الرائد لا يكذب أهله

د. فاروق مواسي*

TT

يوم اعتقلوه

كان أبوه

يلقي آخر نظراتِ الصحوه

إذ يُجمل هذي الدنيا من قبل فراقْ

«شربة ماء»

(صدق ابنُ السمّاك)

لكن الرائد لا يكذبُ أهله

يرنو لأبيه

فيرى عينيهِ كليلينْ

يساقطُ من هذي أو تلك

فجرٌ في غمضةِ عينْ

يتلو الشيخ

آياً من ذِكر يتعشق تجويدهْ

ويترجمُ فيه الأشواقْ

يدعو ـ عبثا أن يستأخر حقّا مقضيًّا

والحزنُ الطاغي يبعثُ موسيقا

دامية الأوصال تدمدمْ

بنشيجٍ وشجا

والدُه صار يُغمغم:

«كنتُ شممتُ أنا يا ولدي

رائحة الأرض الفيحاءْ

فاحت في جبهتكَ الشمّاءْ

من يوم ولدت

وقال لنا الإيمانُ

بكل لسان:

لن يهزمك الأعداءْ»

***

هبط العسكرُ في مشهدِ هَولْ

واقتحموا، رافقهمْ هلعُ

سابقهم فزعُ

أمسك ضابطُهم بالقيدْ

قعقع أو جعجعْ

فصحا المرضى، نام الليلْ

كان على عينيه تشفٍّ مفضوحْ

وهو يجيءُ يروحْ

يدعو لوليمةِ أخبارْ

(لصحافه

ينطقها في لكنه

«لسخافه»)

وتكشرْ

إذ أمرا أصدرْ

«ـ يا شيخ،

إنك معتقلُ

ولك الويلُ

قد دانك بندُ القانونْ

تقبعُ حتما في غيهب سجن مسجونْ»

ـ «هل يمكن أن أسأل:

(مع أني لا استغرب ماذا قلت وماذا تفعل)

هل قمتُ بأي جريره؟؟!!»

ـ أوتسألْ؟!

تهبطُ أودية علويه

تصعد أشواقا نورانيه

تشهد أندية عدوانيه

أوتسأل؟!

تدفع

لذوي البيت المهدومْ

وتعين السائل والمحروم

وإعانات يتامى وأيامى

أوتسأل؟!

تجمع أموال زكاة أو صدقات

تتأملْ

متكئا قرب جدار الوطن الراعفْ

تحملُ لافتة الجرح النازف

وتضمِّدْ

كل جريح مكلومْ

تمنعنا ان نسرح أو نمرح

في هيكلنا

(في هار هبايت)

وترممْ

ثم مساجدْ

دوناها حانات ومتاحفْ

كي تبقى للذكرى للتاريخْ

وترممْ

نسم بلاد ليستْ ببلادكْ

حيث هواءٌ مملوء بالاحقاد وبالانقاضْ

قال الأتباعْ:

صدرك مفتاحْ

وجهك وضاحْ

صوّرناك وأنت هنا وهناكْ

تبني مشفى

تتعهد روضة أطفال تبهجُ كل صباحْ

تمنع دمعه

وتواسي لوعه

سجلنا ما هاتفت وما كاشفتْ

(حين تجسسنا)

قلت:

«أبغي أن أجعل مني أو منك عصاميا»

ولذا أصبحت ثريا

قسما سنحاسبُ فيك وبكْ

من يمشي منتصب القامةِ والهامه

أو من يرتادُ دروب كرامه

أو من كان أبيّا عربيّا

فالعزة عزتنا

والكلمة كلمتنا

والصولة أكبر

ولنا النهيُ

ولنا الأمرُ

ولنا السرُّ

ولنا الجهرُ

ولنا الفعلُ

ولنا القولُ

ولنا الحولُ

ولنا الطولُ

في هذا العصر الأصفرْ

* شاعر فلسطيني