حفل تأبين لأدوارد سعيد بالجامعة الأميركية في القاهرة

TT

أقامت الجامعة الاميركية بالقاهرة حفل تأبين للمفكر الفلسطيني ادوارد سعيد حضره حشد من الكتاب والمثقفين والباحثين.

استهلت الحفل الدكتورة فريال غزول استاذة الأدب المقارن بالجامعة، وأشارت الى أن هذه الأمسية ليست تأبينا لراحل بل هي احتفاء بحياة مفكر كبيرعلمنا جميعا ثقافة المقاومة ونبل الاختلاف والثبات على الموقف مقدما لنا نموذجا من توحد الخطاب بالممارسة.

وقالت غزول عملت مع ادوارد سعيد حين كان استاذا في جامعة كولومبيا، كان مذهلا بموسوعيته، فاتناً ببلاغته، صارما في تقييمه، وانسانيا في رؤيته، ومنذ المحاضرة الأولى له أدركت انني سأعكف على قراءة كل حرف يكتبه، مصغية بجوارحي لكل كلمة يكتبها.

وأضافت: وعندما بدأت التدريس في الجامعة الاميركية عرّفت طلابي بأعماله وبكتبه وبمواقفه المشرفة، ووجدت ان الجميع مأخوذون بهذا المفكر المتألق وبسعيه الدائم والدائب الى منح صوت للمهمشين والمقموعين. لقد فتح لنا ادوارد سعيد بابا للأمل في مستقبل أفضل مهما طال الطريق، ومهما بعدت الآمال، لقد مهد لنا طريقا سلكه بخطاه الثابتة وعمله المثابر، طريق النهوض والتقدم من أجل شعب حر ووطن سعيد.

ثم عرض فيلم تسجيلي عن حياة ادوارد سعيد تحدث فيه عن طفولته وأمه وأهله وصباه عن كتبه وأعماله وعن رؤيته السياسية المعارضة وعن دور المثقف في المجتمع، كما عزف ـ أدوارد ـ أثناء الفيلم مقطوعته المفضلة على البيانو.

وقال الكاتب محمد حسنين هيكل في رسالة بعث بها الى الحفل: ليس في مقدور أية أقلام أن تعبر عن الخسارة التي نزلت علي عندما نما الى علمي أن ادوارد سعيد قد رحل عن دنيانا، هذا المبدع الحقيقي والمتوهج. فمنذ سنوات طويلة كان ادوارد سعيد يعرف انه مصاب بسرطان الدم وكان يقاوم ببسالة، يقعده المرض فيقوم رافعا قامته بكبرياء، كاتبا كلمته الشريفة بدون تغير ولا تبديل، وقبل وبعد كل شيء بكرامة انسان كأكرم ما يكون البشر بحثا عن القيمة والجواهر في حوار الانسان مع الكون.

أضاف هيكل: «في أوائل هذا الصيف كان ادوارد سعيد مدعوا عندي ببيتي الريفي ولاقيته قبلها وأحسسته مرهقا وصحبته الى محاضرته في الجامعة الاميركية، بعدها كان مستنزفا لما لقي من حفاوة، ولما بذل من مجهود، وفي اليوم التالي جاء ضيفا علي ومعه قرينته المحبة والحانية مريم ادوارد، وقضينا يوما كاملا، ورغم انه كان متعبا مما أثار لدي هاجسا غريبا أن النهاية اقتربت الا انه ظل طوال الوقت يتحاور ويتناقش ويفكر».

واختتم هيكل رسالته بقوله: «وعرفت قبل رحيله بأسبوعين ان ادوارد دخل المستشفى وأردت ان أتصل به الا انني عرفت انه دخل غرفة الانعاش وراودني احساس ان اجراس السماء تدق الآن».

عقب ذلك عرض فيلم تسجيلي ليوسف شاهين حول دورادوارد سعيد في فيلم الآخر وكيفية تدريبه على القيام بدوره، تضمن الفيلم أيضا مناظرة فكرية بين ادوارد والمخرج خالد يوسف حول التطبيع اختتمها ادوارد سعيد بقوله: أبحث عن مبدأ جديد للتعايش بين الشعوب، لا داع لأن نرجع مائة عام الى الوراء فلنأخذ حقنا في المستقبل أولا، أن نبحث عن طريق جديد للتعايش في دولة واحدة على أسس جديدة مختلفة، اسرائيل هي البلد الوحيدة في العالم التي ليست دولة مواطنيها، بل دولة الشعب اليهودي، أما فلسطين فيجب أن تكون للمواطنين ويجب أن نحارب من أجل هذا، وحتما سننتصر.

ثم تحدث الكاتب جمال الغيطاني عن ذكرياته مع ادوارد سعيد، وحكاية أول لقاء تم بينهما، وقال الغيطاني: كان ادوارد سعيد، صلب الإرادة، منذ أن بدأ مرضه لم يهن ولم يتقاعس، تابعت صراعه مع السرطان ببطولة وقوة تعكس تعلقه بالحياة، كان ادوارد يستنفر آخر ما تبقى له، وكنت أرصد فيه تلك الشفافية، كانت رؤاه كونية انسانية، تمثل جوهرا انسانيا ساميا يجب أن نتمثله ونحتذي به.

ولمح الدكتور مرسي سعد الدين في كلمته الى علاقته الشخصية بإدوارد سعيد، والى قوة آرائه وثباته على مواقفه، وحدته في رفض ضياع الوطن هكذا هباء منثورا، كما كان يبين من خلال مقالاته التي كانت تنشر في «الأهرام ويكلي».

وقال دكتور هاني حنفي تلميذ ادوارد سعيد: لقد كان لي شرف أن أكون تلميذا لإدوارد سعيد في الفترة من 1994 ـ الى 1996، وككثير من القراء عرفت ادوارد المفكر بمحض المصادفة في أواخر الثمانينات من خلال كتابه الأشهر: الاستشراق والذي كان لي بمثابة اكتشافاً، وأظن انه سيكون كذلك لكل الاجيال المقبلة حيث أعاد تحديد حدود العالم بالنسبة لي مزيلا تلك الخطوط الفاصلة الوهمية التي اخترعتها وراكمتها الموجات المتتالية من الهجمات الاستعمارية.