذه، أو، في الحقيقة، عدم الاتصال؟

ـ ليست المسألة ان انشر كتابا في مصر أو عراقي ينشر كتابا في دمشق. هذه الحركات تتم جزئيا لكن الايقاع بشكل عام لايزال يحكمه منطق اقليمي. ولا شك ان هيئة قصور الثقافة عندما تنشر مختارات لفدوى طوقان تقدم خدمة لقرائها. أما أنا فلي اصدقاء نافذون في وسائل النشر الرسمية عرضوا بشكل كريم طبع مختارات وسألبي شاكرا. لكن هل تعتقد ان هذا سوف يحل المشكلة، هناك حالة من الوهن والتعب في اللحظة الثقافية العربية عموما، وهذا ما ألاحظه في كل مؤتمر أدباء عرب أشارك فيه ويتجلى في عدم معرفة المبدعين المشاركين بعضهم البعض، كما ان بعضهم يأتي بأوهام انه معروف ليكتشف ان المشهد مقيد بسبب ظرف عربي عام. ولذلك أنا لم أكن أتحدث عبثا عندما اشرت الى دبابة شارون، هي لم تحتل بيروت بل ارتدت حاسرة عنها، ولكن احدثت اثرا في الحياة السياسية انعكس على الحياة الثقافية أدى الى هذا النوع من الغربة بين المثقفين. طبعا هناك محاولات لازالة هذه الغربة لأننا في زمن الفضائيات والانترنت، والمشهد ليس أسود تماما، لكن هناك مشكلة يجب الاعتراف بها.

* هل تعتقد ان عملك في وزارة الثقافة يتناقض مع كونك مبدعاً؟

ـ انا افترض ان المواطن سواء كان مبدعا أم منتجا عاديا لا بد ان يعمل، والا لكنا نبشر للبطالة باسم الرفاهية المطلوبة للمثقف، نحن لا نريد تنابلة سلطان، الانسان يجب ان يكون منتجا وبالتالي سواء كان موظفا في وزارة الثقافة أو في وزارة الاقتصاد هذا عمل. ولكنني من جهة اخرى لا افترض ان وزارة الثقافة هي من المؤسسات التي تلزم موظفا بعمل ما لا يريده، ربما كانت وزارة الاعلام، بما لها من علاقة بالرقابة والمنح والمنع. لكن من صلب عمل وزارة الثقافة كما افترض دعم الانتاج الثقافي للمجتمع المدني وعدم التحكم به. الثقافة لها علاقة بالمسرح والسينما والقصة والرواية والطباعة وادب الاطفال والتراث ،والمتاحف والتنمية الثقافية، المثقف في وزارة الثقافة يتحدث يوميا بحياته الوظيفية بالشأن الذي يعنيه كما افترض، اما اذا وجد تعارضاً بين إبداعه ووظيفته فهذا الأمر ليس له علاقة بوزارة الثقافة.

أي مكان يمكن ان تصطدم فيه بما لا يروقك وحتى يكون الامر واضحا أقول إنَّنا ناقشنا أسس وزارة الثقافة التي اعمل فيها، ولي موقع متقدم فيها منذ ان وصلنا الى الجزء المتاح لنا من الوطن، فقلنا نحن لا ننتج الثقافة بل ندعمها لأن الذي ينتج الثقافة هو المبدع كفرد سواء كان موظفا أو لم يكن موظفا. اما مهمة وزارة الثقافة فهي ان تطلق هذا الانتاج وتيسر له السبل واول فاعلية قمنا بها عندما عدنا الى الجزء المتاح لنا من الوطن، هو اننا جمعنا الأفلام التي قام بها المبدعون والمخرجون الفلسطينيون بجهود ذاتية واقمنا عشرة ايام للثقافة والسينما الفلسطينية في غزة. كما اوفدنا مجموعة شباب كان يتدربون على مسرحية اسمها «ابريق الزيب» من نتاجهم المحلي وقد وظفنا اسمنا كوزارة ثقافة وخاطبنا وزارة الثقافة المصرية لتعرض في مهرجان المسرح التجريبي وعرضت فعلا. هذا هو دورنا.

* حاولت في ورقتك التي قدمتها الى مؤتمر الثقافة الفلسطينية ان تسمي مبدعين من فلسطين على انهم رواد في فنون عربية بخلاف ما هومعروف؟

ـ انا لم اتصور انني بحديثي سوف اضع فرسانا فلسطينيين في حلبة هذا السباق وعندما تحدثت عن الشاعر النشاشيبي الذي رثى الشاعر احمد شوقي عام 1938 بقصيدة تفعيلية اردت ان اشير الى استعدادنا في فلسطين لقبول الجديد. قبل السياب الذي لا اعتقد ان هناك قصيدة تنطبق عليها صفات الشعر الحديث بمعنى التفعيلة قبل قصيدته «هل كان حبا» عام 1946. السياب أسس واستمر، ولذا فإن تأريخ الشعر الحديث أصبح معروفا، وعندما يقال هل كان السياب أولاً، أم نازك هي الأولى، يكون هذا كله بمثابة الحرتقات لانه معروف في مسيرة الشعر الحديث ان المؤرخ الحيادي يقول انه ظهر وازدهر مع أواخر النصف الأول من القرن العشرين. وكل ما قصدته من اشارة الى المحاولات الفلسطينية كان الهدف منه الاشارة الى ان هؤلاء الناس في هذه الرقعة المحدودة كان لديهم قدرة على الإبداع الحداثي، أما ما يتعلق بالسينما ففي عام 1927 عندما شاهد جمهور الاسكندرية أول فيلم عربي روائي للأخوين بدر وابراهيم لاما، كان هذا أول فيلم، وطبعا اخواننا المصريون يزعلون من هذا ويقولون بل عزيزة أمير. هم أحرار لكن التاريخ موجود، وكتاب جورج سادول موجود، وهم رغم ذلك يقولون نحن نؤرخ لما عرض في القاهرة وليس في الاسكندرية، وهذه طرفة. لكن على أي حال أنا أصالح المشهد الثقافي العربي فأقول ان انتاج الأخوين لاما مصري، صحيح انهما فلسطينيان من بيت لحم لكنهما أتيا الى مصر وبقيا فيها حتى توفيا وكل انتاجهما بفنيين وفنانين وبيئة وأرض في مصر، لا خلاف على المسألة، لكن مرة أخرى أشير الى ان هذه المنطقة الصغيرة كانت كالوردة المتفتحة وأتى المشروع الصهيوني واقتلعها.

