السيادة الفلسطينية المعطلة

نايف حواتمة يكشف مشادات الكواليس في كتابه الجديد «أبعد من أوسلو... فلسطين إلى أين؟»

TT

كتاب نايف حواتمة الجديد: ابعد من اوسلو... فلسطين إلى أين؟ يعيد وصل المناقشة التي بدأها حواتمة منذ كتابيه السابقين: كتاب حواتمة يتحدث، وكتاب اوسلو والسلام الآخر المتوازن.

يضم الكتاب الجديد بين دفتيه ستة فصول متداخلة في افكارها، وتنسج نسيج الحالة الفلسطينية منذ ما بعد توقيع اتفاق اوسلو الأول في باحة البيت الأبيض (13/9/1993)، وصولاً الى الاجتماع الأخير للمجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد في قطاع غزة في فبراير (شباط) 2000، وفضح اسرار مباحثات البولينغ 1، 2، ايلات واستوكهولم، حيث يعرض حواتمة وقائع ما جرى في اجتماع المجلس المركزي والوقائع الساخنة التي سبقت التحضير له، واضعاً محاور جلسات النقاشات، بل ومحاضر الاجتماعات السرية بيد القراء والمتابعين للشأن السياسي العربي والفسطيني بلغة شفافة بديلة عن لغة الالتباس التي طغت وما زالت على السياسات العربية والفلسطينية في ظل انهيارات وما بعد انهيارات تسوية مدريد على مختلف مسارات التفاوض العربية مع الدولة العبرية الاسرائيلية.

في الفصل الأول الذي يحمل عنوان: الخصوصية الفلسطينية (الفرادة والتداخل)، يتطرق حواتمة الى تداخل الحالة الفلسطينية مع الحالة العربية، والى الخصوصية التي ميزت بشكل موضوعي الوضع الفلسطيني رابطاً بين المسألتين، ومعطياً الأمثلة الحية الملموسة التي تشير الى ذلك من خلال التاريخ الفلسطيني القريب، وحالة الانهيار العربية التي نشأت بعد حرب الخليج الثانية وتفكك الاتحاد السوفياتي وانعكاساتها المؤلمة جدا على الوضع الفلسطيني والمفاوضات الجائرة التي تدور منذ مدريد الى الآن. خاصة على المسار التفاوضي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، واضعاً القارئ أمام استنتاج مؤداه: ان مساحة التداخل الفلسطيني ـ العربي، والترابط بين الخاص والعام، بين القومي والوطني مساحة تبقى موجودة بكل الحالات. وهي مساحة تتقلص أو تتوسع بالمعنى النسبي الا انها تربط المصير الفلسطيني ومفاوضات المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي بالحالة العربية.

في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان: استراتيجية المراحل (قضايا وحقوق وطنية/ قومية)، يتطرق حواتمة ويناقش المرحلة المهمة من عمر الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ويعرض بالتفاصيل ما جرى حين تبنت منظمة التحرير البرنامج المرحلي عام 1974 ولقاءات القيادة الفلسطينية الرسمية الأولى مع القيادة السوفياتية عام 1974 والحوار الذي دار مع كوسيتين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي آنذاك، ويربط حواتمة بين تلك الفترة ومرحلة ما بعد اوسلو، خاصة ان بعض المعارضة الفلسطينية يربط بشكل ساذج بين البرنامج الكفاحي المرحلي ومسلسل تداعيات مدريد ـ اوسلو. مصنفاً المعارضة الفلسطينية الى: معارضة شعاراتية ذات خطاب قومي عام من دون أي فعل أو دور قومي، ومعارضة اسلامية ذات خطاب عام يقدم القضية الفلسطينية باعتبارها وقفا اسلاميا من دون أي فعل اسلامي. ومعارضة وطنية واقعية تدعو للالتزام بالبرنامج الوطني المرحلي المشترك.

