مفيد الجزائري: وزارة الثقافة كانت وزارة لشرطة الثقافة ولاضطهاد المثقفين

وزير الثقافة العراقي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن المهمات المطروحة أمام وزارته * نحن نبدأ من مرحلة 50 تحت الصفر * الخصخصة جزء مهم في تطوير العملية الثقافية إلا أنها لا تلغي الدور الأساسي للدولة * الثقافة أداة من أدوات تحقيق الحرية والديمقراطية

TT

قال وزير الثقافة العراقي مفيد الجزائري، ان التوجهات الثقافية تلعب دورا اساسيا في تحقيق السيادة الوطنية الكاملة للبلاد، وان استقلالية الثقافة العراقية بكل اصالتها وعمقها وتفاعلها مع الثقافات العالمية تعد ركنا مهما في التعبئة الوطنية من اجل عراق الغد الديمقراطي المستقل.

وذكر الوزير العراقي، في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان الثقافة العراقية المعروفة بجهاديتها وبنضالها الدؤوب وتفاعلها مع قطاعات الشعب كافة، كانت ولا تزال من اهم عناصر السيادة، ومن اهم عناصر بناء المجتمع التعددي الديمقراطي.

واضاف ان وزارته (الجديدة)، وهي تتسلم مهامها الان، تواجه وضعا معقدا للغاية بسبب انعدام الوسائل التقنية وانهيار البنى التحتية، وهي بهذا الشكل ليست في مرحلة اعادة بناء، وانما اقامة بناء جديد يستند الى خلفيتين متناقضتين. فهي تبدأ من مرحلة 50 تحت الصفر بسبب ما الحقته الدكتاتورية والحروب من دمار في الثقافة، وفي النفسية الثقافية، وهي تبدأ ايضا من مرحلة متقدمة بما هو متوفر من كادر ثقافي جيد، ومن تراث لا حدود له، وكان عصيا حتى على ابشع وسائل الابادة الفكرية.

ويرى الجزائري أنه «من الصعب تصور بناء عراق ديمقراطي حقا، كما نتوق اليه جميعا كعراقيين قاسينا طويلا من الدكتاتورية وكافحنا ضدها، من دون اعادة بناء للثقافة والنهوض بها.. الثقافة في العهد المنهار تعرضت الى تخريب شامل استهدف نزع كل ما هو ثقافي بمعنى الكلمة من الثقافة، وتحويلها الى امية وتجهيل، وذات مسار واحد يمجد سياسات الدكتاتورية والحروب وقتل انسانية الانسان.. وهذا شيء طبيعي لان من الصعب على الدكتاتورية السيطرة على شعب يعيش في بيئة تفعل الثقافة فيها فعلها المؤثر».

وعن كيفية النهوض بالفعل الثقافي قال: ان الثقافة صنو للديمقراطية.. وبناء عراق ديمقراطي يستلزم ويفرض النهوض بالثقافة وتطويرها وتأمين نموها المطرد. وهنا نجد المسألة معكوسة عما كانت عليه.. وزارة الثقافة كانت وزارة لشرطة الثقافة، ولاضطهاد المثقفين، وخنق صوتهم، ولم يكن ممكنا الا ان تكون كذلك حتى تستطيع ان تؤدي الغاية المطلوبة منها، وهي اشاعة الامية الثقافية والسياسية. ومن حصيلة هذا الجهد الجهنمي الحثيث والمستديم الذي بذلته وزارة الثقافة السابقة، وقبلها وزارة الثقافة والاعلام، ما نلمسه بشكل مخيف، وما يتجسد خصوصا في الفقر الثقافي والمعرفي المريع في اوساط الاجيال الجديدة، وطمس الهوية الثقافية، والشخصيات الثقافية، وتشويه الوعي.. وكذلك مسخ الانسان وتشويه شخصيته وتحويله الى كائن مبلد ومطوع تسخره السلطة المستبدة الى ما يخدمها ويؤمن مصالحها.

أما بالنسبة للأولويات المطروحة على وزارته فهي: التركيز على استقلالية وحرية الفكر، وضمان الحياة الكريمة للمثقف، والدفاع باستماته عن حقه في استقلاليته.. أي النقيض تماما لما كان موجودا، لذا فان من اولويات عملنا ازالة كل الادران، وكل الارث الثقيل الخانق الذي تركته سنوات الطغيان والكبت في المجال الثقافي، واطلاق العنان من جديد للبذور الطيبة للفكر وللثقافة العراقية الاصيلة، لتتفتح وتنمو وتزدهر تحت شمس الحرية، وفي بيئة معافاة.

اعتبر وزير الثقافة العراقي بعض الاجراءات «المتشددة» بانها «شر لابد منه» ليس فقط لانهاض الثقافة ونشر انوارها في جنبات المجتمع العراقي ـ وهو المتعطش لها بعد عقود قهر طويلة ـ، وانما هو ضروري لتهيئة اللازمة للحياة الديمقراطية في البلاد.