* وماذا عن رواد القصيدة النثرية لديكم؟

ـ ما يتعلق بقصيدة النثر تاريخ ومحاولاتها موجودة منذ امين الريحاني في القرن التاسع عشر ومحاولات جبران في لبنان وبعض المحاولات المصرية الجادة لكن كان الشارع والذوق العربيان يتعاملان مع هذا الجنس الادبي بنوع من الالتباس، تارة يسمونه شعرا منثورا ونثرا جميلا ونثرا فنيا. لكن توفيق صايغ عندما قدم 30 قصيدة عام 1954 عرف لأول مرة ان ما قدمه ديوان شعر، وقد رفضه التقليديون حتى الموت، لكن هذا موضوع اخر. وهناك حتى الان من يرفض قصيدة النثر، لكني أعود وأقول اننا عناصر في مشروع ثقافي عربي وعندما نتحدث عن شاعر فلسطيني وروائي مصري وسينما مصرية ومسرح مغربي فنحن نقول ذلك لتسهيل البحث، المشروع الثقافي هو مشروع عربي واسئلته واحدة.

* المطلع على نتاجاتك الشعرية يكتشف ان لقصيدة النثر حضورا هامشيا عندك لماذا؟

ـ قصيدة النثر لحظة من لحظات الابداع الشعري العربي. لا التطرف ولا المكابرة يغيرها، ورغم انني نشأت نشأة تفعيلية افتتنت بتوفيق صايغ منذ الستينيات وهو الذي لم يكتب سطرا واحدا موزونا مع انسي الحاج، واحببت المحاولات النثرية التقليدية التي كتبها ادونيس. ولو عدنا بالذاكرة العربية 1400 سنة لوجدنا ان الذوق العربي لم يكن يعترض على غير الموزون، والذوق العام كان مستعدا لقبول غير الموزون. الآن جرت تطورات في الصراعات الأدبية ولكن كانت هناك اشارات تنبئ ان هناك اشكالا من التعبير، وكان طبيعيا ان تأتي التفعيلة كشكل كتابة شعرية جديد في وقتها، وتقدمت قصيدة النثر بعد ذلك.

من سنة الحياة ان الذي يرسو على مرسى يخاف من الجديد، وهذا ما يفسر ان هناك من تحفظ من شعراء التفعيلة، على ما أتى بعد ذلك، اقصد قصيدة النثر، مدعين ان قصيدة النثر لا توجد ضوابط خارجية لها، وأن الشروط التي ساقتها سوزان برنار لكتابة القصيدة النثرية يمكن أن تكون في أي نص آخر. لكني أقول ان على الشاعر أن يخوض معركة صعبة مع نفسه ومع اللغة لكي يجعل ما يكتبه شعرا، أما اعتراضي على قصيدة النثر فأنا أرى أنها جعلت كثيرا من الأدعياء يخوضون فيها حيث تفتح القصيدة مسافة فسيحة للأدعياء في غيبة النقد بعد أن تراجعت حركة الكتابة النقدية. وبالنسبة لي أستطيع القول انني منذ عام 1979 لا تصدر مجموعة شعرية لي إلا وبها قصيدة نثر أو أكثر.

* لماذا ليس اكثر؟

ـ انا ايقاعي موزون. لكن ربما السبب الاكثر عمقا من هذا هو انني لاحظت ان قصيدة التفعيلة عندما كتبها الشعراء العرب كانت قائمة على البحور ذات التفعيلة الواحدة، كما لاحظت ان البحور المركبة التي تحوي اكثر من بحر قلما لامسها الشعراء مع ان هناك تجارب رائدة كتبها ادونيس، والسياب، ويوسف الخال. وقد تساءلت عندما ادركت ذلك لماذا لا نتوسع في الكتابة على هذه البحور المركبة. وديواني 21 بحرا الذي صدر عام 1982 قائم على احدى وعشرين قصيدة كل واحدة لها وزنها المختلف عن الاخرى بما فيها النثر والدوبيت وهو بحر فارسي والتوليد وانشاء ما يشبه البحر الجديد.

* من أعماله

* «الضواري وعيون الاطفال» 1964 ـ حكاية الولد الفلسطيني ـ طائر الوحدات ـ بغيرها ما جئنا ـ اختلاف الليل والنهار ـ شتاء 21 بحرا ـ شهادة بالأصابع الخمس ـ هكذا كسور عشرية ـ هنا. هناك ـ جيل الذبيحة».

وتصدر له قريباً مجموعتان: الاولى «كشيء لالزوم له» والثانية «أي بيت».