ويبحر حواتمة في هذا الفصل عارضاً خارطة المعارضة الفلسطينية ومؤتمراتها الثلاثة التي عقدت نهاية عام 1998، خاصة مؤتمر دمشق وما جرى فيه وداخل كواليسه من مشادات صاخبة حين دعا البعض لاعادة انشاء منظمة تحرير موازية، واحياء افكار ومقترحات بالية دفع ثمنها الشعب الفلسطيني الخسائر الفادحة من دمار واقتتال داخلي.

في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان: جدلية الداخل والخارج (الوحدة والتعارض) يتم التعرض للوضع الفلسطيني بين الداخل والشتات بعد وقوع الانقسام على خلفية اتفاق اوسلو. ويناقش حواتمة من خلال اجاباته على اسئلة كثيرة طرحت عليه في لقاءاته العربية والدولية عددا من المفاهيم التي تتعلق باوضاع الشعب الفلسطيني، والتنظيرات التي انطلقت من هنا وهناك تبشر بحلول التوطين خاصة، وتهجير اللاجئين من لبنان الى المنافي. حواتمة يناقش كل هذه القضايا في اجاباته ويتطرق الى رسالة ارسلها الى الرئيس اميل لحود بهذا الصدد. ويشير الى أن السلطة الفلسطينية تمثل جزءاً من الشعب على جزء من الارض ولا تمثل كل الشعب والوطن، ويقدم الحلول لمعضلات التعارض والتناقض داخل فلسطين وبين الداخل والخارج.

في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان: فلسطين... السيادة المعطلة، يتم تركيز النقاش على مشروع اعلان بسط سيادة الدولة الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967وعاصمتها القدس، خاصة ان الجبهة الديمقراطية كانت من طليعة القوى الفلسطينية التي دعت الى هذا الاعلان مع انتهاء المرحلة الانتقالية في 4/5/1999. ويعود حواتمة الى المعارضة الواسعة التي واجهها حين دعا الى ذلك عندما قدم مبادرة الجبهة الديمقراطية من قبل كل الفصائل، والموقف اللاحق الذي اتخذته معظم هذه الفصائل منادية بتبني اعلان بسط السيادة. والاصطفاف الذي وقع بصفوف هذه القوى وانتقال بعضها من الرفض المطلق للحوار مع السلطة الى القبول به والدعوة اليه.

يكشف حواتمة في هذا الفصل كل تفاصيل ما جرى بين المعارضة المعارضة، وبين المعارضة السلطة تجاه استحقاق اعلان بسط السيادة. ويدخل الى اجتماعات المجلس المركزي الثلاثة واضعاً التفاصيل بالاسماء والمعطيات امام القارئ.

ولا ينسى حواتمة ان يبدأ هذا الفصل بتقديم مادة تاريخية/اكاديمية/دراسية تقوم على استعراض مسألة الاستقلال والسيادة من زاوية التجربة الدولية عارضاً كمقاربات: تجربة دول البلطيق، تيمور، كوسوفو.. الخ.

في الفصل الخامس الذي حمل عنوان: فلسطين.. الحلم والواقع، يطلق حواتمة نظراته مع أفول شمس القرن العشرين، وانطلاق كرونومتر الزمن معلناً صيرورة الالفية الثالثة. فنقرأ كتابة وجدانية امتزج فيها الشعور الانساني الرقيق للسياسي مع السياسة، وامتزج فيها جموح صراع البقاء واستمرار الشعب واستقلاله مع تطلعات انسانية يمتد قوسها الى مسافات بعيدة، وتحمل معها نبل المشروع الوطني الفلسطيني، مجيباً بكل تفاؤل رغم ظلام المرحلة بأن فلسطين حلم مشروع، وطموح واقعي، فكل شعوب الارض استقلت وقررت مصائرها بيدها، ولم يبق على الأرض سوى الشعب الفلسطيني حفيد كنعان وفينيق وآرام القديم عراقة التاريخ من دون دولة مستقلة.

في الفصل السادس يقدم حواتمة ملحق الوثائق والمادة الارشيفية، وبعضها يعرض لأول مرة تدعيماً لافكار ومادة الكتاب في 20 وثيقة.