وحول نشر الثقافة الجماهيرية، قال الوزير العراقي: ستكون امام وزارة الثقافة في المرحلة المقبلة مهمة كبرى الى جانب تأمين اسباب التطور الثقافي بشكل عام ودعم المثقفين وجهدهم الابداعي ونشاطهم عموما.. هذه المهمة يمكن تلخيصها بكلمة (التنوير) حيث ينبغي التوجه الى اوسع اوساط المجتمع، على تخوم المدن الكبرى وفي احيائها الفقيرة وفي الارياف.. ينبغي نشر ثمار الثقافة والمعرفة والابداع العلمي والادبي بين كل الناس لتسهم في اعادة الصحة والعافية الى النفوس التي مازالت اثار التشويه والتعب تثقلها جراء الممارسات الدكتاتورية السابقة.

وبالنسبة للشكل التنظيمي يرى الجزائري أنه لابد من اعادة النظر في هيكلية وزارة الثقافة، وتغيير الهيكل القائم، لجعله منسجما مع اهداف الوزارة وغايتها التي اشرنا اليها.. «فالهيكل القائم لا يمكن ان يتسق مع مطامحنا وتطلعاتنا في الوقت الحاضر وفي المستقبل.. نعتقد ان علينا اعادة النظر في هذه الهيكلية، ووضعها في خدمة شعبنا عموما، والمثقفين الديمقراطيين خصوصا، وفي هذا المجال يمكن ان نستعين بخبرة غيرنا من الدول التي تسبقنا بمراحل على صعيد العناية بالثقافة والاهتمام بها، لذلك سنسعى للاطلاع على اكثر ما يمكن من البنى التنظيمية للوزارات المماثلة في العديد من الدول العربية والاوروبية وغيرها، لنستعير منها ما يمكن ان نجده نافعا ومناسبا ومنسجما مع خصوصيتنا، حتى ننطلق منه في اعادة هيكلة شاملة في عمل الوزارة.. هناك تجارب جيدة في عدد من البلدان العربية مثل الكويت ومصر وغيرها، سنسعى للاستفادة منها، ومن خبراتها في هذا المجال».

وتطرق الوزير الى تشكيل مجلس اعلى للثقافة والفنون، مشيرا الى تجربتي مصر والكويت في تأسيس مثل هذا المعلم الثقافي قائلاً: «ان تأسيس المجلس الاعلى للثقافة والفنون، او المجلس الاعلى للاداب والفنون ـ يمكن الاتفاق على التسمية ـ هو من مهمات وزارة الثقافة، وليس اية جهة اخرى (وقد جرت محاولة لاظهار مثل هذا التشكيك). واعتقد ان هذه المسألة تستحق دراسة معمقة وليس قرارات ارتجالية، لكي تكون واحدة من الاليات المناسبة لعملنا وجهدنا المقبل على طريق فتح المزيد من الافاق امام المزيد من الثقافة ونموها. ونحن نأمل ان يشارك اكبر عدد من المثقفين في مناقشة ودراسة هذا الموضوع، ومن مختلف جوانبه، ومن ضمن ذلك طروحات (الخصخصة) التي هي جزء مهم في تطوير العملية الثقافية، الا انها لا تلغي الدور الاساسي للدولة وما تمتلكه من امكانيات وطاقات. على كل حال، كل مشروع سيطرح امام كل الناس، ولن تكون هناك مسودات قرارات او قرارات جاهزة.. فالعمل خلف الكواليس يناقض الروحية الديمقراطية التي نسعى الى اشاعتها.

وتناول حديث وزير الثقافة العراقي دور النشاط الثقافي في استعادة او استكمال السيادة الوطنية، مشيراً إلى أن «الشعور الوطني والتعلق بالاستقلال والسيادة الوطنية هو شعور فطري عند العراقيين، وهو شعور اصيل لا يمكن ان يشكك فيه احد، لكن هذا الشعور يترسخ ويقوى اكثر عند من يتمتعون بالوعي السياسي والثقافي الكافي، لذلك ـ ايضا ـ نلاحظ ان ثقافات الشعوب هي دائما اداة من ادواتها في مواجهة كل اشكال القهر والبطش، سواء جاءت من الخارج ام من الداخل.. الشعوب بثقافتها تقاول كل اشكال الظلم الاجتماعي والسياسي والاحتلال الاجنبي. وكان الشعر، وكانت القصة وكذلك الرسم والتمثيل في خدمة كفاح شعبنا. الثقافة لعبت دورا اساسيا في تدعيم الحركة الشعبية المطالبة بالتحرير والاستقلال والسيادة الوطنية. وفي ضوء ذلك ندرك حميمية الصلة بين الثقافة والاستقلال الوطني، وعندما نطمح الى عراق ديمقراطي نؤكد دائما انه عراق ديمقراطي ومستقل وسيد، عراق الديمقراطية والسيادة الوطنية والثقافة. واخيرا نقول: ان الثقافة تتطور في اجواء الحرية والديمقراطية، وهي اداة من ادوات تحقيق الحرية والديمقراطية».