المياه والصراعات المستقبلية

كتاب مزود بالأرقام والإحصائيات عن خطط واحتياجات دول حوض نهر الأردن

TT

اخذ الاهتمام يتزايد بمشكلة المياه في منطقة الشرق الاوسط، بعد وضوح العجز الكبير في الموازنة المائية لبعض دول المنطقة العربية، خاصة العراق وسورية والاردن والاراضي الفلسطينية المحتلة، حيث عانت هذه البلدان من الآثار الخطيرة للجفاف في السنوات الاخيرة، على الرغم من وجود مصادر مائية غنية في اراضيها.

وتعتبر دراسات الباحث العراقي، المهندس صاحب الربيعي، من الدراسات المهمة في ايضاح الابعاد الخطيرة لهذه المشكلة وتأثيراتها في عملية السلام والتنمية في الشرق الاوسط وبالتالي استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة تتشابك فيها المصالح الحيوية لمعظم دول العالم. ويمثل كتابه الجديد «الامن المائي ومفهوما السيادة والسلام في دول حوض الاردن» الذي صدر أخيرا، مواصلة نوعية لدراساته السابقة بهذا الشأن.

يتضمن الكتاب مدخلا واربعة فصول ومجموعة كبيرة من الجداول والاشكال التوضيحية (37 جدولا و 48 شكلا تخطيطيا). ففي المدخل تناول الباحث الابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمشاكل الناتجة عن الصراع على المياه بين دول المنطقة وشعوبها التي ترجع، حسب رأيه، الى: أ ـ عدم تناسب الموارد المائية مع تزايد استعمالاتها الصناعية والزراعية والبشرية. ب ـ الاستخدام السياسي لقضية المياه من قبل بعض دول المنطقة، خاصة اسرائيل، كأداة ضغط سياسي لفرض حلولها الخاصة على الشعب الفلسطيني والدول العربية المحتلة اراضيها، مشيرا الى ان الحروب التي شنتها اسرائيل على الدول العربية، على مدى اكثر من نصف قرن، كانت تدور رحاها على مصادر المياه. وهذا ما سيحصل في الصراعات المستقبلية.

في الفصل الاول، يتناول الكتاب مياه نهر الاردن وصراع الحرب والسلام، مستعرضا في البداية الطبيعة الطبوغرافية لحوض النهر، ليؤكد من خلاله تطابق الحقوق العربية مع القانون الدولي. ثم يستعرض المشاريع الصهيونية ـ الاستعمارية للسيطرة على مياه الحوض، سواء عبر اقامة المشاريع التي تضمن لها السيطرة التكنولوجية على توزيع المياه أو من خلال الاحتلال العسكري المباشر لمصبات المياه (الجولان والجنوب اللبناني وكل الضفة الغربية لنهر الاردن). ويشير المؤلف الى ان المشروع العربي المضاد للمشروع الاسرائىلي الخاص بنهر الاردن الذي أقره مؤتمر القمة العربية الاول عام 1964، قد اجهض عسكريا من قبل اسرائيل اثر خسارة العرب لحرب يونيو (حزيران) 1967.

يخصص الباحث الفصل الثاني لمواقف دول حوض نهر الاردن (سورية، لبنان، الاردن، فلسطين، واسرائيل) بشأن الاستخدام الامثل للمياه، وارتباط ذلك بمفهوم السلام الشامل بالمنطقة، مشيرا الى التناقض الحاد بين مواقف الطرفين العربي والاسرائيلي، سواء في ما يتعلق بالسلام أو التوزيع العادل للمياه، مبينا اصرار الجانب الاسرائيلي على رفض الحقوق التاريخية للبلدان العربية المطلة على حوض الاردن، عبر الاعتماد على مفهوم الحقوق المكتسبة التي فرضها الواقع الجديد، واقع الاحتلال وتغيير ميزان القوى الاقليمي والدولي لصالح اسرائيل، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبناء على ذلك فإنها، أي اسرائيل، تطرح مبدأ الاحتياجات، «دعونا نضع جانبا موضوع الحقوق ونركز جهودنا على موضوع الاحتياجات» مشيرا بذلك الى تصريحات لابراهام كاتزعور، وزير الزراعة الاسرائيلي السابق، وعضو الوفد المشارك في مفاوضات المياه بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ويؤكد الباحث ان هذا الرأي يمثل تكثيفا لأهم آراء ومواقف القادة الاسرائيليين بشأن السلام وتحديدا المتعلقة منها بالمياه.

وفي الفصل الثالث يتناول الباحث تطور استخدامات المياه في دول حوض نهر الاردن والموارد المائية المتوفرة، مشيرا الى ان سورية ولبنان قادران على تلبية احتياجاتهما المائية للاستخدام الصناعي والزراعي والبشري في الوقت الراهن، في حين تواجه بقية دول الحوض عجزا، فإسرائيل يقدر عجزها عام 2000 بحدود مليار متر مكعب، تسده من خلال استيلائها على مياه الآبار في الضفة الغربية ومياه الجولان (تلبي بحدود %40 و %30 على التوالي من العجز) وباقي العجز تعوضه من الاستغلال غير العادل لمياه نهر الاردن. اما بالنسبة للاردن والضفة الغربية وقطاع غزة، فإن عجز الموازنة المائية فيهما يبلغ 300 مليون متر مكعب و 395 مليون متر مكعب على التوالي للفترة نفسها. ويؤكد الباحث ان العجز في الموازنة المائية في البلدان المذكورة يشكل نقطة صراع دائمة حتى بعد توصل الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى اتفاق سياسي بخصوص الارض، مشيرا الى تجربة الاردن مع اسرائيل بعد توقيع اتفاقية سلام وادي عربة عام 1994، حيث ما زالت اسرائيل تستغل الموارد المائية الاردنية بشكل غير مشروع وترفض تنفيذ التزاماتها المائية التي حددتها الاتفاقية الملحقة باتفاقية السلام مع الاردن.

وفي الفصل الرابع، الذي يعتبر من اكبر فصول الكتاب نظرا لأهميته، عالج الباحث سبل تنمية الموارد المائية في دول حوض نهر الاردن، بغية انهاء حالة الصراع القائمة على المياه، مستعرضا، وبشكل مفصل، اهم مشاريع التنمية المائية في الشرق الاوسط وتحديدا الاقليمية منها، كمشاريع نقل المياه من الدول غير العربية (ايران، تركيا وباكستان) مشيرا الى الاسباب المالية / السياسية التي حالت دون تنفيذها. كما يستعرض الكتاب المشاريع العربية لنقل المياه من العراق والسودان لكل من الاردن وبعض دول الخليج العربية، مؤكدا الصعوبات المالية والتعقيدات السياسية التي خلفتها حرب الخليج الثانية التي ادت الى عدم تحقيقها، على الرغم من جدواها الاقتصادية والاجتماعية. ويفرد المؤلف اهمية خاصة للمشروع الاقليمي (الاردني الاسرائيلي) لنقل مياه البحر الاحمر الى البحر الميت، مبينا سلبياته وايجابياته لكل من الاردن واسرائيل.

ويعطي المؤلف اهمية واضحة للنهر العظيم في ليبيا ودوره في خلق توازن مائي ايجابي في ليبيا. وفي نهاية الفصل يشير الباحث الى اهمية المشاريع الاقليمية في ايجاد حلول دائمة لأزمة المياه في دول حوض نهر الاردن ودول المنطقة الأخرى التي تعاني من شحة المياه كدول الخليج العربية.

في الختام ينبغي الاشارة الى ان الكتاب يعاني من زحمة الارقام والاحصاءات التي تضمنها المتن. ومع اللغة المكثفة للكتاب، يصبح استيعاب القارئ العادي، غير المتخصص، لبعض فقراته، اكثر صعوبة. ولكن هذه الملاحظة لا تقلل من اهمية الكتاب وفائدته العلمية التي تجعل منه مرجعا قيما لكل من يهتم بقضية المياه والصراع الاقليمي حولها، خاصة الكتاب والصحافيين والسياسيين والهيئات الرسمية وكذلك معاهد الابحاث والدراسات المعنية بهذا الشأن، نظرا لمعلوماته الغزيرة وحيادية التناول للوثائق، اضافة الى الآراء والمقترحات، التقنية والسياسية، التي قدمها الباحث الربيعي، لمعالجة مشكلة المياه في منطقة الشرق الاوسط.